تعددت الأبواب والمداخل والأسباب، والنتيجة واحدة.. المواطن في لبنان ضحية سياسات الهدر والفساد والنّهب وسوء التّخطيط وتبعاتها، حتى فَقدَ قدرته على الصمود أمام الانهيار السريع وغير المسبوق لقيمة العملة، والارتفاع المجنون لأسعار السلع الأساسيّة، وخصوصاً المحروقات والخبز والدواء والسلع الغذائية، وفي كل ذلك يطرح السؤال القديم – المتجدد عن ضرورة استمرار دعم هذه السلع، فيما الجميع يعلم أن هذا الدعم يذهب بغالبيته لغير المستحقين أو الذهاب باتجاه بدائل أكثر فعالية وعدالة، لكنها غير موجودة أو لا نيّة لدى الطبقة الحاكمة باعتمادها!
كثُر الحديث خلال الأيام الأخيرة عن ارتفاع أسعار المحروقات، فما هي الأسباب الّتي أدّت إلى ذلك، أهو إرتفاع سعر النّفط عالميّاً؟ أم تدهور سعر الليرة أمام الدّولار؟ وهل تستمر سياسات الدعم للمحروقات التي تهرّب على عين الأجهزة وبشكل علني؟
«اللواء» تسعى في هذا التحقيق للإجابة عن هذه الأسئلة، فبحسب جداول وزارة الطاقة والمياه، كان سعر صفيحة البنزين في 26 شباط 2020 حوالي 24,400 ل.ل. ليبلغ اليوم إزاء الإرتفاع التدريجي المستمر أي بعد عامٍ واحد، في شباط 2021، 31,200 ل.ل.، بارتفاع 7200 ل.ل.!
أبو شقرا: نواجه صعوبة في تأمين الدولار
وفي هذا السياق، يشير ممثّل موزّعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا لـ «اللواء» إلى أنّ «الدّولة لا زالت تدعم سعر المحروقات بنسبة 85% على سعر 1515 ل.ل والـ 15% الباقين يتمّ تسعيرهم حسب سعر السّوق، إذ يلجأ الموزّعون إلى شراء الدّولار من الصّرافين وهذه هي مشكلتهم مع الدّولة، إذ لا يتأمّن مع الموزع الدولارات لمبلغ الـ 15% فيترك الأمر لتلاعب السّوق. وهذا سبب مهم لإرتفاع سعر صفيحة البنزين. لكنّ السّبب الأساسي لهذا الإرتفاع هو السّعر العالمي لبرميل النفط بعد إنتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن، إضافةً إلى بدء عملية التّلقيح ضدّ كورونا وموجات الصّقيع الّتي حلّت على أوروبا وأميركا ما أدّى إلى إزدياد الطّلب على النفط عالميّاً، وهذا ما سبّب ارتفاع سعره من 40$ إلى 65$. وبما أنّ لبنان بلد مستورد، فمن الطَبيعي أن يتأثّر سعر المحروقات فيه بكلّ هذه العوامل».
ويضيف أبو شقرا: «لقد طالبنا الدّولة منذ السّنة الماضية بتأمين الدولار للمحروقات عندما بدأت ترتفع الأسعار وحافظنا على سعر 25000 ل.ل. لصفيحة البنزين الواحدة، لكن ما لم يساعدنا هو ارتفاع السّعر العالمي، والمشكلة محليّاً هي تدهور سعر صرف الدّولار قبل ارتفاع سعر صفيحة البنزين بـ 6000 أو 7000 ل.ل.».
ويتابع: «لا شكّ أن الإتجاه نحو ترشيد الدّعم على المحروقات محسوم ولكن لا وقت محدّد، وفي حال حصل هذا لا شكّ في أنّ سعر صفيحة البنزين يمكن أن يصل إلى 50,000 ل.ل.» ويضيف: «في حال اتّخذ قرار ترشيد الدّعم على المحروقات، نطالب أن يحدد سقف لسعر الدّولار عبر المصارف، أي أن تؤمّن لنا الدّولار، لأنّنا إذا إتّجهنا إلى تأمين الدّولار من السوق كموزّعين، سيؤدي هذا إلى كارثة مالية في البلد لأنّنا نواجه صعوبة في ذلك».
