ايفا ابي حيدر – الجمهورية
بعد مرور حوالى 16 شهراً على احتجاز أموال المودعين في المصارف ومنع التحاويل، لا يزال مشروع قانون «الكابيتال كونترول» يُدرس في لجنة المال والموازنة. فهل لا يزال هذا المشروع ذا جدوى خصوصاً انه خرج خلال هذه الفترة ما يزيد عن 6 مليارات دولار من لبنان كتحاويل لأصحاب نفوذ؟
تعمل لجنة المال والموازنة على اعداد مسودة اقتراح قانون معجل مكرر يرمي الى وضع ضوابط استثنائية ومؤقته على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية. القانون الذي تأخر صدوره أكثر من عام، هل لا يزال ضرورياً وقد تمكّن أصحاب النفوذ من إخراج أموالهم من لبنان؟ والأسوأ انه كيفما أتت الصيغة النهائية للقانون فهو لن يلحظ ضمن بنوده مفعولاً رجعياً لإعادة التحاويل التي خرجت من لبنان بعد 17 تشرين الأول 2019 نظراً لعدم دستورية هذا المطلب، فلا حجة قانونية تمنع التحاويل الى الخارج، باستثناء المرجع الأخلاقي الذي لا يعترف به القانون. وبالتالي، اذا أقرّ القانون في الأشهر المقبلة فإنه سيطبّق فقط على المودعين العاجزين أصلاً عن التحويل.
مسودة قانون
حصلت «الجمهورية» على نسخة من مسودة اقتراح قانون الكابيتال كونترول الذي تعمل لجنة المال والموازنة على إعداده، وهو يتألف من 9 مواد، وفي ما يلي بعضاً ممّا تضمّنه:
• المادة الأولى
1- تحظّر التحويلات الى خارج لبنان من كافة الحسابات المصرفية العائدة لعملاء المصارف العاملة في لبنان بجميع أنواعها، بما في ذلك حسابات الودائع الائتمانية.
2- لا تتم السحوبات النقدية من الحسابات المصرفية كافة، بما في ذلك حسابات الودائع الائتمانية وحسابات القيَم المنقولة بجميع أنواعها، الّا بالليرة اللبنانية مهما كانت عملة هذه الحسابات وضمن السقوف المحددة من قبل مصرف لبنان.
3- يحظّر تحويل الى خارج لبنان الـ Eurobonds المصدّرة من الدولة اللبنانية، والـ GDR الصادرة عن المصارف اللبنانية اذا كانت مودعة لدى وديع في لبنان.
• المادة الثانية
مع مراعاة أحكام المادة الرابعة أدناه، تُستثنى من اية قيود تتناول تحاويل العملاء في المصارف العاملة في لبنان الى الخارج:
1- الأموال الجديدة التي وردت وتَرِد الى المصارف العاملة في لبنان لصالح عملائها من حسابات مصرفية خارج لبنان اعتباراً من تاريخ 17/10/2019 أو التي تودَع نقداً في الحسابات، على ان يفتح لها حساب خاص لتمييزها عن أموال المودع الأخرى.
2- أموال الدولة اللبنانية ومصرف لبنان.
3- أموال المؤسسات المالية الدولية والسفارات والمنظمات الدولية والإقليمية والعربية العاملة في لبنان.
4- بطاقات الائتمان بالعملات الأجنبية للاستعمال في الخارج بحدود السقوف المعمول بها بتاريخ 1 ك2 2020 كما يحددها كل مصرف.
5- صافي أقساط بوالص التأمين العائدة لشركات إعادة التأمين.
6- المبالغ التي يطلب أي عميل صاحب حساب في مصرف عامل في لبنان من هذا المصرف تحويلها من هذا الحساب الى خارج لبنان، شرط: أن يكون حساب العميل المطلوب التحويل منه دائناً وغير مجمّد، وان يهدف التحويل الى إحدى الغايات التالية:
أ- تسديد نفقات معيشية او طبابة او استشفاء او التعليم او الايجار المترتبة على العميل الذي هو شخص طبيعي، او على زوجه او زوجته او افراد عائلته الذين هم على عاتقه.
ب – إيفاء قروض ناشئة في الخارج قبل تاريخ 17 ت1 2019.
ت- تسديد ضرائب او رسوم او التزامات مالية ملحّة متوجبة لسلطات رسمية أجنبية.
ث- شراء المواد الأولية الضرورية للصناعة والزراعة او المواد الغذائية الأساسية او المواد الطبية الضرورية.
ج- شراء المحروقات والقمح والأدوية التي يقوم مصرف لبنان بتنظيمها وتمويلها.
هـ- وأن يُرفَق طلب التحويل الى الخارج بمستندات موثقة ووافية.
• المادة الثالثة
1- تحدّد سقوف التحاويل المسموح القيام بها وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة 6 من المادة الثانية كل 6 أشهر بالتنسيق بين وزير المالية وحاكم مصرف لبنان.
3- يعود لمصرف لبنان تحديد سقوف السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية المُشار اليها في الفقرة 2 من المادة الأولى أعلاه.
• المادة الرابعة
1- تنحصر جميع التحويلات الى الخارج المسموح القيام بها وفقاً لأحكام هذا القانون بمركزية التحاويل التي يتم إنشاؤها لدى مصرف لبنان.
3- للمصرف الذي يتحقّق من أنّ التحويل المطلوب يَندرِج ضمن أحد الاستثناءات المنصوص عنها، ان يوجّه طلباً بالتحويل الى مركزية التحاويل لدى مصرف لبنان. عند موافقة هذه الأخيرة على طلب التحويل، بعد التأكد من مطابقته مع مُندرجات هذا القانون، يقوم مصرف لبنان بحسم التحويل من رصيد حساب المصرف الجاري لدى مصرف لبنان ويحوّل له هذه القيمة الى حساب مصرفي يعود للمصرف خارج لبنان. وينفذ المصرف التحويل فور تَلقّيه إشعاراً من مصرف لبنان بالقيد الدائن لهذا التحويل.
