تحقيق زهرة خليفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الصرفند سربتا القديمة الفينيقية التي تعتبر من أقدم المرافئ على الساحل الفينيقي، تستقبلك بملامحها العريقة فتراها عروس الساحل الجنوبي المتربعة على شاطئ البحر.
إنها الصرفند البلدة اللبنانية التي تقع قضاء صيدا في محافظة الجنوب والتي تبعد عن العاصمة بيروت حوالي ثمانية وخمسين كلم. ويكون الوصول إلى البلدة عبر الطريق الساحلية صيدا الغازية- الزهراني- العدوسية- العاقبية- خيزران. ولموقعها الإستراتيجي الذي كسبه تاريخها وحاضرها، تعتبر الصرفند أحد الشرايين الحيوية المهمة الذي يتغذى منه الإقتصاد الوطني.
وقد اختلف الكثير في أصل تسميتها فيقال أنها “صرفة صيدا”، وهي التي ترك فيها التاريخ بعضاً من معالمه ففيها آثار فينيقية ورومانية وصليبية والمزيد من الآثار الغير مكتشفة سابقاً والتي اكتشفت حديثاً.
وقد تردد إليها إيليا النبي وزارها المسيح، وهي قرية أبي ذر الغفاري التي في كنفها عاش وفي رحابها انطلق وله فيها مزار مقدس (مقام أبي ذر الغفاري) و أيضاً هناك مقام العبد الصالح (الخضر الحي)، فصار للصرفند نفحة مقدسة لاحتوائها على هذين المزارين اللذين يقصدهما الكثير من لبنان وخارج لبنان. وأما المكان الأبرز في قرية الصرفند هو مرفأ الصيد الذي يعود إلى العصر الروماني.
معمل الزجاج ويعتبر من الأماكن السياحية في الصرفند منذ 1967 ، كان في البداية لصناعة الأباريق والمرطبانات فقط (ويحتفظ أصحابه على مرطبان منذ ذلك الحين) ثم تحول إلى مكان لصناعة التحف الزجاجية المنجزة والمزخرفة بأشكال وألوان مميزة، ولهذه الصناعة بعد بيئي من خلال تجميع بقايا الزجاج المكسور والزجاجات الفارغة المرمية، أصحاب هذا المعمل من عائلة خليفة في الصرفند يعتمدون على إنتاج ما يصنعونه من خلال تأمين طلبات الزبائن، ولكن الأولوية تعود للقطاع السياحي والاعتماد على وزارة السياحة. وكما أنهم يعرضون تحفهم في السوق العتيق في زوق مكايل، فضلاً عن عرضها في الخارج فقد شاركوا في معرض في فرنسا وأبوظبي بالإضافة إلى المشاركة في العديد من المعارض في مختلف المناسبات، ولم يعد اليوم معملاً فقط بل بات معلماً يزوره كل من يقصد الصرفند لما يحتويه تفاصيل جميلة تجذب الوافدين إليه.
وفي الحديث عن السكان في الصرفند تتعمق أكثر في تفاصيل هذه البلدة فالجميع يعشقون قريتهم ويعملون كل ما بوسعهم كي ترتقي أو كي يشاركون لو بعمل بسيط من أجلها، فهم عندما يتكلمون عن الصرفند تستطيع أن تصف قمة العشق التي يبدونها عند الكلام، والأمر الأكثر تأكيداً على ذلك شهادة بلدية الصرفند على الناس فيؤكد رئيس البلدية بأن المجتمع الصرفندي دائماً متعاون وهذا يشكل حافزاً للبلدية عند العمل.
الحاجة سعاد من أكبر المعمرين في الصرفند عاشت طوال حياتها فيها حتى صارت جزءاً منها, عمرها ثلاثة وتسعون عاماً تحدثك بلطافة عن ما تذكر من ذكرياتها في هذه البلدة مع أهلها وأقربائها وعن طبيعة العيش في الماضي والناس الذين كان رأسمالهم الأرض وهويتهم البساطة. ما زالت الحاجة سعاد قوية البنية خفيفة الظل بحديثها المشوّق عن كل تفصيل في حياتها وعن أيّامها التي عاصرت عمراً كبيراً من بلدتها الحبيبة.
