تخفيفاً للتلوث ، رغبةً في الإسترخاء والإستجمام في أحضان الطبيعة ، التمتع بمناظر طبيعية خلابة ، تنشقاً للهواء النقي ، تمضية للوقت ، ممارسةً للرياضة على أنواعها تقام الحدائق العامة في أغلب مدن العالم.
ففي مدينة صوفيا (عاصمة بلغاريا) في الساحة الكبرى ، حديقة عامة ، مرتّبة ، نظيفة ، مضاءة 24 ساعة من الداخل والخارج ، يئمها الزوار المحليون والأجانب ، يتسامرون على مقاعدها الخشبية ، يتمتعون بخضارها الملفت وورودها الجميلة ، تفتح الثامنة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً ليتسنى لعمال البلدية الإهتمام بها.
في بريطانيا وفي مدينة لندن بالتحديد ايضاً حديقة عامة ، جميلة جداً ، تحولت ليس فقط لمكان للتنزه بل لمنبر حر ، يلتقي بها المواطنون للتعبير عن آرائهم بحرية تامة.
في باريس العاصمة الفرنسية ، حديقتها وارفة الأشجار، يعود بعضها لأكثر من مائة عام ، مزروعة بين الصخور والمتعرّجات السهلة التسلق ، تصلها المياه المنثورة بين أرجائها من نهر “السين” مباشرةً.
ماذا عن الحديقة العامة في صور؟
جمعية العمل الشعبي لإنماء صور المنبثقة عن المؤتمر الشعبي الأول ، والتي كانت عيناً ومرآة تعكس واقع الإحتياجات الخدماتية على جميع الأصعدة.
قامت بإنجازات عديدة أهمها الحديقة العامة ، إيماناً بأن مدينة صور لا يجب أن تكون مجرّد هياكل بحرية ، وأكواماً من الآثارات فقط ، فمظهر المدينة يجب أن يكون مريحاً ، دافعاً الى البهجة والسرور ، ومكاناً للأطفال الذين لا يجدون مكاناً يعبّرون فيه عن الطفولة ، وعن حاجة أجسادهم الصغيرة للإنطلاق والتحرر من ضجيج السيارات ، وصخب الحياة وضيق المساحات الخضراء التي التهمتها الأبنية الشاهقة.
بارك دولة الرئيس نبيه بري الفكرة ، وأحاط أعضاء الجمعية برعايته ، وما إن أعلن عن فكرة إنشاء الحديقة العامة حتى بادر السيد نجيب يوسف للتبرع ب 50 ساعة جرف للمكان ، الشيء الذي شكل نقطة الإنطلاق .
مبادرة ثانية من السيد هاني صفي الدين الذي تبنى عملية الجرف بكاملها حتى أصبح المكان صالحاً للزرع .
قوات الطواريء الدولية ساهمت بأشرطة وأعمدة حديدية وبوابات لسور الحديقة ، فكانت الحديقة العامة في مدينة التاريخ والحرف ، مدينة ” قدموس”.
تمتد الحديقة العامة على مساحة 140 ألف متر مربع ، مقابل الجهة الجنوبية لشاطىء صور ، أمنّت السيدة رندى بري مع الجمعيات الفرنسية إنجاز 20 الف متر ، وساهمت وزارة الشؤون الإجتماعية بمبلغ 25 مليون ل.ل لحملات رش مبيدات وشراء حاويات للنفايات مع أجور عمّال وخلافه ، ووعدت الوزارة بشخص رئيسها آنذاك الدكتور أيوب حميّد بمبلغ 30 مليون ل.ل للمساهمة في ممرات داخلية وبوابات لداخل الحديقة .
أنجز العمل أواسط التسعينيات تقريباً ، فرح أهالي المدينة ، دخل السرور والبهجة الى قلوب الأطفال ، أخيراً هناك مكاناً مخصصاً للهو ، الشباب والصبايا تنفسوا الصعداء لكن .. من تابع المشروع فيما بعد ؟ لا ندري ، ولا أحد يدري ..
بالرغم وزيادة على ما ذكر من تقديمات ومساهمات ، فجمعية العمل الشعبي وضمن مدفوعاتها للعام 1997 تكبدت دفع المبالغ التالية :
– 2100000 ل.ل بدل زرع 400 نصبة حرشية ضمن الحديقة العامة في 15-12-1997
– 1575000 ل.ل ثمن شتول وزرعها ضمن الحديقة العامة .
– 955000 ل.ل اجرة نقل تراب لزرع الشتول في 20-3-1997
– 1325000 ل.ل ثمن مياه لري الأشجار ضمن الحديقة العامة والشارع العام في 30-5-1997
بعد كل ما ذكر في العرض والمساهمات والتكلفة قررنا زيارة الحديقة العامة ، فوجدنا أن الأرض غير مزروعة بالعشب ، لربما يبس لعدم المتابعة مع مرور السنين ، وأن جزءاً كبيراً منها صخري ، الأشجار الموجودة والذي يبدو أنها نمت بالصدفة وبدى عليها مظاهر الإهمال من عدم قص وتقليم جزوعها ، وأطرافها .
المراجيح وألعاب الأطفال أكلها الصدأ منذ سنوات وهي بحاجة لصيانة أو بالأحرى للتغيير ، حكي لي أن هناك حيوانات، ولكن إستطعت أن أرى الدجاج ، الحمام ، طاووس ، مستنقع للبط خال من المياه ، أخذنا صور ، أكملنا مشوارنا لنرى أمامنا مركباً ، جيت سكي وحصانان منعنا من تصويرهما وفي كل مرة نصادف شخصاً ليقول لنا ” ممنوع التصوير ، هذا المكان مخصص لي ” دافع اجارو من بيت بيّو” ،صوّرنا خلسة ، لا مواطن ، لا حسيب ولا رقيب، وفي المقلب الآخر كومة من النفايات وكأن المكان أصبح هنا، كما يقول المثل الشعبي لا ماء ولا هواء ولا وجه حسن .
فأسمحوا لي هنا بالسؤال : هذا الإهمال هو برسم من ؟ هل هي البلدية ؟ أو جمعية العمل الشعبي ؟ أو المواطن ؟ أو الحظ لأننا في مدينة تاريخية عريقة ، دخلت التاريخ ، لكنها لم تدخل باب الحديقة العامة..
أعذروني ! من حق أطفالنا وشبابنا الإعتراض ..
والسؤال : كل هذا برسم من ؟ ونحن بانتظار الرد !!!
إفرح وابتسم أيها المواطن الصوري ، فأنت تملك حديقة عامة !!!!!!