وعن إمكانية رفع الدّعم عن المحروقات يجيب: «لا أحد من المسؤولين يجرؤ على اتّخاذ هكذا قرار، بصراحة تامّة. وحاليّاً المحروقات متوفرة دون تحديد أمدٍ مستقبلي لإستمرار توفرّها، أي لا أزمة حاليّة»، داعياً إلى «الإسراع بتشكيل الحكومة لأنها مدخل للحصول على الثّقة الدّولية وحلّ معظم المشاكل، فهي باب الأمل ومفتاح الإنعاش الأساسي للبلد».
علاقة تدهور العملة بارتفاع الأسعار
وفي حديثٍ خاص لـ «اللواء» مع الخبير الإقتصادي نيكولا شيخاني حول علاقة تدهور سعر صرف الدولار مقابل الليرة في زيادة أسعار المحروقات، يلفت إلى أنّ «سعر النّفط في لبنان بالأخصّ يتأثّر بثلاثة عوامل، أولاً سعر النفط العالمي وثانياً قدرة الدولة اللبنانية على شراء سعر مستقبلي ثابت من النفط أي ما يسمّى «Hedging»، وبالتّالي ضمان سعر ثابت للنّفط لمدّة مستقبليّة معيّنة وفي حال ارتفع سعر النّفط تربح الدّولة وفي حال انخفاضه تخسر».
ويضيف: «العامل الثّاني هو الدّعم اللّبناني ومدى القدرة على تغطية نسب معيّنة من سعر النّفط عبره، لكنّ إحتياطي مصرف لبنان اليوم في طور الإنخفاض لذلك أصبح المركزي يدعم بسعر معيّن فقط، لا بنسبة ثابتة وبالتّالي تتأثر الأسعار محليّاً طالما السّعر العالمي يرتفع في حين يشكّل عامل ثالث تأثيراً أيضاً، وهو تدهور سعر الدّولار في السّوق السّوداء ما يؤثّر على نسبة الـ 15% غير المدعومة من سعر النّفط الّتي يؤمّنها الموزعون من السوق لشرائه».
تعميم الحاكم «154».. ضرب الليرة
ويعتبر شيخاني أنّ «العملة الوطنية تتأثّر بعوامل كثيرة، كالعرض والطّلب فمصرف لبنان اليوم يطبع الليرة اللّبنانية بأضعاف حجم الدّولار الموجود في الإحتياطي الذي يُستنزف أساساً، ما يؤدّي إلى إنخفاض قيمتها. عامل آخر هو التعميم رقم 154 لحاكم مصرف لبنان الذي صدر منذ أشهر، وتمّ التداول في شقٍّ واحد منه فقط، دون الإطلاع على الشق الآخر وهو أنّ كل البنوك في لبنان مجبرة على تأمين 3% من مجموع ودائعها بالعملة الصّعبة أي بالدولار خارج لبنان، عندها ارتفع الطّلب على الدّولار بسبب تهافت البنوك على شرائه. وبالتّالي، هذه الخطّة بدلاً من أن تخفِض تضخّم الدولار، قامت بتقوية السّيولة في البنوك على حساب سحب الدّولار من السّوق وبالمقابل تضخّم أزمة الليرة لسكان لبنان وتدهورها، وهذه السياسة خاطئة».
ويطرح شيخاني حلّاً لتدهور سعر صرف الدّولار عبر «إنشاء مجلس نقد، يثبّت سعر الصّرف، فيتّم توحيده بين المنصّة والسّوق السّوداء ثمّ يتمّ تركيب صندوق النّقد الّذي يقضي قانونه بعدم طبع اللّيرة اللبنانية في حال عدم توفّر الدّولار مقابلها والعكس. فيصبح طبع الأموال أيضاً مهمّة مجلس النّقد وتحصر مهام المصرف المركزي».
تدهور الأسعار لا يطال المحروقات فقط، بل يشمل كل سلعةٍ يرتبط سعرها بسعر صرف الدّولار، وأمام معاناة المواطن وتعسّف السلطة، بات لزاماً كسر الحلقة المفرغة من الجوع والإفلاس والبطالة والإفقار، التي رمي بها لبنان وشعبه، وإلا فالانفجار الكبير آتٍ لا محالة.
اللواء