عماد مرمل – الجمهورية
لم يَخلُ مشهد حضور السفيرة الأميركية دوروثي شيا في عمق معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية، أمس، من مَسحة سوريالية اختزنَت مفارقات عدة في السياسة والجغرافيا.
تمثّل شيا للحزب سفيرة الشيطان الأكبر التي لا تكفّ عن التحريض العلني عليه، وهو يمثّل لها تنظيماً إرهابياً مُدرَجاً على لوائح العقوبات. ومع ذلك، لم تجد شيا حرجاً في زيارة عقر داره، ولو من باب المشاركة في تأبين الناشط السياسي لقمان سليم. كذلك لم يَبدُر عن الحزب أي تصرّف او موقف من شأنه التشويش على هذه الزيارة، بل تعاملَ معها ببرودة أعصاب، تاركاً إياها تأخذ مجراها الطبيعي.
مر موكب السفيرة للوصول إلى منزل عائلة سليم في حارة حريك، بمحاذاة مقرّات عدة لـ»حزب الله»، وسلكَ شوارع الضاحية تحت أعين عناصره وجمهور بيئته الحاضنة، ولعل أمينه العام السيّد حسن نصرالله نفسه كان يتواجَد في مكان ما لا يبعد سوى مئات الأمتار عن موقع شيا. الّا انّ ذلك كله لم يَحل دون أن تنتهي الزيارة على خير، علماً انّ هناك من يلفت الى انه كان بمقدور الحزب، لو أراد، أن يفسح المجال أمام بعض أنصاره من الاهالي المُمتعضين كي يعترضوا الموكب سلميّاً او يتظاهروا احتجاجاً.
ما هي دلالات الحضور الغربي عموماً (سفراء بريطانيا والمانيا وسويسرا وكندا) والأميركي خصوصاً، في قلب «المربّع الأمني» لـ»حزب الله»، وفق توصيف خصومه؟
تعتبر أوساط قريبة من الحزب انّ مظاهر الزحمة الدولية في الضاحية تَنسف المَقولة التي يروّج لها البعض بأنّ هذه المنطقة هي مربّع أمني او غيتو مقفل، مشيرة الى انه ثبت مرة أخرى بأنّ «الضاحية تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من الدولة وتخضع الى سلطتها وقوانينها، واستطراداً فإنّ مشهد الأمس يُحسَب للحزب وليس عليه».
وتلفت الاوساط الى ان أفراد عائلة سليم واصدقاءها يوجهون منذ اسبوع الإتهامات علنا الى الحزب من داخل المنزل في حارة حريك، من دون أن يتعرّض لهم أحد، موضِحة انّ القوى الامنية والعسكرية هي التي تتولى مسؤولية المحافظة على الأمن في المنطقة.
امّا الرسالة السياسية خلف الحشد الدولي من السفراء الغربيين في مناسبة تأبين سليم، فتضعها الاوساط ضمن سياق محاولة تدويل قضيته، امتداداً لسيناريو مُماثِل يُراد تطبيقه في ملف جريمة انفجار المرفأ وملفات اخرى، «وهذا كله يَصبّ في خانة السعي الى فرض وصاية دولية على لبنان، الأمر الذي يتقاطَع ايضاً مع دعوة أطلقتها إحدى المرجعيات الدينية الى اعتماد التدويل لمعالجة الازمة الداخلية الراهنة عبر الاستعانة بالأمم المتحدة».
وفي ما يتعلق بمجريات التحقيق، تكشف الاوساط انّ الاستنتاجات الأولية تذهب في اتجاه مُغاير للأحكام الجاهزة، معتبرة انّ «الدليل الجغرافي» لاتهام الحزب باغتيال سليم هو هَزيل وساقط، «وإلّا فهذا يعني انّ كل القوى السياسية التي تملك نفوذاً في مناطق وقعت فيها حوادث قتل، تُصبح تلقائياً مسؤولة عنها ومُدانة بارتكابها».
وتُعرب الأوساط عن اقتناعها بأنّ الحزب عُرضة لحملة مُمنهَجة تندرج في إطار السعي الى تمهيد الأرض لانتزاع الأكثرية النيابية منه ومن حلفائه خلال الانتخابات النيابية المقبلة، «خصوصاً انّ حسم النتيجة لمصلحة هذا الفريق او ذاك سيتوقف في نهاية المطاف على فارقٍ ضئيل من المقاعد النيابية».
وتلاحظ الأوساط انّ هناك إصراراً لدى البعض منذ انفجار المرفأ على «تَلبيس» «حزب الله» هذه المأساة وما تَلاها من جرائم متفرقة، وذلك «للتأثير بالدرجة الأولى في المجتمع المسيحي وإقناعه بأنّ الحزب يتحمّل مسؤولية وقوعها، وصولاً الى إضعاف «التيار الوطني الحر» على قاعدة اتهامه بالتحالف مع حزب إرهابي».
وتشير الاوساط الى انّ خصوم الحزب يَفترضون انّ الحلقة الأضعف في الأكثرية الحالية تكمُن في حليفه المسيحي، «وبالتالي، هم يظنّون أنه كلما اشتدّت الحَملة على الحزب لتشويه صورته كلما تَضرّر حليفه البرتقالي وتراجعت شعبيته، آخذين في الحسبان انّ كُثراً من المتسرّبين من بيئة «التيار الحر» قد لا يُعطوا أصواتهم لـ»القوات اللبنانية» و»حزب الكتائب»، ولذا يتم تعزيز دور بعض الشخصيات والجهات في المجتمع المدني حتى تكون لديها القدرة على استقطاب الأصوات المسيحية التي تخرج من سِرب التيار».