الجمعة, نوفمبر 22
Banner

الأخبار: لبنان أهدر أكثر من 2600 كلم2 لحساب الجزيرة: عدِّلوا المرسوم 6433 وافرضـوا التفاوض على قبرص!

ليس العدو الإسرائيلي وحده من استولى على مياه لبنانية في المنطقة ‏الاقتصادية البحرية الخالصة، نتيجة سوء إدارة لبنان للمعركة، كما عدم ‏إعداده لها بالصورة المطلوبة. فإضافة إلى المنطقة الجنوبية المسروقة من ‏قبَل “إسرائيل”، في المنطقة الغربية، تنازل لبنان عن أكثر من 2600 كلم ‏مربّع لقبرص! تنازل يوجب إعادة القضية إلى بداياتها، وتعديل مرسوم ‏تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، وفتح التفاوض مجدداً مع ‏الجزيرة الجارة

يبدو أن حقيقة مؤلمة تغيب عن ذهن معظم اللبنانيين، ولا سيّما المسؤولين الرسميين، تتمثّل في أن الوفد اللبناني ‏المفاوض على ترسيم الحدود الجنوبية حمل إلى طاولة المفاوضات في الناقورة خريطة لا قيمة دستورية لها. فهذه ‏الخريطة، وإنْ كانت بإحداثيات مختلفة عن النقطة 23 التي سبق أن حددتها لجنة شكّلها مجلس الوزراء في عام 2008 ‏وأنهت أعمالها في 2009، وإنْ كانت أيضاً متقدمة نسبياً على سابقتها من عام 2009، إلّا أنها لم تُمهر بتوقيع أي ‏مؤسسة دستورية، لكونها غير صادرة بمرسوم عن مجلس الوزراء، ولا تحمل توقيع رئيس الجمهورية، فضلاً عن ‏أنها لم تنل، على ما يبدو، تأييد الكتل النيابية في مجلس النواب. هذه الخريطة التي حملها الوفد، بناءً على توجيه من ‏رئاسة الجمهورية، تنطلق من مقاربة جديدة للنقطة الأساس من الشاطئ اللبناني المسماة‎ B1‎، وتفرض تعاملاً مختلفاً مع ‏النتوء الصخري المسمى “تيخيليت”. لكن بالطبع كان بإمكان الوفد اللبناني تأبّط خرائط أخرى تزيد من المساحة التي ‏يقدّرها لبنان ذاتياً لتكون منطقته الاقتصادية الخالصة‎.

المشكلة التي تواجه المفاوض اللبناني اليوم، وبعض المسؤولين في الدولة، سببها أن المفاوض الإسرائيلي، أو ‏الوسيط الأميركي، وبكل بساطة، قد يُشكِل على الوفد بالقول إن الخريطة والمقاربة اللتين يقدّمهما لا تأييد دستورياً ‏لهما. بل وإن الطرح بذاته مخالف لما وافقت عليه المؤسسات الدستورية اللبنانية: المرسوم 6433/2011، ‏والخرائط المرفقة به، ورسائل الخارجية اللبنانية للأمم المتحدة في عام 2010 و2011. وهو للأسف، إشكال ‏صحيح، إلى حد يؤرّق الجميع، وبطبيعة الحال، الوفد اللبناني المفاوض‎.

لقد اتصل الوفد بجهات سياسية، مطالباً بتعديل موقعه التفاوضي عبر تعزيزه دستورياً، وتمكينه ليكون أوسع قدرة في ‏الدفاع عن حقوق لبنان، وفق تصوّر متطوّر، أكثر تحقيقاً للمصلحة الوطنية، وأرقى من الذي جرى اعتماده في 2009، ‏أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة‎.

باحثَ الوفد اللبناني تلك الجهات الرسمية، عارضا حاجته إلى استصدار مرسوم يعدّل المرسوم 6433/2011، ويحدد ‏من جديد إحداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، لكنّ بعض الجهات السياسية لن توافق على استصدار مرسوم، ‏معلّلة رفضها بأن مرسوماً من هذا النوع يمكن أن يحكم لبنان سلفاً، إذ إنه سيكون قد وضع حدوداً تقرّ بوجود منطقة ‏اقتصادية خالصة للكيان الإسرائيلي. في الواقع، هذا الكلام الذي يواجَه به الوفد ليس دقيقاً، وقد يجاب عنه بالقول إن ما ‏يقوم به لبنان هو ترسيمٌ ذاتيٌ لحدود منطقته الاقتصادية الخالصة، من دون أن يأتي على ذكر المنطقة التي تقابله‎.

