سابين عويس – النهار
الوقت الضائع الذي يهدره أهل السلطة على خلافاتهم الخاصة وتصفية حساباتهم الشخصية، لا يقضي فقط على فرص تأليف حكومة جديدة، رُبط توقيتها على إيقاع خارجي، وانما على كل نافذة حل مفتوحة امام اللبنانيين للخروج من الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تتمادى تجذراً وعمقاً في كل شرايين الاقتصاد وقطاعاته الحيوية، وتنعكس فقراً وبطالة وغموضاً في الآفاق المستقبلية للبلاد.
فبعد خمسة اشهر على تكليف سعد الحريري تأليف حكومة، وستة اشهر على اكبر انفجار شهده لبنان ودمر نصف عاصمته، تسير البلاد بخطى ثابتة نحو الانفجار الكبير.
هي مسألة وقت لا اكثر، يقول مصدر حكومي، مضيفاً ان الانفجار كان مقدراً حصوله مطلع هذه السنة، ولكن عمليات شراء الوقت التي يقوم بها المصرف المركزي أجّلت ساعة الصفر. وهي عمليات لا تستند حصراً الى رهان “المركزي” على تشكيل حكومة تتحمل مسؤولية السقوط، وانما ترمي الى إبعاد كأس التبعات عن “المركزي” تحديداً، بعدما ألقت القوى السياسية المعارِضة لسياسات الحاكم رياض سلامة التبعة عليه في حملات استهداف مبرمجة لتحميله مسؤولية الانهيار وتبخر أموال المودعين، على خلفية هندساته المالية، وفتحت باب التدقيق والتحقيق في شأنه: التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والتحقيق لدى القضاء السويسري في عمليات اختلاس.
مسارا التدقيق والتحقيق لم يكتملا بعد، ولكنهما باتا على السكة. فوزارة المال استعادت الاتصال بشركة “الفاريز ومارسال” امس من اجل استطلاع قرارها في شأن استئناف عملها بعدما اعلن الحاكم استعداده للإجابة عن أسئلتها.
اما التحقيق السويسري، فتكشف مصادر مواكبة للمسار القضائي، ان المسألة قد تتخذ وقتاً ربما ولكنها سلكت طريقها، بعدما تبين ان هناك قرارا أميركيا بالسير في كشف المتورطين في عمليات الفساد ورفع غطاء الحماية الذي تمتعوا به في المراحل السابقة.
وبحسب المصدر الحكومي، فإن هذين الملفين يقضّان مضجع “المركزي” الذي بات حاكمه يلمس انه سيُترك وحيداً في مواجهتهما، فيما سيضطر الى الاستمرار في سياسة الدعم للمواد والسلع الاساسية التي تستنزف ما يراوح بين 400 و450 مليون دولار مما تبقى لديه من الاحتياطات. ولا يخفي المصدر في هذا المجال قلقه من ان شراء الوقت في دعم السلع والمواد بدأ يستنزف الاحتياط الإلزامي للمصارف، ما يعني ان الاستمرار في هذه السياسة سيفرغ ما تبقى من أموال المودعين خلال اقل من عشرة اشهر!
مؤشر خطير آخر لا يقل اهمية في المسار الانحداري المتفاقم يكمن في العد العكسي الذي بدأ لانطفاء نور الكهرباء في نهاية آذار المقبل، ما لم تتم معالجة مسألة العقود لاستيراد الفيول. وفي هذا الإطار، يشير المصدر الى ان التهديد بانقطاع شامل للكهرباء جدي جداً، ولكنه في الوقت ذاته يُستعمل من اجل الضغط في اتجاه تشكيل حكومة او القبول بعقود غير مطابقة للمواصفات!
هي مسألة اشهر قليلة جداً اذاً للقضاء على ما تبقى من مدخرات اللبنانيين. والمفارقة ان أياً من القوى السياسية لا يملك الجرأة لوقف مسلسل الانهيار وفضيحة الدعم الذي استنفد تلك المدخرات، بداية عبر ما عُرف بسياسة تثبيت العملة تحت شعار حماية الاستقرار النقدي، الذي سار فيه اللبنانيون طمعاً بالفوائد المجزية، ولاحقاً وأخيراً عبر سياسة دعم السلع والسلة الغذائية والاستهلاكية التي يتهافت الناس على شرائها، غافلين انهم يدفعون ثمنها مما تبقى من ودائعهم!