إنتخابياً تعتبر الصرفند من كبرى البلدات في الجنوب، رئيس بلديتها الحالي المهندس الأستاذ علي حيدر خليفة منذ 22 أيار 2016، ويتألف المجلس البلدي من ثمانية عشر عضواً وحوالي ثمانية عشر لجنة، ووفيها أربعة مخاتير.
وتشهد الصرفند اليوم عدداً من الإنجازات التي تسعى البلدية إلى تحقيقها من أجل البلدة، فقد أكد رئيس البلدية علي خليفة انّ هناك عدداً من المشاريع التي يعملون عليها، ومن هذه المشاريع حفر آبار جديدة دعماً من المنظمة النروجية، وتجديد شبكة المياه المدعومة من مجلس الجنوب ومصلحة المياه الجنوبي، وأيضاً تزفيت كل الطرقات الداخلية وحلّ مشاكل البنى التحتيّة والصّرف الصّحي، واستحداث مداخل جديدة وتجميلها وإنشاء مدخل يربط خط صيدا وصور.
المختار كاظم يونس وهو مختار في الصرفند منذ عام 1998 أكد على أن الصرفند هي الأكبر مساحة وعدداً من بين قرى الزهراني، كما قال بأن هناك حوالي ثمانين عائلة، مشيراً إلى وجود بعض أصحاب الأملاك من خارج البلدة وبعض الأهالي الذين جاؤوا إلى الصرفند في الحرب وبقوا فيها حتى الآن، ووصف الصرفنديون بأنهم يكرمون الضيوف الغرباء كأبناء بلدتهم بل أكثر. وأضاف بأن نسبة الإغتراب لا تصل إلى الثلاثة بالمئة. والسكان المحليين أكثرهم يعملون داخل بلدتهم وتجمعهم روح الإحترام والمحبّة فيما بينهم.
يبلغ عدد السّكان في بلدة الصّرفند حوالي الثلاثين ألف نسمة، يقترع فيها حوالي ثمانية آلاف ناخب، وفيها خمسة آلاف نازح سوري.
يعتمد أكثر سكان الصرفند على القطاع الزراعي ومنهم على التجارة والخدمات بالإضافة إلى ذلك فإن حوالي ستمئة عائلة يعتمدون على صيد الأسماك، فإن في البلدة ميناء يعتبر أهم ثاني مرعى للأسماك بعد النّاقورة، فهو يشكّل سوقاً مركزياً لكل التجار ويضمّ الميناء خمسين زورقاً للصيد وعدداً كبيراً من الصيادين ويقع على الشاطئ الممتد من الزهراني إلى القاسمية على نحو عشرين كيلومتر.
وفي هذا الإطار يقول خليفة أن هناك تعاون مع المنظمات الدولية (UNDP) لتأهيل الميناء، فقد تمّ افتتاح سوق السّمك منذ ثلاث سنوات فضلاً عن تجديده. وقامت السّفارة البريطانية بتأمين برّاد وسيارة متنقّلة، كما تعمل المنظّمة لإنشاء مطعم يعود إنتاجه إلى صيادي الأسماك في البلدة.
وأما على مستوى الأنشطة يؤكّد رئيس البلدية على إنجاح الأنشطة التي يقترحونها بين النّاس، فقد أقامت البلدية دورة لمحو الأمّيّة برعاية السيدة رندة برّي تطوّع فيها حوالي خمسة وثلاثون شاباً وشابة لمساعدة الأمّيين في الصّرفند الذي يبلغ عددهم ثلاثمئة وسبعة وعشرون بحسب الإحصاءات.
كما عملوا على نشاط لاكتشاف المواهب ويهدف إلى الحدّ من الإنجراف وراء المخدّرات، كما تمّ إطلاق مشروع بالتعاون مع المدارس والثانويات.