المدهش أيضاً، هو ادعاء آخرين بأنه ليس من داع لوجود مرسوم يحدد منطقة اقتصادية خالصة للبنان، إذ يغيب عن ‏بال هؤلاء أن مجلس الوزراء أصدر عام 2011 المرسوم الرقم 6433 الذي يحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، ‏جاعلاً النقطة 23 نقطة ثلاثية البعد مع قبرص وفلسطين المحتلة. لذلك، فإن القول بألّا داعي لإصدار مرسوم جديد، ‏يُردّ عليه بأن لدى لبنان حقيقةً مرسوماً يرسّم حدوده بافتئات على حقوقه الأصيلة. الجدير ذكره أيضاً، أنّ سجالاً دار ‏خلال ترسيم خريطة عام 2009 بين وجهتَي نظر. الأولى تتمثل بوزارة الأشغال ومديرية الشؤون الجغرافية في ‏الجيش اللبناني، تتمسك بأن النقطة التي تحقّ للبنان هي النقطة الـ 23، في حين أن وجهة النظر الأخرى، التي عبّر ‏عنها ممثل الخارجية اللبنانية داخل اللجنة، تقول بإمكانية الذهاب جنوبي هذه النقطة بما يضيف بين 1300كلم2 ‏و1700كلم2 تقريباً على مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة. لكن، ومع الأسف، سادت وجهة النظر الأولى، لأسباب ‏غير مفهومة ومحلّ تساؤل وشبهة‎.

مقاربة ثالثة مختلفة قدّمها خبراء في القانون الدولي وشؤون الطاقة (الخريطة المرفقة)، تعطي لبنان حقوقه. فالنقطة الـ ‏‏23 لا يصحّ اعتمادها، لكونها قد حدّدت بعد إزاحة الخط البحري شمالاً بسبب ما يسمى أثر جزيرة تيخيليت ــــ التسمية ‏التي أطلقها الإسرائيليون على النتوء الصخري هناك. بينما، في الحقيقة، ليس من جزيرة، بل مجرد صخرة كبيرة لا ‏تأبه لها الاتفاقية الدولية لقانون البحار، بدليل أحكام دولية كثيرة صادرة لم تأخذ بعين الاعتبار “جزراً” تضمّ 60 ألف ‏نسمة‎.

يضيف هؤلاء الخبراء أنه حين جرى رسم الخط، لم تكن الحكومة قادرة على الوصول إلى النقطة‎ B1‎، لأنها تحت ‏الاحتلال الإسرائيلي، وأن نقطة‎ B1 ‎حتى ولو وضعت وفقاً لترسيم خط الهدنة، فإنها تبقى مخالفة لنص اتفاقية الهدنة، ‏القائل بوجوب أن يتطابق خط الهدنة مع الخط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة المحدد وفقا لاتفاقية بولي-‏نيوكومب‎ ” Paulet-Newcombe” ‎عام 1923. لذا كان ينبغي على نقطة‎ B1 ‎أن تكون في نهاية وادي كركرة، ‏الذي يبعد 1.8 كلم عن النقطة‎ B1 ‎بحسب خط الهدنة عام 1949. ما حصل في ذلك العام، هو أن المفاوض الاسرائيلي ‏دفع بالمفاوض اللبناني إلى القبول بتأخير النقطة‎ B1 ‎شمالاً، أي باتجاه لبنان، ما أتاح للكيان القدرة على تقاسم رأس ‏الناقورة الذي سمّاه من جهته “روش هانكيرا‎ Rosh HaNikra”‎، متجاوزاً بذلك حدود خط الهدنة. وكما هو معلوم في ‏ألف باء الهندسة، فإن فَرقَ أمتار على الشاطئ يتسع داخل البحر ليشكل مساحة واسعة‎.

وفي المجال التشريعي، إن الاعتراض بأنه لا يمكن تعديل المرسوم 6433/2011 لأنه قد سبق أن جرى إبلاغ الأمم ‏المتحدة به، فمردود على قائله، لأن المرسوم ذاته، وفي مادته الثالثة، نصّ على ما يأتي: “يمكن مراجعة حدود المنطقة ‏الاقتصادية الخالصة وتحسينها، وبالتالي تعديل لوائح إحداثياتها، عند توافر بيانات أكثر دقة، ووفقاً للحاجة في ضوء ‏المفاوضات مع دول الجوار المعنية‎”.