• المادة الخامسة
تُناط بلجنة الرقابة على المصارف، بناء على شكوى العميل المتضرر، صلاحية التحقيق من حسن تطبيق المصارف لأحكام القانون وتعاميمه (…)
رأي حقوقي
في السياق، يرى رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية بول مرقص انّ أي مشروع قانون للكابيتال كونترول أُعِدّ او لا يزال في طور الاعداد لن يُؤتي ثماره كما يجب، فقد كان الأجدى تشريع الكابيتال كونترول مع بداية الأزمة وإقراره في تشرين الاول من العام 2019 وليس اليوم، أي بعد مضيّ أكثر من عام على الأزمة، لأنّ معظم الأموال التي أراد أصحابها تحويلها قد نجحوا في ذلك، وفعلهم هذا قانوني وغير مخالف إذ لا وجود لأيّ تشريع يمنع التحاويل، لا بل انّ الفقرة «و» من مقدمة الدستور تنصّ على النظام الاقتصادي الليبرالي الحر، والمادة 15 من الدستور تنصّ على الملكية الفردية وحفظها وصَونها في حمى القانون، الّا في حال كانت الأموال غير مشروعة، وهذا بحث آخر، وإنّ تمييز بعض المصارف بين مودِع وآخر هو تمييز لا أخلاقي، لكنه لا يجعل التحويلات التي تمّت لأموال مشروعة في لبنان غير قانونية طالما لم يصدر قانون «الكابيتال كونترول» الذي بدوره لا يمكن ان يُلزم أصحابها بإرجاعها.
وأوضح لـ»الجمهورية» انّ فائدة إصدار أي قانون «للكابيتال كونترول» محدودة وتنحصر بتلبية شرط من شروط صندوق النقد الدولي للاتفاق مع لبنان على برنامج، فهذه الخطوة تندرج ضمن مجموعة خطوات إصلاحية يطالب بها. كذلك، إنّ إقرار هذا القانون من شأنه ان يوحّد المعايير التي على أساسها تجري المصارف تحويلات الى الخارج، فلا يعود لكل مصرف سياسته الخاصة في إمرار تحويل من دون آخر.
ورداً على سؤال، أكد مرقص انّ الاستثناءات على التحاويل يجب ان تكون مدروسة حتى تتمكّن المصارف فعلياً من احترامها والعمل في ظلها وعدم التمنّع عن تنفيذها كما حصل مع قانون الدولار الطالبي، اي ان يكون في وسعها تحريك سيولة نقدية لها لدى المصارف الدولية المراسلة تُمكّنها من تنفيذ هذه التحاويل. ولفت الى انّ التعميم 154، الصادر عن المصرف المركزي، يُلزِم المصارف بتكوين سيولة بنسبة 3 % لدى المصارف المراسلة .
وعن أبرز البنود التي يجب ان يلحظها أي قانون للكابيتال كونترول، قال مرقص انّ مصرف لبنان لن يحرّر أي أرصدة عالقة للمصارف التجارية لديه في الحساب الجاري الدائن مقابل التحويلات التي سيُجيزها الكابيتال كونترول، بمعنى آخر انّ أي تحاويل ستجريها المصارف في ظل اي تشريع جديد يكون حصراً من سيولتها في الخارج لدى المصارف المراسلة وليس من احتياطها وأرصدتها العالقة في الحساب الجاري الدائن في مصرف لبنان، وستكون هذه المصارف في مواجهة تَهافُت أصحاب 50 ألف حساب في السنة الأولى ما بعد إقرار القانون لتحويل حاجاتهم المنصوص عليها في القانون الجديد، فهل سيكون في مقدورها تلبية هذه الطلبات؟ وهل انّ هذه التحاويل المُجازة بموجب القانون الجديد كافية لأصحاب الحاجات؟ وهل هي عادلة بين فئات ذات وضعية مشابهة للعملاء؟ وهل ستؤدي الى المَساس مجدداً باحتياطي الـ3% من السيولة النقدية للمصارف في الخارج، حيث انّ البعض منها تتجاوز نسبة سيولته الـ3% حالياً والبعض الآخر ربما سيجد صعوبة في تكوين الـ3% ؟
– على أي قانون للكابيتال كونترول ان يحفظ الحقوق المكتسبة لبعض العملاء ممّن تقدموا بدعاوى ضد المصارف وينتظرون أحكاماً او صدرت لمصلحتهم أحكام، وهؤلاء لا يتجاوزون بضعة مئات من المُتقاضين الذين لا يجوز إطاحة جهودهم.
– يجب ان يلحظ اي قانون جديد مصير المودعين المقيمين بشكل دائم في الخارج، والأجانب الذين يحتاجون الى تحويل أموالهم الى الخارج او سحبها على اعتبار انهم لا يحتاجون الى الليرة اللبنانية.
وقد أبدى مرقص خشيته من ان يكون أي قانون جديد مقدمة لاعتبار انّ الودائع في المصارف بالدولار الأميركي ستدفع بالليرة اللبنانية أي ما يعرف بالهيركات المقنّع، لافتاً الى انّ الأمور تسير في هذا الاتجاه لأن لا شيء يوحي بأنّ الودائع التقليدية المودَعة بالدولار الأميركي لدى المصارف ستُدفع في هذه العملة في المدى المنظور، نظراً لفقدان المصارف المحلية السيولة الورقية بالدولار الأميركي.