عزة الحاج حسن _ المدن
تستقطب إحدى أبرز العملات الرقمية في العالم “Bitcoin” اهتمام المستثمرين، مؤسسات وأفراداً، بعد تخطّيها سقف الـ50 ألف دولار وتجاوز قيمتها عشرات أضعاف ما كانت عليه منذ سنوات. وليس لبنان بمنأى عن تلك السوق الرقمية، وإن كانت غير مشرّعة فيه حتى اليوم. فالعملات الرقمية تُسوّق في لبنان على منصات مواقع التواصل الاجتماعي وفي مجموعات مغلقة وغيرها.
يبدو الاستثمار في العملات الرقمية عموماً أمراً مغرياً للمستثمرين والهاربين بأموالهم من القيود والأزمات والتشريعات غير المرنة. لكن الوضع في لبنان يبدو مختلفاً بعض الشيء. فسوق العملات الرقمية لم ينشط سوى مع دخول القطاع المصرفي في أزمة وجودية، أفقدته ثقة المودعين والمتعاملين معه. ودفعت الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة ومواجهة القطاع المصرفي خطر الانهيار.. بمستثمرين لبنانيين وحتى بمواطنين عاديين إلى الهروب بمدّخراتهم إلى سوق العملات الرقمية، التي لاقت رواجاً في لبنان منذ عامين وحتى اليوم. لكن يبقى السؤال هل تتمتّع استثمارات العملات الرقمية بالأمان؟
ارتفاع بتكوين
قبل عرض آراء بعض الخبراء باستثمار اللبنانيين في العملات الرقمية، لا بدّ من التطرّق إلى الأسباب التي دفعت بالبتكوين إلى الارتفاع الهائل الذي بلغته مؤخراً. فقد سجّلت العملة الرقمية في الأيام القليلة الماضية نحو 54 ألف دولار. وهو مستوى قياسي، وبذلك تكون البتكوين قد ارتفعت منذ بداية الشهر الجاري قرابة 64 في المئة، ومنذ بداية العام 2020 بنحو 72 في المئة.
وتأتي مكاسب بتكوين بعد شراء شركة صناعة السيارات الكهربائية (تسلا Tesla) ما قيمته 1.5 مليار دولار من العملة الرقمية الأشهر في العالم، وتأكيدها أنها ستقبل من الآن فصاعداً السداد بعملة البتكوين.
وقبل شركة تسلا أبدى مؤسس شركة “تويتر” جاك دورسي اهتمامه بعملة بتكوين الافتراضية، التي يرى فيها نموذجاً للحوكمة اللامركزية للإنترنت. كما أطلق مع شريك له مؤسسة ترمي لتمويل وتطوير “بتكوين”، لتصبح “عملة الإنترنت”. إضافة إلى ذلك، تأثرت بتكوين بعمليات تمويل في ميزانيات شركات ومكاتب تداول في وول ستريت. إذ شرعت شركات ومديرو أموال تقليديون في شراء العملة الرقمية بقيم كبيرة.
كل تلك العوامل وسواها دفعت بالعملة الرقمية إلى الارتفاع بشكل كبير. الأمر الذي سلّط الضوء على عملات إفتراضية أخرى، على أمل سلوكها مسار بتكوين، لاسيما أن بعضها ارتفعت قيمتها بنسبة 1400 في المئة في العام 2020 مثل ABH Coin. فهل ينصح الخبراء اللبنانيون بشراء العملات الرقمية والإدخار بها في ظل تراجع الثقة بالقطاع المصرفي؟
مخاطر العملات الرقمية
في ظل تأزم وضع المصارف في لبنان وغياب الثقة بها من قبل المواطنين، ونظراً لتخبط القطاع النقدي وصعوبة الإدخار في المنازل، اتجه مستثمرون ومواطنون لبنانيون إلى الإدخار بالعقار أو الذهب. ومنهم من فضّل شراء العملات الرقمية والاستثمار بها، خصوصاً في أوساط الأعمار الشبابية.
لا يمكن التكهن بمستقبل العملات الرقمية. كما لا يمكن تحديد ما إذا كانت أصولاً أو سلعاً ترتفع وتنخفض عشوائياً. ويعتبر طارق ذبيان، رئيس جمعية خريجي جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، أن سوق العملات الرقمية يوحي وكأنه سوق غير شفاف (manipulated) له أربابه الذين يتحكّمون به. فسوق العملات الرقمية لا يمكن قراءتها ورصد حركتها بشكل واضح، ومن دون أن تكون مبنية على أسس واضحة (fundemantals). من هنا ترتفع مخاطر الاستثمارات بها.