إذن، صار واضحاً أن المفاوض اللبناني ليس في استطاعته الاستمرار في التفاوض وهو مكشوف دستورياً وقانونياً ‏وسياسياً. فلا بد إذاً من تعديل المرسوم 6433، آخذاً في الاعتبار آليات جديدة لرسم المنطقة الاقتصادية الخالصة وفق ‏أدق المعطيات وأفضل المقاربات التي ستؤدي إلى زيادة الحقوق‎.‎

مع قول ما تقدم، لا نستطيع سوى أن نستحضر واقع أن الخطأ الذي ارتكبته حكومة الرئيس السنيورة في عام ‏‏2009، لم يصحّح الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها حكومته أيضاً عام 2007، حين وقّعت يوم 17/1/2007 اتفاقية ‏تحديد الحدود مع قبرص، التي تراجع فيها الجانب اللبناني، بحسب قول المدير العام للنقل البري والبحري عبد ‏الحفيظ القيسي، آنذاك، أميالاً إلى الوراء التزاماً بما تنصّ عليه الاتفاقية الدولية لقانون البحار، أي إلى النقطة 1. هذا ‏التراجع يعتبر كارثة وطنية. فعلى أي أساس أو منطق قد يذهب وفد لبناني إلى التفاوض في 2007 من دون ‏امتلاكه خريطة ذاتية تحدّد منطقته الاقتصادية الخالصة؟ المضحك والمبكي في آن واحد هو الوفد اللبناني – ‏حينذاك – الضئيل حجماً والضعيف تقنياً، والذي كان مؤلفاً من المدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ ‏القيسي، ومساعده حسن شعبان فقط، من دون وجود مندوب لوزارة الخارجية لتدوين محاضر الجلسات التفاوضية ‏أو مندوب للجيش حتى! في الوقت الذي كان الوفد القبرصي يضم ثمانية خبراء في مجالات الجيولوجيا والقانون ‏الدولي والتنقيب عن النفط وغيرها. ما حصل آنذاك، شكّل كارثة وطنية وفضيحة إدارية، لم تصحّح كما ينبغي في ‏خريطة 2009. ففي المحصلة، خسر لبنان مساحة تفوق 2600 كلم2 لحساب قبرص (المساحة الواقعة بين الخط ‏الأسود والخط الأحمر على الخريطة المرفقة‎).

لم يعد جائزاً بقاء المرسوم 6433/2011 كمادة يعتمد عليها لبنان في مفاوضاته، بل حتى في غير حالة التفاوض. ‏فالحاجة إلى التعديل قائمة بذاتها، غير مرتبطة بأي أمر آخر، لتحصين موقع لبنان وتدعيمه. وبعد انسداد أفق ‏المفاوضات، قد يُدفع بلبنان إلى خيارين، إما أن يقبل بتقاسم المنطقة الاقتصادية الخالصة مع العدوّ المفاوض، وهذا ‏تنازل خياني وغير مقبول عن الحقوق الوطنية و الثروات، وإما بأن يستمر في التفاوض غير المجدي والخطر مع ‏العدو الإسرائيلي، مع خوف ينشأ من أن يعمد حليفه، الوسيط الأميركي، إلى ممارسة ضغوط لإرغام اللبنانيين ‏على التنازل. وقد سبق للولايات المتحدة أن أرغمت الجانب اللبناني، مكرهاً، على الذهاب إلى مفاوضات الناقورة، ‏عارفاً بأن لا نتيجة منها، لكونه قد سبق أن فاوض لمدة عشر سنوات عبر فريدريك هوف وغيره من الموفدين ‏الأميركيين، ليحصل على أقل من 600 كلم2 تقريباً من المنطقة التي تسميها اتفاقية القانون الدولي للبحار الآن ‏المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها، علما بأن المنطقة الواقعة بين ما يسمّى خط هوف والنقطة 23، هي المنطقة ‏الأكثر واعدية في احتوائها للموارد، بحسب ما بيّنت الصور الزلزالية الثلاثية البعد‎.

