ذوالفقار قبيسي – اللواء
موازنة الدولة اللبنانية ١٨ مليار دولار وموازنة الدولة الأميركية ٥ ترليون دولار. ومع ذلك عدد المستشارين في وزارات لبنان أكثر نسبيا من وزارات أميركا. ورغم ان الدولة اللبنانية – بعد خلافات وتجاذبات حول عجز السياسيين عن معالجة المشكلات – جاءت بحكومة اختصاصيين كي تستغني بها عن المستشارين فكانت النتيجة ان حكومة الاختصاصات لجأت الى استشارات. بعضها حدّد فجوة مالية بمطلوبات دون موجودات فجّرت خلافات بين الحكومة والمصارف ولجنة المال، وبعضها باشر التحقيق في حسابات مصرف لبنان ثم انكفأ ثم عاد. وبعضها نصح بالتوقف عن دفع سندات بـ2,5 مليار دولار تحت حجة دعم معيشة الفقراء وإعادة أموال صغار المودعين، فلا ودائع عادت ولا أسر فقيرة إعتاشت. والـ2,5 مليار دولار التي امتنعت الحكومة عن دفعها شوّهت سمعة لبنان المالية لأول مرة في تاريخ لبنان، فيما الحكومة دفعت أكثر منها بسلة دعم مضخمة ومفخخة بـ٨ مليارات دولار طار منها ٤٠% منها الى جيوب الاحتكارات والمحسوبيات في الداخل وعربات التهريب الى الخارج، في حين كان يمكن – بدلا من الامتناع عن الدفع – تسديد الـ١٠% حصة الدائنين في الخارج، وجدولة الـ90% للدائنين اللبنانيين في الداخل. وهكذا تبقى الدولارات في لبنان دون خفض التصنيف السيادي الى رتبة الافلاس ودون القضاء على ما تبقّى من الثقة المحلية والدولية والتسبب في رفع الفوائد على الدين العام والحد من إمكانية الحصول على قروض ومساعدات وودائع وتحويلات واستثمارات… وكل هذه «الانجازات» تمّت بفضل «خبرة» حكومة اختصاصيين ومستشارين أوصلها التعثر في العمل الى… تصريف أعمال!
كان الهدف من المجيء بحكومة تكنوقراط أن تفشل أو افشالها، بحيث كلما جرى مستقبلا اقتراح حكومة اختصاصية جاء الجواب: «من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب»! أو ان هكذا نظام مهما حاول وجرّب بات عاجزا عن مواجهة انهيارات في مسلسل نهب وسلب وأوبئة واغتيالات، تزيدها الانقسامات «الوطنية» والصراعات الاقليمية والدولية، اشتعالا وتداعيات اختارت الحكومة لمواجهتها طريق السلامة بدل الندامة، في ظل عناية طبقة سياسية جاءت بها في نظام يقول عنه كمال جنبلاط في كتابه «الجسر الوطني المقطوع» انه: «لا يقاوم بصلوات الملائكة، بل بعصا القانون ضد نواة إدارة مركزية يعشعش فيها شيطان لصوص وسماسرة يجعلون من كل وزارة دكانا ومن كل دكان صغير وكالة لوزارة، فكيف يدين مثلا قضاة موظفا سرق بضع ليرات ولا يدينون بعض السياسيين والمديرين وكبار الموظفين لأنهم سرقوا الملايين؟! وأمام هذا الوضع أي قيمة لليسانس أو دكتوراه في مواجهة هكذا نظام يشوبه سوء الخلق ونزعة الغش والاستغلال وتشويه الحقائق والتناحر والتسابق على الحصص والوظائف الكبرى والصغرى والرتب العالية والزعامات الفارغة».
وبما يذكر بالوصف الذي أعطاه الكاتب الفرنسي Alphonse Esquiros لنظام الاقطاع السياسي في بلاده وعلاقته بجماهير الشعب بأنه «يشبه الدجاجة التي تصرّ على أن تغطي بجناحيها على أفراخ تفقس عنها البيض، وعندما قالوا لها: «أنت تزهقين أنفسنا بثقلك ونحن لسنا نحتاج لعنايتك» كان جوابها لهم: «وأما أنا فأحتاج إليكم وليس لي سواكم كي أرفع شأني بأن ألقي بثقلي عليكم»!