المخاطر عالية جداً في الاستثمار بالعملات الرقمية، يقول ذبيان، وهو أيضاً مدير الأبحاث والإعلام لدى هيئة الأسواق المالية، في حديثه لـ”المدن”. فالعملات الرقمية بطبيعتها غير منظمة وبنيتها الأساسية غير واضحة. وبالتالي، من جملة المخاطر التي يتعرّض لها حاملوها أنه في حال خسر المستثمر المفتاح لا يمكنه استرداد أمواله. ويذكّر ذبيان بأن مستثمرين وتجاراً وأرباب سوق يتحكمون بأسواق العملات الرقمية خارج المنظومة المالية، وغالباً ما تتجه الأموال غير النظيفة والتجارات غير القانونية إلى أسواق العملات الرقمية، حيث تفتقد للرقابة: “فالهيئات الرقابية في العالم ما زالت تحذر من التعامل بالعملات الرقمية. وتعتبر المنظمة الدولية للهيئات الرقابية في العالم أن هذه العملات هي بمثابة سلع (commodity) وتُعتبر ذات مخاطر عالية، ولم يتضح توجهها حتى اليوم”.
ترويج dagcoin وغيرها في لبنان
وفي جولة على بعض مجموعات الإتجار بالدولار، والتي تشكّل جزءاً من السوق السوداء في لبنان، رصدت “المدن” عروضاً وإعلانات لبيع عملات رقمية غير ذائعة الصيت، مثل dagcoin. وتبلغ قيمة العملة منها 100 دولار. وتكمن مخاطر الإتجار بها في أن غالبية الأشخاص الذين يُقدمون على شرائها لا يملكون أي معرفة بتقنيات الإتجار بها، أو آلية البيع أو الشراء للعملات الرقمية، حسبما يؤكد مصدر في حديث لـ”المدن”. وهؤلاء يقومون بشراء العملات الرقمية عبر وسطاء يثقون بهم أو يعرفونهم على المستوى الشخصي.
من هنا ينصح ذبيان بالتوجه عالمياً إلى الاستثمار بالعقار أو الذهب والأدوات المالية المعتمدة في الأسواق، ودائماً عبر شركات مالية مرخّصة ومنظمة من هيئات رقابية، إذ أنها تبقى أكثر أماناً من الاستثمار بالعملات الرقمية. أما في لبنان فالأمر خطر جداً، وفق ذبيان. وكانت هيئة الأسواق المالية قد منعت المؤسسات المالية من التعامل بها، ونصحت المستثمرين بالابتعاد عن المخاطر العالية، خصوصاً الأشخاص ذوي المعرفة التكنولوجية المحدودة، والذين لا يملكون الخبرة للتمييز بين العملات الافتراضية التي تتوفّر لها أسواق للترويج والتداول وتتمتع بكيان تأسيسي وتكنولوجيا حديثة، وبين تلك التي تفتقد لكل ذلك، وتشكّل خطراً على الأموال: “ربما عندما يتم الفهم عالمياً ما هي قدرة استعمال العملات الرقمية، يمكن حينها منحها قيمة فعلية. فحتى “ليبرا”، وهي عملة فايسبوك، لم تتمكن حتى اليوم من الإنطلاق الفعلي، يقول ذبيان.
بين الذهب والعملات الرقمية
ويلتقي ذبيان بتحذيراته مع خبير البورصات وليد بو سليمان، الذي يرى في حديث إلى “المدن” أن الأفضل للبنانيين الإدخار في ملاذات أكثر أماناً من العملات الرقمية، كالذهب أو المعادن الأخرى. فالعملات الرقمية هي عملات غير ممأسسة وغير مغطاة بأي منتج اقتصادي أو مصرف مركزي بطبيعة الحال. من هنا، يخشى أن تُحدث تلك العملات فقاعة وهمية. كما يخشى من وقوع المواطنين اللبنانيين في عمليات احتيال، عبر شراء عملات وهمية، خصوصاً أن قيمة تلك العملات تتحرك بشكل غير منطقي. وهو ما يؤكد وجود مضاربات بين كبار المؤثرين والمستثمرين في العالم.
ويصر بو سليمان على تجديد النصيحة بعدم المخاطرة في العملات الرقمية، والتوجه بالاستثمارات إلى الملاذات الأكثر أماناً، ومنها الذهب. حتى العقار في لبنان لا ينصح باللجوء إليه حالياً. إذ انه بحسب بو سليمان يتجه إلى مزيد من الانخفاض “وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد توجه أسعار العقارات إلى الانخفاض، منها شبه انعدام القروض العقارية اليوم وأعمال المطورين العقاريين المعطلة كلياً. أما الطلب على العقار الذي شهدناه مؤخراً فليس طلباً إنما هو هروب أو ما يسمى بـcapital flight أو هروب رأس المال. ويصف ما يحصل على مجموعات التواصل الاجتماعي من إتجار بالدولار والعملات الرقمية بـ”الأمر المخيف والخطر”.