الجمعة, نوفمبر 22
Banner

مبادرة بري هكذا بدأت وإنتهت.. وهكذا أطاح بها باسيل؟

حسين أيوب

كثر الحديث عن مبادرات، محلية وخارجية، لكسر الجمود السياسي الذي يمنع تأليف حكومة لبنانية جديدة برئاسة سعد الحريري، برغم مرور ما يزيد على مائة يوم على تكليفه، فما هي حقيقة هذه المبادرات وماذا تمخض عنها من نتائج حتى الآن؟

غداة دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، رتّبت الدوائر الرئاسية الأميركية والفرنسية إتصالاً هاتفياً مطولاً بين بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (24 كانون الثاني/ يناير). في ظل هذا المناخ الخارجي من جهة وغياب المبادرات في الداخل من جهة ثانية، قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري “إلتقاط اللحظة الدولية” بإطلاق مبادرة محلية، في مسعى منه لكسر الجمود السياسي. أوفد معاونه السياسي علي حسن خليل للقاء رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. في هذا اللقاء الثنائي، كان السؤال الأبرز: كيف يمكن إحداث خرق في جدار الأزمة السياسية ونحن جاهزون لتقديم كل مساعدة سياسية ممكنة؟

في محصلة هذا اللقاء، أبلغ الحريري ضيفه أنه سيزور بري في غضون الساعات المقبلة، وبالفعل، حلّ رئيس تيار المستقبل ضيفاً على عين التينة. توجه بري للحريري قائلاً: لا يجوز يا شيخ سعد أن تستمر حالة المراوحة. هل أنت مستعد لتقديم تنازلات، وفي الوقت نفسه، نتساعد أنا وحزب الله من أجل الحصول على تنازلات مقابلة من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

جرى أخذ ورد طويلين في اللقاء، وفي المحصلة، أبدى الحريري إستعداداً للتحرك ضمن الهوامش الآتية:

أولاً، لا تنازل عن حكومة الـ 18 وزيراً.

ثانياً، لا ثلث معطلاً لأي فريق سياسي.

ثالثاً، لا تنازل عن حكومة الإختصاصيين من غير الحزبيين.

رابعاً، لا إعتذار عن التكليف مهما إشتدت الضغوط.

خامساً، تحت هذه السقوف، يمكن الأخذ والرد.

وافق بري على معظم لاءات الحريري، لا بل أبلغه بشكل واضح “إذا أنت وافقت على منح الثلث المعطل لأي فريق، أنا لن أوافق أبداً”.

كان الحريري متمسكاً بوزارتي الداخلية والعدل (مع عرض الأسباب الموجبة لذلك)، ولكن بري نجح في فتح كوة، عندما طلب من الحريري أن يتنازل عن إسناد الداخلية إلى القاضي الأرثوذكسي البيروتي زياد أبو حيدر، لمصلحة شخصية يختارها رئيس الجمهورية وتكون مقبولة من الجميع، وهذا الأمر يسري أيضاً على وزارة العدل التي يتمسك الحريري بها (يختار شخصية سنية تكون مقبولة من رئيس الجمهورية).

عملياً، إرتكزت مبادرة رئيس مجلس النواب، في جزء منها، على إقتراح كان قد أطلعه عليه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ويقضي بكسر الحلقة المفرغة في الداخلية والعدلية، عبر الإتيان بوزير داخلية يسميه رئيس الجمهورية ويحظى بقبول الحريري ووزير للعدلية يسميه رئيس الحكومة المكلف ويوافق عليه عون.

إنتهى اللقاء بين بري والحريري، وتوجه علي حسن خليل الذي كان حاضراً في الجلسة، مباشرة إلى الضاحية الجنوبية، حيث أطلع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل على مضمون المبادرة، بحضور مسؤول ملف التواصل مع التيار الوطني الحر الحاج وفيق صفا. إتفق الثلاثة على أن يتولى صفا توجيه سؤال محدد إلى باسيل: ما هو سقف الحد الأدنى الذي توافق عليه من أجل إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية؟

وبالفعل، تولى صفا هذه المهمة، وطرح السؤال على باسيل، فكان جوابه هو الآتي:

أولاً، لا تنازل عن حكومة من 20 وزيراً.

