رسائل متعدّدة، داخلياً وخارجياً، حملها خطاب الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، أمس. أبرز تلك الرسائل وجّهها إلى العدوّ الإسرائيلي، الذي هدّد رئيس أركان جيشه، قبل أسابيع، باستهداف المدنيّين اللبنانيين في أيّ حرب مقبلة، بذريعة وجود مخازن أسلحة في مناطق مأهولة بالسكان. ردّ السيّد نصر الله كان واضحاً أمس: إذا قصفتم مدنيّين، فسنردّ على مواقعكم العسكرية بين المدنيّين، وإذا قصفتم قرية، فسنردّ على مستوطنة، وإذا قصفتم مدينة، فسنردّ على مدينة… ولا أحد يضمن أن الأيام القتالية لن تتدحرج إلى حرب!
أكثر من عنوان سياسي فصّله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمته أمس في ذكرى القادة الشهداء، أوضح فيها موقف الحزب من الملفات التي تتصل بالجوّ السياسي عامّة، وأزمة تأليف الحكومة بشكل خاص. وفي معرض تناوله لمجريات التطورات الأخيرة، تطرّق السيد نصر الله الى الكلام الكثير الذي سادَ عن تدويل الأزمة على «لسان أكثر من نائب وبعض الأوساط، والتهديد بأنه في حال عدم توقيع الرئيس ميشال عون على تأليف الحكومة سنسعى للحصول على قرار دولي تحت الفصل السابع». لأصحاب هذا «التهديد» قال السيد نصر الله «ما يُحكى مرفوض ومُستهجن، لأن أي كلام عن قرار دولي تحت الفصل السابع، هو دعوة إلى الحرب واحتلال لبنان من قوات أجنبية، ولا أحد يمزح بهذا الموضوع، لأنه أكبر بكثير من السجالات السياسية ذات الطابع المحلي». ورأى أن «تدويل الملف اللبناني يتنافى مع السيادة وقد يكون غطاء لاحتلال جديد»، لافتاً عناية من يدعون إلى التدويل إلى أن «البداية قد تبدأ من عندكم، لكن عندما يصبح الملف عند الكبار ماذا يضمن لكم المحافظة على مصالح لبنان؟ إذ ممكن من خلال تدويل الملف أن يفتح الباب على مصراعيه أمام مشروع التوطين، والتدويل قد يوصلنا إلى فرض التوطين على لبنان وترسيم الحدود البحرية مع العدو وتضييع حدود أو تضييع مياه».
في الشأن الحكومي، أوضح السيد نصر الله أن «لا أحد في لبنان لا يريد تأليف حكومة جديدة، بينما هي من مصلحة الجميع». ورفض «الكلام عن انتظار النووي الإيراني، واعتبره ممجوجاً ولا مكان له»، لافتاً إلى أن «انتظار الخارج لن يؤدي إلى أي نتيجة، وأن الضغوط قد تدفع البعض إلى التمسك بمواقفه». وإذ رأى أن «من غير المنصف تحميل مسؤولية عدم تأليف حكومة لرئيس الجمهورية»، أبدى تفهّماً لتمسّك بعض الجهات بحقائب معينة ووجود قلق من حصول حزب واحد على ثلث معطل، فـ«الثنائي حزب الله وحركة أمل لا يمكن ألا أن يتفهّما هذا الأمر لأنه عندما يتمسك الثنائي بوزارة المالية فإنه يتفهّم تمسك الآخرين ببعض الوزارات»، بينما «لا نتفهّم الإصرار على حكومة من 18 وزيراً، فيما تعتقد بعض الشرائح أن الهدف من ذلك هو إلغاؤها، وإذا ذهبنا إلى حكومة من 20 وزيراً فهذا يطمئن الجميع وأتمنى إعادة النظر بهذه النقطة، لأنه عامل تسهيل». وقال إن «التصريحات الأخيرة للمسؤولين أظهرت أين تكمن العقد، يجب عدم اليأس من إمكانية الوصول إلى حلّ، والتصعيد الإعلامي لا يفيد والسقوف العالية تعقّد الأمور، ونحن نعتقد أيضاً أن الكلّ يتحمّل مسؤولية ويجب العمل لمعالجة هذا الأمر».
أما بما خصّ التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، فأوضح السيد نصر الله «أننا كنا نريده أساساً لتفاهمات أوسع مع فرقاء آخرين، والكثير راهنوا على سقوطه لكنه صمد، وهذه نقطة إيجابية وهو حقق مجموعة من المصالح للوطن وللفريقين، لكن نحن لا نوافق على الطريقة التي تخرج بها بعض التصريحات إلى العلن من قبل بعض مسؤولي التيار، ونعتبر أنها لا تخدم بل تقدّم مادة للمتربّصين والشامتين». ورأى أن «البيان الأخير للتيار فيه الكثير من الإيجابيات، لكنه عندما قال إن التفاهم فشل في بناء الدولة، فقد تم استخدام هذه العبارة من قبل المتربصين لهذا التفاهم، ونحن ننزعج من هذه الطريقة، ونصرّ على أنه إذا كان لدينا أيّ نقاش مع أيّ فريق نفضّل أن يكون داخلياً».
