فاتن زيات أمون
ـــــــــــــــــــــــــ
تحقيق عام 2012
من لا يعرف ذلك الصوت الذي يُعاكس صباحات صور الجميلة والدافئة من دون قصد سيئ منه والذي خلق لنفسه هوية متميزة وثابتة في نفوس وعقول أبناء المدينة .. …كمعلم أصيل فيها..
صلاح علي السمرا إبن صور والذي تحمل نبرة صوته الصباحية لأهالي المدينة سؤالاً يُعكر صفوهم ليتساءلوا بقلق” يا فتاح يا عليم شو يا صلاح من مات ؟؟” وعند صلاح النبأ اليقين فهو بحكم عمله يتابع أخبار المرضى وأحوالهم عن كثب.. الموت إليه مهنة مثلها مثل غيرها تحتاج إلى متابعة أدق التفاصيل الميدانية وقد تشهد بعض الأيام فيها زحمة بسب وجود أكثر من حالة وفاة.. فيضطر للتنسيق بينهم خلال فترات متقطعة من النهار.
يعمل صلاح في مهنته منذ عام 93 حينها كان مازال موظفاً في عيادة الدكتور خليل جودي وسيتذكر :” لا أدري ما الذي إستوقفني ولفت نظري عندما سمعت صوت السيارة لأطلب من صديقي أحمد الذي كان يذيع على السيارة وقتها أن أجرب صوتي على الميكروفون فما كان من الدكتور جودي عند سماعي إلا أن أبدى إعجابه وقال لي :من اليوم أنت أصبحت مسؤولاً عن السيارة.
بوجه باسم لا يشبه وجه الموت يحكي صلاح عن تجربته في هذه المهنة ويروي لنا بعضا من حكاياها قائلاً:” لا أعرف لماذا يتوجس الناس من هذا العمل شخصياً أنا قلبي جريء وقوي ،عندما أذهب لإستلام الميت من المستشفى بعض الأهالي يخافون من رؤيته لذلك ألجأ لطلب المساعدة من أشخاص لنقله إلى السيارة، الذي أستغربه خوف الناس من الجثة ،لماذ؟؟؟؟؟ كلنا سنموت والميت مثل النائم… أما بالنسبة لكون هذه المهنة نذير شؤم يُحس أن المسألة عادية فإيمانه بالله كبير ولكن من” يخاف الموت يعتبرها نذير شؤم”
من يوميات الموت….
يتابع صلاح : تحصل معي الكثير من المواقف في إحدى المرات أثناء إيصالي جثة إلى الحسينية تفاجأت أن لا أحد من أهل الميت أراد الإقتراب لحمله معي فإستعنت بالمارة منهم من ساعدني والأخر فر هارباً… ومرة تفاجأت بأحد الشباب يصرخ لدى رؤيتي ويغمى عليه من الخوف …وأذكر يوم توفي شابُ من أل عوض وبدأت بجولتي وإذاعة الخبر حتى وصلت بالقرب من بيتهم ،أوقفني أحدهم ليقول لي توقف “الميت إستفاق عندما كانوا يغسلونه” وبعد إستدعاء الطبيب تبين أنها مجرد كهرباء في الرأس ليفارق الحياة بعد خمس دقائق…
أما عندما يستفزني أحدهم خاصة من ولاد البلد الذين يحبون ممازحتي فأقوم بإعلان وفاته فوراً.. و مرة قامت سيدة بالدعاء علي عندما أعلنت وفاة أمها قتوقفت قائلاً: شو ذنبي أنا قتلتها”..
أما أكثر المواقف المؤثرة فيتذكر حين توفى والداه لم يستطع حينها إذاعة النبأ فطلب من أحد رفاقه تولي المهمة عنه ليستجمع قواه في ذكرى الأسبوع ويذيع بنفسه….
من أبو جوهر الرفاعي و أبو سمير صبراوي تقليدُ قائم
رغم التوسع العمراني والزيادة السكانية لا زالت صور تحتفط بطابع تقليدي في الإعلان عن وفاة أحد أبنائها ،حيث تقوم السيارة التابعة لجمعية البر والإحسان بالتجوال داخل المدينة وإذاعة النبأ.
هذه المهنة القديمة الحديثة تعاقب عليها أبو جوهر الرفاعي الذي كان يعاونه حسن بيضون والمُلقب” بالسِكر” والذي كان يتجول في حارة صور القديمة سيراً على الاقدام ويردد إسم من مات، وأبو سمير صبراوي الذي يعرفه الكثير من أبناء الجيل القديم والمخضرم ، وأل الضاحي والحلبي من الجيل الجديد ليستلم الدفة صلاح السمرا والذي أكد لأحد رفاقه ولنا أن لا أحد سيأخذ مكانه إلا بعد وفاته…
“بموتوا ليطلعوا معي”
تضفي خفة ظل صلاح وطيبة قلبه وإيمانه الفطري تأثيراً وبعداً خاصاً على المهنة التي يؤدي فيها دور البطل في الكوميديا السوداء، وطابعاً محبباً يخفف من وقع النبأ الثقيل على قلوبنا وأسماعنا مبرراً ذلك بقوله”بموتوا ليطلعوا معي”.
أما عمله فجعله أكثر قرباً وتضرعاً لله لتصبح جُلّ أمنياته أن توافيه المنية أثناء الصلاة .. ويتخلص من العذاب ..وهو يضحك على من يحزن على مفارقة هذه الدنيا، فصور الموتى المنطبعة في ذهنه كرّست فكرة المصير الواحد لبني أدم سواء “الغني والفقير” ليبقى العمل الصالح والكلمة الطيبة حيةً في قلوب الناس…..