مع ان كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شأن الازمة الحكومية في لبنان لم يتضمن ما يشبه المفردات اللاذعة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في حق الطبقة السياسية اللبنانية، فان الرسائل السياسية المباشرة التي وجهها السيسي والمسؤولون المصريون الأخرون في هذا السياق، اكتسبت دلالات بارزة حيال النظرة الشديدة السلبية التي تغلب على العالم العربي كما الغربي، حيال تعطيل تشكيل الحكومة. وبدا واضحا ان زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري للقاهرة، والجولات المتعددة لمحادثاته مع الرئيس المصري ووزير الخارجية سامح شكري والمدير العام للمخابرات المصرية، وكذلك مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والإحاطة الدافئة التي حرصت القاهرة على اظهارها في استقبال الحريري رسمت شكلا ومضمونًا اطار الدعم المصري القوي للرئيس المكلف وحضا قويا على تسهيل مهمته في تشكيل الحكومة العتيدة وتجاوز الاشتراطات والتعقيدات التي تحول دون استكمال هذا الاستحقاق الملح.
زيارة الرئيس المكلّف سعد الحريري الى مصر وحفاوة استقباله من الرئيس المصري السيسي تعكس دخول مصر بقوة على دعم المبادرة الفرنسية، بعد دولة الامارات التي سيتوجه اليها مجدداً الرئيس الحريري عشية زيارته المرتقبة الى باريس. وتشير المعلومات الى ان الحريري وبانتظار الاتفاق الداخلي على تأليف حكومة المهمة من المستقلين عن الاحزاب، قرر التحرك خارجياً لملاقاة المبادرة الفرنسية بشقها الخارجي من حيث تأمين الحشد المطلوب عربياً وخليجياً ودولياً للمساعدات التي ستقدم للبنان بعد تأليف الحكومة. وأفادت معلومات ان الحريري يطرح تشكيل مجموعة دعم عربية للبنان وإمكان انشاء صندوق عربي لتوفير المساعدات المالية. كما تشير المعلومات الى ان كلاً من مصر والامارات تعملان مع باريس على ملاقاة المبادرة الفرنسية ان باتجاه القوى السياسية في لبنان او باتجاه الدول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية.
واذا كان الدعم المصري المعلن بشكل واضح لتشكيل الحريري حكومة مستقلين اتخذ بعده الداخلي من خلال التغطية المصرية أيضا للموقف الذي اعلنه قبل أيام قليلة رئيس مجلس النواب نبيه بري، فان مجمل الخلاصات التي انتهت اليها زيارة الحريري للقاهرة عكست الالتقاء الواضح بين الدور المصري الدافع نحو تشكيل الحكومة والمبادرة الفرنسية التي تحركت مجددا في الفترة الأخيرة. وليست هذه المرة الأولى التي تبرز فيها ملامح التنسيق الفرنسي المصري حيال الوضع في لبنان، اذ ان المراحل الأولى من اطلاق المبادرة الفرنسية في آب الماضي كانت شهدت تناغما مماثلا بين باريس والقاهرة حيال لبنان، ولو ان التساؤلات ستتركز الان على المسالك التنفيذية لترجمة إعادة تفعيل التنسيق والتكامل بين ادوار الدول الداعمة لاستعجال تشكيل الحكومة، وهل سيجدي الضغط التصاعدي لهذه المواقف في كسر جدار التعطيل؟ وتشير المعطيات الى ان أي مؤشر إيجابي لم يطرأ في الداخل بعد، لكن يبدو ان الفترة المقبلة ستشهد بداية عودة الاهتمامات الخارجية بالملف اللبناني سواء من خلال التخوف على استقراره الأمني والاجتماعي او من خلال تحرك الملفات الإقليمية ذات التأثير على واقع لبنان.