ثانياً، لا تنازل عن تسمية ستة وزراء من التيار الوطني الحر، من دون الوزير الذي يسميه حزب الطاشناق (عملياً، لا تنازل عن الثلث المعطل سواء في حكومة الـ 18 أو الـ 20 وزيراً).

ثالثاً، رئيس الجمهورية لن يتنازل عن وزارتي الداخلية والعدلية.

حصل أخذ ورد بين باسيل وصفا، حول النقاط الثلاث، غير أن باسيل كان حاسماً في رفض التنازل عن حكومة الـ 20 وزيراً “أو لا تكون حكومة”، مثلما تمسك بتسمية وزراء “التيار” الستة أسوة بغيره من القوى، على أن يسمي “الطاشناق” وزيره السابع.

سارع حزب الله إلى إبلاغ بري بالمحصلة، ومن ثم تبلغ الحريري بفشل المبادرة، وصولاً إلى إصدار رئيس المجلس بيانه الذي نعى عملياً المبادرة وحمل مسؤولية فشلها لمن يتمسك بالثلث المعطل من دون أن يسميه، في محاولة لإستدراج رئيس الجمهورية إلى رد، وبالفعل، سارع إلى إصدار بيان على طريقة “كاد المريب أن يقول خذوني”!

هذه هي الوقائع التي رافقت المبادرة من دون أية إجتهادات، فلا إتصال جرى بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وجبران باسيل نهائياً، ولا دخول إيرانياً أو دولياً على خط الأزمة الداخلية حتى الآن.

ماذا بعد؟

من الواضح أن عون (ضمناً باسيل) والحريري يقاربان الأزمة الحكومية من مطرحين مختلفين.

للمرة الأولى، بدأ رئيس الجمهورية ميشال عون يحمّل حزب الله وبري مسؤولية تسمية الحريري، قائلاً “عليهما أن يتحملا مسؤولية خيارهما. أنا لن أقبل بشروط الحريري حتى آخر يوم من أيام العهد”. وما يردّده عون لا يتواني باسيل عن قوله لا بل هو جاهر بأنه يريد للحريري أن يعتذر البارحة قبل اليوم، وأن أكثر من مرشح أبلغه إستعداده لقبول التكليف (قال إن رئيس الجمهورية “يُفكّر” بأسماء ثلاث شخصيات سنية من صيدا وبيروت والشمال). وأكد باسيل أن أقصى ما نقبل به هو المساكنة مع سعد الحريري، وبشروطنا، ولو قبل حزب الله ورئيس المجلس معنا لما تورطنا بتسمية سعد الحريري.

النقطة الثانية، تتصل بتسمية الوزراء الإختصاصيين، وللمرة الأولى يُعبّر باسيل عن إحباطه من تجربة الوزراء الذين سماهم هو ورئيس الجمهورية في حكومة حسان دياب، وقد صارح من راجعوه بالقول “هل تعتقدون أن الحصة التي أسميت علينا في حكومة دياب كنا نمون عليها. ابداً. ريمون غجر (وزير الطاقة) لا يسمع كلمتي وفاتح دكانه على حسابو. زينة عدرا (وزيرة الدفاع) طلعت بتشتغل عند سعد الحريري وطلعنا مغشوشين فيها. ماري كلود نجم (وزيرة العدل) لا أحد يعلم من هي مرجعيتها الأولى أو الأخيرة”؟

هذا الإحباط جعل باسيل يتمسك هذه المرة بوزراء يسميهم “التيار”، خلافاً لكل منطق المبادرة الفرنسية، وهذا الأمر إن دلّ على شيء إنما على عدم وجود شيء إسمه حسابات ربح أو خسارة. فالخسارة وقعت. العهد فشل والعقوبات فرضت وأقصى ما يمكن أن نخسره قد خسرناه، وبالتالي ليس بمقدور أحد أن يهددنا إذا تمسكنا بخياراتنا.