وتطرق السيد نصر الله إلى الاتهامات التي طاولت حزب الله والمقاومة في الأسبوعين الماضيين، من قبل جوقة سياسية معروفة تستخدم وسائل إعلام محلية وعربية وشبكات التواصل الاجتماعي، قائلاً إن «كل إناء ينضح بما فيه، والشتّام ضعيف وهذه المواقف تعبّر عن ضعف ودليل إحباط». وقال: «نحن أقوياء ولسنا محبطين لكي نقابل هذه الحملات بالمثل وهي لا تؤثر علينا، وأدعو جمهور المقاومة والمحب لهذا الخط، إلى عدم المقابلة بالمثل والرد على الشتائم». وأشار نصر الله إلى أنه «في الشرائع والقوانين كل متهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا في لبنان، حزب الله متهم ومدان حتى تثبت براءته»، سائلاً: «هل تريدون أن نطبق هذه القاعدة على كل جهة حزبية في مناطق نفوذها في لبنان؟ هذا لا يستند إلى منطق». ولفت في هذا السياق، إلى أن تل أبيب وواشنطن وحلفاءهما يعلنون أنهم يشكلون جيوشاً إلكترونية لإثارة الفتن والخلافات، داعياً إلى «الحضور القوي على وسائل التواصل الاجتماعي مع الالتزام بالوعي والأدب وعدم الإساءة».
نصر الله: ما يساق ضدّنا من اتّهامات هو خارج كلّ الأعراف
وذكّر السيد نصر الله بما قاله في كلمته الأخيرة عن التحقيقات في ملف تفجير المرفأ ومطالبته قيادة الجيش والقوى الأمنية بالإعلان عن نتائج التحقيق الفني والتقني، لافتاً إلى «أننا تابعنا هذا الأمر مع قيادة الجيش وقوى الأمن ورئاسة الجمهورية، والكل قال إن هذا الموضوع لا يُمكن الإعلان عنه من قبل الجيش والقوى الأمنية، إذاً المسألة اليوم عند القضاء، وهذه الجهة المعنية من واجبها الإعلان عن نتائج التحقيق التقني والفني عن انفجار مرفأ بيروت». وفي هذا الإطار، لفت إلى أن «شركات التأمين حتى اليوم لا تعوّض على الناس المتضررة بانتظار التحقيق، هذا الموضوع تم نقله إلينا من قبل الناس، إلى حد ما قيل لنا إنه قد تبلغ قيمة التعويضات التي يجب أن تدفع للمتضررين ما يقارب المليار و20 مليون دولار، تصوّروا أن تأتي شركات التأمين وتدفع هذا المبلغ، هذا أمر حيوي لمدينة بيروت والبلد».
أما في الملف الإقليمي، فأشار إلى «تطورات كبيرة تحصل في المنطقة، وإلى تأثر لبنان كجزء أساسي فيها بكل ما يجري»، لافتاً إلى أن «هناك قلقاً إسرائيلياً وسعودياً واضحاً حيال ملفات النووي الإيراني واليمن، في وقت يتقدم فيه الجيش اليمني واللجان الشعبية في كل الجبهات». وفي سوريا ترافق «حديث الأميركيين عن أن مهمتهم لم تعد تشمل حماية النفط هناك مع إعادة إحياء تنظيم داعش الإرهابي»، مؤكداً أن من هزم «داعش سابقاً سيلحق الهزيمة به مجدداً». وأضاف: «لا نبحث عن حرب مع العدو الإسرائيلي، لكن إن حصلت وفرضتم حرباً فسنخوض هذه الحرب». وتوجّه السيّد نصر الله إلى رئيس أركان العدو الإسرائيلي بالقول إن «قصفتم مدينة سنقصف مدينة، وإن قصفتم قرى سنقصف المستوطنات، ولا أحد يضمن ألا تتدحرج الحرب القصيرة إلى حرب شاملة».
السيّد نصر الله عبّر عن انزعاجه من بيان التيار الوطني الحرّ الأخير: نفضّل مناقشة الأمور داخلياً
وعن الإدارة الأميركية الجديدة، رأى السيد نصر الله أن «أولوياتها هي الصين التي تشكل تهديداً كبيراً لها على المستوى الاقتصادي، بينما لا أحد يتحدث اليوم عن صفقة القرن التي يبدو أنها انتهت أو باتت في حالة تراجع نتيجة صمود الشعب الفلسطيني والقيادات الفلسطينية ومحور المقاومة». وتناول في هذا السياق موقف الشعبين المصري والأردني «الذي هو نموذج واضح لرفض التطبيع ينسحب إلى باقي الشعوب، كذلك ما زالت دول عربية وإسلامية كالجزائر وتونس وباكستان صامدة ومتماسكة».
ولفت في الذكرى الـ 42 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، إلى أن «الجمهورية صمدت وتطورت على كل صعيد حتى باتت قوة إقليمية عظمى يحسب لها كل حساب»، معتبراً أن «الثورة الإسلامية تشكّل حجّة على كل شعوب العالم بحضورها في الساحات للحفاظ على سيادتها وحريتها لتحجز لها مكاناً في الإقليم أو المنطقة».
وكان السيد نصر الله قد استهلّ كلمته بالحديث عن الصفات المشتركة بين القادة الشهداء و«هي الذوبان في مشروع المقاومة حيث لم يكُن لديهم أي هدف أو مشروع آخر»، مشيراً إلى قدرات المقاومة الكبيرة والمتطورة اليوم بينما كانت في المرحلة السابقة مع الشهداء القادة في ظروف مختلفة، وهم الذين تحمّلوها من أجل تطوير هذا المشروع. السيد نصر الله أوضح أنه «عندما كان جنوب لبنان يمتلئ بعشرات آلاف الجنود الإسرائيليين كان الشيخ راغب حرب يرفض المصافحة، وكرّس هذا الموقف سلاحاً شكل التحول إلى المقاومة المسلحة. كذلك كان همّ الشهيد الحاج عماد مغنية تطوير هذه المقاومة كمّاً ونوعاً، والسيد عباس الموسوي الذي كانت وصيّته الأساس حفظ المقاومة».