وقد اكد الرئيس المصري خلال استقباله الرئيس الحريري بحضور وزير الخارجية سامح شكري “حرص مصر على الحفاظ على قدرة الدولة اللبنانية بالمقام الأول، واخراج لبنان من الحالة التي يعاني منها حالياً، من خلال قيام كل القادة اللبنانيين بإعلاء المصلحة الوطنية،ِ وتسوية الخلافات، وتسريع جهود تشكيل حكومة مستقلة قادرة على التعامل مع التحديات الراهنة وصون مقدرات الشعب اللبناني الشقيق ووحدة نسيجه الوطني”. واعرب “عن خالص التمنيات للحريري في تشكيل الحكومة الجديدة، على نحو يلبي تطلعات الشعب اللبناني الشقيق في تحقيق الأمن والاستقرار”، ومشدداً على “استعداد مصر لتقديم كل أوجه الدعم والمساعدات لتجاوز الأزمات التي يواجهها لبنان، لاسيما التداعيات التي خلفها كل من حادث انفجار مرفأ بيروت وجائحة فيروس كورونا”. اما الحريري فأعرب عن “تقدير بلاده للجهد المصري في دعم لبنان في المجالات كافة ، خاصةً من خلال تقديم كافة أشكال العون والمساعدات للبنان في أعقاب تداعيات حادث مرفأ بيروت، وكذلك كركيزة أساسية في حفظ الاستقرار بها والمنطقة العربية ككل”.
كذلك برز موقف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط خلال لقائه الحريري ، اذ ناشد ” كل الأطياف السياسية تنحية الخلافات ومنطق المحاصصة الضيق جانبا وإعلاء مصلحة الوطن، وتقديم المواءمات اللازمة لإنجاح رئيس الوزراء المكلف في تأليف حكومة من الاختصاصيين، تكون مهمتها إنقاذية في المقام الأول، وبما يعبد الطريق أمام أصدقاء لبنان في المجتمعين العربي والدولي لتقديم الدعم الضروري لانتشال البلد من أزمته”.
وفي سياق متصل شكل الملف الحكومي محور لقاء البطريرك الماروني الكاردينال بشاره بطرس الراعي والسفيرة الأميركية دوروثي شيا، وأفادت المعلومات انه كان تشديد بينهما على ضرورة تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت لتعمل على إنقاذ لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
مؤشر انهيار الدولة
وفي غضون ذلك اعتبرت مجموعة الأزمات الدولية أن أعمال الشغب الأخيرة التي وقعت في مدينة طرابلس، “هي مؤشر جديد على بوادر انهيار الدولة”. وقالت “يجب على شركاء لبنان الدوليين مواصلة الضغط على نخبته الحاكمة لحل الأزمات، ومضاعفة المساعدات الإنسانية للسكان اليائسين بشكل متزايد”، مضيفة “طرابلس ومحيطها من أفقر المناطق في لبنان، لكن المعاناة تزداد سوءا في جميع أنحاء البلاد، وفي أفعالهم وردودهم، ربما قدم المتظاهرون ومثيرو الشغب في المدينة صورة لما ينتظر لبنان في الأشهر المقبلة”. وحذرت من أن “إذا استمر الانحدار الاقتصادي بالهبوط، أو أدت تدابير تقشف جديدة مثل خفض الدعم عن السلع إلى زيادة الضغوط الاجتماعية، فقد يتزعزع الاستقرار في البلاد بشكل خطير”.
“حرب المسيرات”
وسط هذه الأجواء بدأ القلق يتصاعد حيال ملامح التوتر التي سادت الحدود الجنوبية امس عقب اطلاق “المقاومة الإسلامية” صاروخا في اتجاه طائرة إسرائيلية مسيرة كما في ظل تحليق مسيرة إسرائيلية في سماء الضاحية الجنوبية ليل أول من امس . ومع ان احتمالات التصعيد المتبادل لا تزال تبدو مستبعدة فان أجواء التوتر تجد ترجمة لها مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية واستخدام الوضع اللبناني من ضمن الأوراق الانتخابية .
وأفاد المحلّل العسكري لــ”القناة 12″ الإسرائيلية مساء امس بأن الجيش الإسرائيلي يُناقش ما إذا كان يجب الردّ على عملية استهداف طائرة الاستطلاع بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان امس. وذكر المحلل أن هناك تخوفاً لدى الجيش من أن عدم الرد على حادث الامس، سيؤدي إلى تعرض الطائرات الإسرائيلية إلى مزيد من التهديدات.