النقطة الثالثة، صار باسيل يقيم وزناً للحلفاء الباقين معه في ظل تشظي وضع كتلة لبنان القوي (خسرت ثلث الأعضاء خلال أقل من سنتين)، فضلاً عن وضع التيار الداخلي، لذلك، لا يريد أن يخسر طلال ارسلان ولا كتلته التي هي عملياً مجموعة نيابية تنتمي إلى التيار الحر أو محسوبة عليه. من هنا تمسكه بحكومة العشرين وزيرا، أي تسمية وزير من أصل الوزيرين الدرزيين، وفي المقابل، زيادة الحصة الكاثوليكية من وزير إلى وزيرين.

النقطة الرابعة، تتصل بحقيقة موضوع التدقيق الجنائي وما يريد منه رئيس الجمهورية وأيضاً رئيس التيار الوطني الحر، وليس أقله “رمي رياض سلامة في السجن، ومن ثم تكر السبحة ونرمي الآخرين في الحبس، وأولهم سعد الحريري”. لا يجد رئيس الجمهورية سبباً لتمسك الحريري بوزارتي العدل والداخلية إلا من هذه الزاوية، أي محاولة إستعمالهما لحماية نفسه ومنظومته (ثمة حديث عن أرقام حصل عليها الحريري من الهندسات وسدّدها للإماراتيين بقيمة 300 مليون دولار)!

النقطة الخامسة، تتصل بالضمانات التي يمكن أن يقدمها حزب الله إلى باسيل في هذه الحكومة أو غيرها، بديلاً للثلث المعطل، وكان اللافت للإنتباه أن رئيس التيار رفض كل الإقتراحات التي تعطيه أية ضمانة من كيس الآخرين (وزير ملك أو وزراء الحزب الفلاني) وأصرّ على أن يكون التيار هو الضامن، وهذا الأمر مرتبط بالإستحقاقات المقبلة من رئاسية ونيابية، فضلا عن تعيينات إدارية ولا سيما تعيين حاكم مصرف لبنان المركزي إذا تشكلت حكومة جديدة.

المعضلة الكبرى اليوم أن سعد الحريري يدرك أن تراجعه يساوي نهايته السياسية في شارعه وإمتداده الإقليمي. بالمقابل، يدرك باسيل أن الخسارة وقعت وبالتالي، عليه أن يثبت للمسيحيين أنه بات يمثل هو شخصياً “المسيحي القوي” الذي يرفض التنازل لبايدن وماكرون ونبيه بري والحريري وحزب الله، وهذا الأمر سيرتد عليه إيجاباً في الشارع المسيحي.

هل دخل الفرنسيون أو غيرهم على الخط بشكل جدي حتى الآن؟

إقتصرت إتصالات إيمانويل ماكرون على رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، بينما أجرى الدبلوماسي الفرنسي باتريك دوريل وبعض معاونيه إتصالات شملت مروحة كبيرة من الشخصيات السياسية اللبنانية وتلك التي تمثل المجتمع المدني، ولكن من دون “أجندة” سياسية محددة حتى الآن، سوى الحث على تأليف حكومة جديدة وربط زيارة ماكرون بولادة تلك الحكومة.

ما مدى صحة دخول الإمارات بالتنسيق مع الفرنسيين على خط الأزمة الحكومية وهل صحيح أن الحريري وباسيل تلقيا دعوتين لزيارة أبو ظبي وأن باسيل لم يقرر بعد إذا كان سيلبي الدعوة أم لا أم أنهما طلبا مواعيد ولم يأتِ الجواب الإماراتي حتى الآن؟ للبحث صلة.

Leave A Reply