تحقيق غادة دايخ وفرح مصطفى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسيرة ضيعاوية نحو نبض بنت جبيل, تخطؤها الأقدام مرورا بالعديد من الضيع فترسم الطبيعة نفسها كلما تقدمت خطوة نحوها لتظهر خلابتها وتبرز ثوبها الأخضر الذي لا يزال يشغل المساحة الاكبر من الضيعة بالرغم من العمران المتواجد فيها.
هي الضيعة التي يضع فيها أبناءها حتى اليوم بصمة لبنانية تسودها البساطة ورحابة صدر واسعة من قبلهم لابن الضيعة والآتي من خارجها.
وكأي ضيعة لبنانية جنوبية لها تاريخ و أثارات تاريخية تعود لعصور قديمة وشعوب بنت أنفسها وثقافتها على دروب الضيعة وبين زواياها. ومن هذه الآثار المغارة, شقيف النحل و عين الزرقا.
موقع صوت الفرح يستكمل زيارته نحو ضيع الجنوب العريقة وصولا الى دير أنطار والتي تجاورها كل من تبنين, السلطانية, المجادل ومحرونا. وتبلغ مساحة الضيعة حوالي 9000 كلم2 وعدد ناخبيها حوالي 3000 ناخب. تبعد دير أنطار 108 كلم عن بيروت عاصمة لبنان. ترتفع 550 متر عن سطح البحر وتمتد على مساحة 456 هكتاراً. وتضم 18 عائلة:حجيج, ناصرالدين, الاطرش, شعيتو, ياسين, الدايخ, خليل, خنسا, رميتي, شعيتللّي, أبوريّا, قصير, عطاّر, مجير, دبوق, محسن والماضي.
وهي كأي ضيعة جنوبية تعتمد على ريع مغتربيها الذين وزعتهم مشاغل الحياة والمستقبل في كل من أميركا اللاتينية, أفريقيا وفنزويلا.
وفي ضيعة دير أنطار مختارين: المختار خليل حجيج والمختار محمد جواد ناصر الدين. وكان لنا لقاء مع المختار محمد جواد ناصر الدين في منزله وهذه الدورة الأولى له في المخترة وسيقوم من بعدها إلى السفر خارج لبنان والارتياح قليلا. وهو عمل كثيرا في مجال المخترة وأحب أبناء ضيعته محبة واسعة وقد أخبرنا أن إنماء ضيعة دير أنطار بدأ في الثمانينات حيث بدأ الناس بأعمار المنطقة وإنماءها وقام المغتربون ببناء منازل لهم في الضيعة بدلا من شراء منازل في مناطق أخرى. وروى لنا أن اعتماد الضيعة يعود على المغتربين المتواجدين في أفريقيا وأميركا اللاتينية وأن نسبة وجود مغترب في كل عائلة تقريبا 95% فنادرا ما تجد عائلة ليس لديها أبناء مغتربين خارج لبنان.
وعن أول مغترب غادر الضيعة, يقول ناصر الدين أن أثناء تواجد الأتراك, قاموا بأخذ شخص وأخيه الى الحرب ولكنهم قاموا بالهرب الى أميركا اللاتينية ومن بعدها هاجر بعض من شباب الضيعة نحو اسبانيا وأفريقيا واليوم متواجدين في أفريقيا بعدد أكبر عما سبق. ويرجح أن يكون اسم دير أنطار مشتق من وجود دير في القدم ففي الضيعة قبور قديمة واثارات قديمة.
وتحتوي الضيعة على مدرسة واحدة رسمية : ثانوية دير أنطار الرسمية وتضم حوالي 136 طالبا.
وفي مقابلة مع مدير المدرسة الأستاذ عباس ابراهيم وهو مدير المدرسة منذ 20 عاما ويبدي ابراهيم ارتياحا كبيرا في الضيعة وقد هاجر إليها من تبنين وتعيّن فيها مدير للمدرسة.وقد سألنا مدير المدرسة عن سبب تواجد زجاج مكسور في احدى صفوف الدراسة علما بأن بلدة دير أنطار طقسها بارد جدا ومن المهم تهيئ جو مناسب للطلاب من أجل راحتهم وقدرتهم على الإعطاء والدراسة فان المشكلة تكمن برأيه بقلة تواجد عاملي الامينيوم في المنطقة وأكد لنا بأن هذا الأمر سيتم معالجته في الأسبوع القادم من قبل صندوق المدرسة وهو نتيجة تخريب من أولاد المنطقة من خارج المدرسة وهذا الأمر لا يدل على تقصير من الدولة برأيه فهي تقوم بدفع 150 ألف ليرة عن كل تلميذ سنويا لصندوق المدرسة.وفي أوقات الضرورة يقوم رئيس البلدية الأستاذ قاسم حجيج بتقديم المساعدة للمدرسة حيث قام هذه السنة بتقديم تدفئة (7 مدافئ مع لوازمها) وقام بدفع رسوم التسجيل والقرطاسية والكتب عن الطلاب النازحين من سوريا. بالإضافة إلى ذلك فانه يقوم بتأمين أساتذة ومعلمين للمدرسة وتحديدا لطلاب الشهادة الرسمية المتوسطة (البر يفيه) عند نقص العدد.