يفرض انتساب لبنان إلى الاتفاقية الدولية لقانون البحار عليه مشكلة، حيث إنه، بحسب الاتفاقية (الكيان الإسرائيلي ‏لا ينتسب إليها)، ملزم في حال حصول نزاع بينه وبين طرف موقّع آخر عليها حول المنطقة الاقتصادية ‏الخالصة، بالامتناع عن القيام فيها بأي عمل، وهذا ما حصل في الـ 865 كلم2 التي تعتبرها الأمم المتحدة منطقة ‏متنازعاً عليها. انطلاقاً من هذه المشكلة، وبناءً عليها، يمكن للبنان اجتراح حل من شأنه خلق موقع متقدم له في ‏المفاوضات، يتيح له استرجاع حقوقه التي جرى التراجع عنها من قبل وفد الرئيس السنيورة إلى قبرص بقرار ‏واضح بدا في الفقرة المتعلقة بإخلاء المسؤولية‎ Disclaimer ‎في النسخة القبرصية لمحضر جلسة التفاوض ‏‏(نظراً إلى عدم وجود نسخة لبنانية للمحضر كما ذكرنا أعلاه): إن النقاط الأخيرة للخط الوسطي (نقطة 1و 6) تم ‏التراجع بها عن النقطتين الثلاثيتَي البعد اللتين تم احتسابهما في الشمال والجنوب، للسماح بحصول مفاوضات ‏مستقبلية مع الدول المجاورة‎.‎

بدون هذا الطرح، وكما ذهب لبنان إلى التفاوض مرغماً، علماً بأنه كان عليه وباستطاعته تفاديها، سيذهب مجدداً، ‏ومع الأسف، من دون ذخيرة دستورية وقانونية وسياسية كافية لإعداد ملف صلب ومتماسك. فتعديل المرسوم ‏‏6433 سيمكن لبنان من الاستناد إلى أفضل القواعد التي تؤدي إلى أخذه حقوقه، بعيداً عن العقلية الانهزامية ‏والتنازلية التي سيطرت على لجنة الـ 2009، بانتظار أن يأتي الزمان الذي يناقش فيه كيف أنها فرضت، ومَن ‏وراءها، النقطة 23 بدل التوسع جنوباً باتجاه فلسطين المحتلة، كيف أنها تصدّت لكل محاولة داعية لذلك‎.

لماذا التفاوض مع قبرص؟‎

أولاً، لأن التفاوض مع العدوّ الإسرائيلي غير مجد، وذو خطورة لواقع أنه قد يستخدم عصا حليفه الأميركي لدفع ‏لبنان نحو التنازل عن جزء من 865 كلم2 المصنّفة “متنازعاً عليها”. ثانياً، لأن المشكلة بدأت في أصلها باتفاقية ‏تحديد الحدود مع قبرص، حين قبل لبنان التراجع إلى حدود النقطة الرقم 1. وبالتالي، ليصحح لبنان هذا الخطأ، ‏عليه أن يتفاوض مجدداً مع الجانب القبرصي لتحديد حدود جديدة، وخاصة أن الاتفاقية لم تبرم، إذ لم تحل إلى ‏المجلس النيابي ليقرّها، فمن حق لبنان إذاً أن يطلب إعادة التفاوض حولها. ثالثاً، قبرص دولة منتسبة إلى الاتفاقية ‏الدولية لقانون البحار كما لبنان، وبالتالي، فإن ما ينطبق على لبنان ويلزمه ينطبق عليها ويلزمها أيضاً، فبعد أن ‏يبلغ لبنان الأمم المتحدة بإحداثيات منطقته الاقتصادية الخالصة ضمن المرسوم الجديد والخريطة المرفقة، التي ‏تعتمد النقطة 62 بدلاً من 23، فإن المنطقة بين النقطة 1 و62 ستصبح منطقة متنازعاً عليها، وعلى القبارصة ‏الامتناع عن القيام بأي عمل فيها، ما سيضطر قبرص حينها، حفاظاً على مصالحها، إلى التفاوض مع لبنان ‏والتوصل إلى تسوية تطيح النقطة الرقم 1 أساس المشكلة. رابعاً، على فرض أنه لم يتم التوصل إلى تسوية، ‏فبحسب الاتفاقية الدولية لقانون البحار، بإمكان لبنان الذهاب إلى خيار التحكيم. ولمّا كانت المحاكم تعتمد في ‏أحكامها مبدأ الإنصاف، فمن المرجّح أن يكون الحكم لمصلحة لبنان، إذ ليس من الإنصاف أن يطبق على لبنان ‏وساحله الواحد ما يطبق على قبرص الجزيرة مع ما لها من شواطئ. خامساً وأخيراً، بعد أن يطيح لبنان النقطة ‏الرقم 1، سيكون قد أطاح في الوقت عينه الاتفاق القبرصي ــــ الإسرائيلي وأسقط ادّعاءات العدو، من دون الولوج ‏في مفاوضات عبثية وخطرة ولا طائل منها مع الكيان الإسرائيلي‎.‎

Leave A Reply