وقد حقّقت الصّرفند مشروعاً مهمّاً بالدّخول في مجموعة غينيس لأكبر صحن سمكة حرّة، لتسليط الضّوء على القطاع الإقتصادي الذي يعتاش منه أغلب السكّان في البلدة.
وتعتبر الصرفند أوّل من بادر لفرز النفايات من المصدر وذلك بالتعاون مع منظمة UNDP و ICF .
وأما عن الخوض في تفاصيلها فإن بلدة الصرفند اليوم تشهد تحولاً وذلك بعد ظهور معالم جديدة باتت معايير تأهلها لأن تصنّف مدينة لعلها تشارك المدن المحيطة بها الإسم والرسم.
خليفة وبدوره يبين أن هناك مسعى جدي وتقديم مشروع قانون لمجلس النواب لأجل اعتماد بلدة الصرفند كمدينة لقرى قضاء الزهراني. ومن العوامل التي تساعدها على اكتساب لقب المدينة هو توفر المؤسسات والمراكز على اختلاف أنواعها.
ففي البلدة أربعة مستشفيات، اثنتان منهما عاملتان (مستشفى علاء الدين ومستشفى خروبي)، ومستشفيين قيد الإنجاز(مستشفى الصرفند الحكومي الذي تم وضع حجر الأساس له)، وهناك مستشفى للجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين الذي حصل على الترخيص مع إمكانية البدء فيه، وكما أن “جمعية نبيه بري لتأهيل المعوقين” هي جمعية نموذجية في المنطقة وتعتبر من أكبر المؤسسات في لبنان، فضلاً عن وجود مستوصف يقدم دائماً الخدمات الصحية للمواطنين والمركز الخاص بالدفاع المدني.
ومن المؤسسات الصحية إلى المؤساسات والجمعيات التجارية فالمجلس البلدي حالياً يرسم خطته بقلم الإنجاز الواضح حبره على مجمل المشاريع الإنمائية فقد انتشرت المجمعات والتعاونيات التجارية على طول الطرقات في البلدة بواجهات راقية ومميزة، فضلاً عن المعامل والمصانع، مطاعم ومسابح ومقاهي وفندقين.
وتحتوي الصرفند على خمس شركات صيرفة، مصرف، مركز للأمن العام، مقر إتحاد بلديات ساحل الزهراني و مركز لوزارة الشؤون الإجتماعية والجمعيات.
أما رياضياً فقد تم إنشاء قاعة رياضية مقفلة في الصرفند والتي تعتبر أكبر قاعة رياضية في لبنان تشهد العديد من المباريات المهمة لكرة الطائرة وتستقبل الكثيرمن الفرق اللبنانية، مع العلم أن فريق الصرفند(الرسالة) يلعب كدرجة أولى في الدوري اللبناني لكرة الطائرة .
ويعتبر تطوير الطاقة البشرية الركيزة الأساسية لتأهيل البلدة بدءاً من المعاهد المهنية إلى جانب العديد من المدارس بالإضافة إلى إنشاء الجامعة العالمية “فينيسيا”، وهناك الكثير من المشاريع الأخرى كإقامة الحدائق العامة التي رُسمت بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية وهي قيد التخطيط، وأيضاً أُنجزت مكننة إلكترونية كاملة في البلدة على مستوى الصندوق والإدارة والمعاملات الإدارية في البلدية تماشياً مع التطورات في التكنولوجيا.
والمعيار الأهم لأن تصبح مدينة فإن الصرفند مطابقة للكثافة السكانية بالكيلو متر مربع المعتمدة للتصنيف بنسبة تفوق بعض المدن.
وهكذا تكون الصّرفند في طريقها للحصول على لقب المدينة بشكل رسمي.
وبتألق هذه البلدة وظهور التّحوّل الذي جعلها تقف منتظرة لقبها القريب “مدينة الصرفند” ليعلن بشكل رسمي، يبقى قلب البلدة نابضاً بالمحبّة بين أهلها، وتبقى الصرفند متشبثة بتاريخها الذي يعتبره سكانها رمز الأصالة والحضارة التاريخية.