وبالنسبة للتلاميذ فهناك اهتمام زائد من المعلمين في المدرسة لأن أغلبية الأهل في ضيعة دير أنطار لديهم تقصير تجاه أولادهم حتى أن معظمهم يجهلون المستوى الدراسي لأبنائهم وبالرغم من إلزام المدرسة لحضور الأهل من أجل المتابعة مع أبناءهم إلا أن القلة منهم من يقوم بزيارة المدرسة والمتابعة ومن أجل ذلك فان الأساتذة هنا يقومون بدورهم كأساتذة وأهل للطلاب ولديهم ثقافة ووعي حول هذا الموضوع ولأن معظم الطلاب يعتمدون فقط على ما يأخذونه في المدرسة لذلك يقوم أساتذة المدرسة بتكثيف واجبهم وعملهم مع الطلاب وان العلاقة بين الأساتذة ومدير المدرسة علاقة أخوية يجمعهما الواجب والهدف الأساسي وهو الحفاظ على مصلحة الطالب.
وفي مدرسة دير أنطار يتواجد فيها طلاب من خارج الضيعة فهناك حوالي 15 طالبا من ضيعة السلطانية التي أقفلت المدرسة فيها.
تجولنا في المدرسة وفي صفوفها والتقينا بأساتذتها ومعلميها الكرام وتعرفنا على الطرق التعليمية التي يقومون بتكريسها في ذهن الطالب.
الأستاذ حسن فواز من تبنين مدرس الرياضيات يعمل على شرح الدروس وحل التمارين المتواجدة في الكتاب ويعمل من ضمنه وان مستوى الطلاب في مادة الرياضيات هو متوسط.
الحاجة زهرة زين الدين معلمة اللغة العربية تقول بأن مستوى الطلاب في اللغة العربية أكثر من جيد وأن تدريس اللغة العربية لا يعتمد فقط على الكتاب والمنهج الرسمي بل تقوم بتزويد الطلاب ببطاقات دعم لتقويتهم في المادة الأساسية في المدرسة.
المعلمة رمزية فخر الدين من السلطانية وهي تمارس مهنة التعليم منذ 32 سنة في مادة اللغة العربية والأجنبية لطلاب المرحلة الابتدائية. علمت طلابها وأبناءهم وتقول بأن الجو الدراسي جيد في المدرسة والطلاب لديهم استعداد ليتعلموا ويتلقوا المعلومات ولكن هناك تقصير كبير من الأهل الذين يعتمدون على ما يأخذه الطالب في المدرسة فقط ويتكلون بذلك على جهد المعلمة في ذلك.وعدا عن ذلك فان جميع الأنشطة التي يقوم بها الطلاب في الصف فإنها تفقد في الصيف أو يتم تخريبها.
الأستاذ علي حدرج من البازورية وهو مدرس اللغة العربية لصف البر يفيه. وهو يعتبر أن اللغة العربية من أجمل اللغات في العلم ولكن الجيل الحالي يقوم بإدخال لغات أخرى عليها كاللغة الفرنسية ولكننا في المدرسة نقوم بالجهد الكبير لكي نعيد أمجاد اللغة العربية من خلال التحدث باللغة العربية الفصيحة أثناء الحصة وهذا الأمر شكل في البداية خجل عن الطلاب ولكن مع الوقت أبدى الطلاب تحسنا كبيرا في استخدام المرادفات العربية الفصيحة لأن الحديث باللغة العربية يقلل من هيبة ورونق الكلام.
الأستاذ علي حدرج هو مدرس أيضا في ثانوية الفرح في تبنين وفي مدرسة دير أنطار ويبدي محبة وارتياح في الضيعة بحيث أنه يشعر بأنه ابن الضيعة وأخا كبيرا لطلابه.
المعلمة ياسمين مجير معلمة الروضات والابتدائي (رابع وخامس) منذ حوالي 20 سنة في مدرسة دير أنطار. وفي تعليمها لطلاب مرحلة الروضات فإنها تعتمد بشكل كبير على النشاطات اللاصفية والأنشطة الحماسية كالرسم والطبخ وتعلم الأغاني وأن قراءة القصص مترافق مع رسم للشخصيات على اللوح فبذلك يتجاوب الأطفال ويتعاون مع المعلمة على الدراسة. المعلمة ياسمين تشكر موقع صوت الفرح على التعاون والجهود التي تقوم بها.
وختام اللقاء في المدرسة كان مع الأستاذ نبيل الأشقر من تبنين أستاذ اللغة الفرنسية لصف المرحلة المتوسطة ويقول أن مستوى الطلاب في اللغة الفرنسية متوسط وأن الجهود تتكثف في بداية السنة ليصبح الطلاب أكثر تحسنا. وفي الصف تظهر مظاهر التقصير من حيث الزجاج والدهان والتدفئة.
وبحسب الباحث بالحضارات التاريخية والجيولوجية موسى ياسين فان دير أنطار هي احدى القرى التي أهديت من ملك صور الثاني أحيرام المسيح عيسى عليه السلام من بين عشرة قرى وفيها دير أنعشها السيد المسيح بصلواته بالإضافة إلى مسجد الإمام علي الذي صلى فيه السيد المسيح واثني عشر نبيّا ولا يزال موجودا حتى اليوم.
ويقول ياسين بأنّه كان لهذه القرية التي تقع في أعماق الحضارات وأعماق التاريخ أسماء كثيرة ك نطّار ،دير ناطور ،ناطور، دكاريج و سميت في عصر الجاهلية ب دير عقرب وتعني الأرض التي مكثها شعب القوة والشجاعة وتتميز برحابة صدر ومناخ معتدل.
هكذا قضينا يومنا في دير أنطار مع أهلها الطيّبين الذي يقصّون أحاديث الضيعة من دون أن تكلّ أو تملّ… مشوار اختصر معرفة كبيرة لمنبع الحضارات والتاريخ وتقاليد أهلها الذي تتدفق منها المبادئ السامية لينشئوها في نفوس الأجيال المقبلة.