قد يكون التطور الاسوأ الذي برز في مخاض #تشكيل الحكومة في الساعات الاخيرة مواكباً التصعيد والاحتدام اللذين طبعا السجالات الحادة بين بعبدا “والتيار الوطني الحر”من جهة، و”تيار المستقبل” من جهة اخرى، ان هذا التصعيد بدأ ينحرف في اتجاه توظيف العصبيات الطائفية بما لا يمكن معه تجاهل اخطار المغامرة بهذه اللعبة المقيتة. وبصرف النظر عن المسؤوليات والتبعات التي سيتحملها اي فريق او جهة او تحالف سياسي وحزبي في الانجراف نحو العبث بالفتائل الطائفية تحت وطأة الانسداد الآخذ بالاشتداد في مسار تشكيل، بل تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، فان مجريات الأمور في الساعات الاخيرة بدت كانها تنذر بتفلت خطير نحو اثارة العصبيات والتلاوين الطائفية والمذهبية للضغط في اتجاه رد متعدد القوى ظاهرا على المواقف التي اعلنها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الاحد الماضي وتاليا فرض تعديلات جذرية على تشكيلته الحكومية من خلال استحضار مطالب ذات طابع طائفي من شانها ان تخرج التشكيلة عن أطرها الاساسية تماما.
ووسط تراجع كبير في مستوى الحركة السياسية الداخلية، بدا معها المشهد الداخلي متروكا للاحتدامات التي تطبع السجالات الإعلامية فقط من دون اي محاولات او مبادرات بعدما سقطت تباعا بفعل قرار واضح بتعطيل ولادة الحكومة الجديدة، بدأت معالم التصعيد الجديدة باستحضار مسألة التمثيل الدرزي مجددا عبر تجمع حلفاء العهد و”حزب الله ” في لقاء عقد امس في دارة النائب طلال ارسلان في خلدة وبدا في خلفيته الواضحة ردا على التنسيق والموقف المتقارب من ملف تشكيل الحكومة بين الرئيس الحريري والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط، كما عكس الرد الذي اختاره العهد وحلفاؤه على هجوم جنبلاط الأخير على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل داعيا الرئيس الى “الانتحار وحده”. واذا كان تجمع خلدة عاد الى طرح مطلب تمثيله في الحكومة رافعا لواء مظلومية تمثيل الدروز في الحكومة، فان هذا التطور لم يحجب في المقابل اشتداد وطأة السجالات والحملات الحادة التي توالى اشتعالها لليوم الثالث بين “التيار الوطني الحر” ونواب وناشطين من كتلة و”تيار المستقبل” وأخذت في بعض جوانبها طابعا طائفيا خصوصا مع إمعان الحملات على الحريري في تصوير الخلاف السياسي كأنه قضم لصلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين. وعلم في هذا السياق ان بعض الجهات السياسية غير البعيدة عن العهد وتياره تحركت في اتصالات بعيدة من الأضواء للضغط على مسؤولي التيار العوني لحملهم على وقف هذه الحملات وحصر الخلاف في إطاره السياسي حول الحكومة او غيرها لان تجاوز الإطار الحكومي للازمة بات ينذر بتداعيات خطيرة لا يقبل بها اي فريق حتى لو كان ممن يوافقون او يفهمون موقف بعبدا من الحكومة.
في المقابل فان الرئيس الحريري اوعز الى جميع نواب كتلة المستقبل والمسؤولين في تيار المستقبل بضرورة قطع الطريق على محاولات استدراج البلاد الى مناخات طائفية عبر تصعيد السجالات ذات الطابع التعبوي المثير للعصبيات. وفي هذا السياق كتب المستشار الإعلامي للحريري حسين الوجه مساء امس عبر تويتر ان “الرئيس الحريري يتمنى على الزملاء النواب في كتلة المستقبل والأخوة والأخوات في تيار المستقبل عدم الانجرار للسجال الكلامي ردا على الحملات التي تستهدفه”. واضاف: هناك فريق سياسي يريد استفزاز المستقبل وجمهور واسع من ال#لبنانيين ويلجأ الى التعبئة الطائفية لتحقيق أهدافه الخاصة ولن يكون مفيدا مجاراته بأعماله وخطابه السياسي وتأليب اللبنانيين على بعضهم البعض. انهم يلهثون وراء اشتباك إسلامي مسيحي ولن يحصلوا على هذه الفرصة مهما اشتدت حملات التحريض واثارة الضغينة بين ابناء الوطن الواحد”.
في المقابل صعد “تكتل لبنان القوي” برئاسة النائب جبران باسيل حملته على الرئيس المكلف متهما اياه بالعمل على تهميش رئيس الجمهورية وإذ دعا التكتل الحريري الى ما سماه العودة الى روح الميثاق والدستور اعتبر “ان ما صدر عن الحريري من مواقف يشكل انتكاسة للميثاق الوطني والشراكة السياسية المتوازنة وان الإشارة الى موضوع العدد مهما تم تغليفه يعكس نية بتمنين المسيحيين بالمناصفة وتذكيرهم بانها شكلية وليست حقيقية”. وسأل التكتل “هل الوقت الان لتهميش رئيس الجمهورية دستوريا وما يمثل في عملية تكوين السلطة؟”.
وسبق ذلك ان رفع لقاء خلدة صوته منددا بما سماه ايضا “التعدي الحاصل على حق الدروز من خلال الإجحاف في تمثيلهم في الحكومة وان التحجج بحكومة الاختصاصيين لا يمت بصلة الى الميثاقية “.
ويشار في هذا السياق الى ان الرئيس الحريري سيتوجه في الساعات المقبلة الى قطر في محطة جديدة من محطات تحركه الخارجي عربيا ودوليا في هذه المرحلة علما ان معلومات اشارت الى انه سيقوم بجولة أوروبية بعد زيارته الدوحة.
نصرالله
وسط هذه الأجواء اتسم موقف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته مساء امس من الموضوع الحكومي بالتهدئة والمرونة اذ اعتبر ان الجميع يريدون تشكيل الحكومة وليس هناك من لا يريد تشكيلها “ولكن لا يجوز ان نبقى ننتظر الضغوط من الخارج لتشكيلها كما لا يجوز وضع الزيت على النار واعتماد السقوف العالية العلنية التي تعقد الموضوع”. وإذ رأى انه “من غير المنصف تحميل فخامة الرئيس مسؤولية هذا الامر وحده لفت الى انه يتفهم موقف الرئيس المكلف من وزارة الداخلية مثلا كما يتفهم موقفه من موضوع ان يحظى حزب واحد بالثلث المعطل ولكن ما لا نفهمه هو الإصرار على حكومة من 18 فلماذا لا تكون 20 او 22 وزيرا لنفتح الباب على المعالجات ” وتمنى اعادة النظر في هذه النقطة مما يشكل مدخلا الى المعالجات الممكنة. ورد نصرالله في كلمته على الدعوة الى التدويل من دون ان يسمي البطريرك الماروني مؤكدا رفضه لهذا الطرح ومعتبراً انه للاستقواء على بعض اللبنانيين.