عماد مرمل – الجمهورية
يفيض الوقت الضائع بنزاعات سياسية متنقلة و»متحوّرة»، في انتظار انتهاء المخاض المؤلم والطويل، وتشكيل حكومة جديدة تُعيد لمّ الشتات الداخلي وتجميع فتات الدولة.
يتصرّف «التيار الوطني الحر» في هذه الأيام على قاعدة انّ كيله طفح وانه لم يعد في وارد لا مسايرة الحلفاء ولا مهادنة الخصوم، بل سيذهب في خياراته حتى النهاية ولو بقي وحيداً، وسيسمّي الأشياء بأسمائها مهما كانت الكلفة.
هكذا، وخلال أيام قليلة، وجّه «التيار» رسالة تحذيرية الى «حزب الله»، وشَنّ هجوماً حاداً على عين التينة بعد تجدد الاشتباك السياسي بين الطرفين، فيما لا تزال الجبهة مفتوحة مع الرئيس سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
وحتى البطريرك الماروني بشارة الراعي ليس مُستثنى من «مآخذ» التيار، وإن تكن حساسية موقعه الديني تفرض على «البرتقاليين» مخاطبته بلهجة أقل حدة، وتجنّب قطع الجسور معه، وهو الأمر الذي عَكسته زيارة وفد من «التيار» الى بكركي أمس «حتى لا يظل البطريرك رهينة وَشوَشات بعض المحيطين به مِمّن يواظبون على «بخ» الآراء المغلوطة والوقائع المشوّهة في أذنه»، كما يقول أحد القريبين من «التيار».
وتفيد المعلومات انّ «التيار» منزعج من دعوة الراعي في عظة الأحد إلى التدويل الذي من شأنه أن يمهّد لحرب أهلية، وفق ما تُنَبّه إليه شخصية مسيحية داعمة لرئيسي الجمهورية و»التيار»، لافتة إلى أنه «من غير الحكمة الاستنجاد بالخارج او الاستقواء به في مواجهة بعضنا البعض داخلياً»، ومرجّحة «انّ هناك من حَرّض الراعي على طرح هذا الخيار، كما دفعوه في السابق الى طرح الحياد».
أمّا على خط الضاحية الجنوبية، فقد بَدت رسالة ميرنا الشالوحي الى «حزب الله» في ذكرى توقيع وثيقة مار مخايل واضحة وصريحة: «التفاهم لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون، فإمّا تفعيله وتطويره على مستوى مكافحة الفساد ومواجهة حلف الفاسدين المدمّر، وإمّا تنتفي الجدوى منه والحاجة إليه».
وتؤكد مصادر بارزة في «التيار» انّ «الحزب» يجب أن يغادر المنطقة الرمادية في ملف بناء الدولة، وأنّ عليه حَسم خياره ومساره، معتبرة انه لا يجوز له ان يستمر في تغطية فريق في الطائفة الشيعية باسم حماية وحدة الطائفة، «لأنّ مصلحة البلد هي الأهم، والأولوية ينبغي أن تكون لها وليس لأيّ مصلحة فئوية».
وتشدد هذه المصادر على أنّ التيار «لا يستطيع استخدام سياسة التقية، وجمهوره لم يعد يتحمّل المُداراة تحت شعار مراعاة ظروف الحليف. وبالتالي، فنحن جاهَرنا على رأس السطح برأينا حيال شروط تحصين ورقة التفاهم وتحسينها، والحزب مُطالَب بأن يتوقف عن تأمين الغطاء للبعض ممّن يستخدم كل الأدوات والوسائل للإضرار بنا وتعطيل الإصلاح، بالتكافل والتضامن مع الحريري وجنبلاط».
لكن، من الواضح أنّ «حزب الله» مصمم في المقابل على عدم العبث بأولوياته وثوابته، وهو لا يزال يرفض أن يخوض معركة الإصلاح في توقيت ساعة التيار او وفق إحداثياته.
وتؤكد اوساط قريبة من الحزب انه ليس مستعداً للتضحية بالمقاومة من أجل إرضاء أحد، وهو يعرف جيداً ان لا مقاومة أساساً اذا لم تكن البيئة الشيعية موحدة ومتماسكة، «وهذا ما يفسّر المحاولات المستمرة لاختراقها وإحداث شَرخ فيها على يد الجهات الخارجية المعادية. وبالتالي، فإنّ الحزب لن يقع في المحظور، ولن يُستدرج الى اي مواجهة او نزاع مع الحليف الاستراتيجي المتمثّل في الرئيس نبيه بري وحركة «أمل» مهما اشتد ضغط التيار عليه في هذا المجال».
وتلفت الاوساط الى انّ «حزب الله» إصلاحي «لكنه ليس انقلابياً»، معتبرة انه حريص كل الحرص على مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح، إنما هو مقتنع في الوقت نفسه بأنّ هذا الهدف يتحقق بالتوافق والتفاهم، لا بالتحدي الاستفزازي وقلب الطاولة رأساً على عقب.
أكثر من ذلك، ترفض الاوساط استخدام الحزب او استغلال التحالف معه لتصفية الحسابات السياسية، كذلك تستغرب اتهامه بتغطية الفاسدين، مُتسائلة: «متى تدخّل الحزب لمنع التيار من فتح أي ملف، ومتى تدخّل لحماية فاسد أو متهم بالفساد من المحاسبة؟».
وتشير الاوساط نفسها الى انّ المشكلة الاساسية تكمن في تقاعس القضاء، «وهذه مشكلة يعانيها أيضاً الحزب الذي رفع دعاوى قضائية عدة، الّا أنها بقيت عالقة في الأدراج من دون أن ينفع لا سلاحه ولا نفوذه في البَت بها».
وضمن سياق الاشارة الى خصوصية التركيبة اللبنانية التي تتطلب واقعية في المعالجة، تلاحظ الاوساط المحيطة بالحزب أنّ التيار كان قد جَمّد مفاعيل «الإبراء المستحيل» عندما أبرم التسوية الرئاسية مع الرئيس سعد الحريري، فتفَهّمه حينها حليفه الشيعي ودعَمَ التسوية، إلّا انّ المفارقة هي انّ التيار عندما افترقَ عن رئيس تيار «المستقبل»، راح يَحضّ الحزب على أن يتخلى بدوره عن خيار الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة.
إنما، وعلى رغم كل الملاحظات التي يُبديها الحزب على المنهجية التي يعتمدها التيار في مقاربة مشروع بناء الدولة، إلّا انه يشدد على أنّ التحالف بينهما صامد، من دون إنكار ضرورة إخضاع ورقة التفاهم الى «التحديث».
وينكَبّ الحزب على وضع دراسة تفصيلية تُقارِب البنود التي لم تنفّذ من الورقة، وتلك التي استجدّت منذ توقيع التفاهم، على أن يُنجز التيار دراسة مماثلة، ثم تجتمع لجنة مشتركة من الطرفين لمناقشة الحصيلة والتوصّل الى صيغة موحدة.