السبت, نوفمبر 23
Banner

مجدل زون.. واجهة أثرية بين أيادٍ مبعثرة.. وكسارات مدمرة

تحقيق غادة دايخ وكوثر عيسى

تصوير حسين سلمان

في صباحٍ أخضرٍ جميلٍ أشرق الإنتصار شمساً جديدة ما بين الجبلِ والبحر بعدما ذبُل الزرعُ طويلاً ، واليوم تُلامسهُ أيادٍ كُتب منها معنى الحرّية، خمسة وعشرونَ عاماً وبلدةُ مجدل زون الجنوبيّة تتحدّى أسى الظلم ووحشة الهجرة وهي على تماس مع عدوٍ غاشم.

قاومت قبلَ مئات السنين وجود العدوِّ الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، كانت تتبَعُ هذه البلدة إلى ولاية عكّا خلال الحكم التركي برئاسة أحمد باشا الجزّار الذي تولّى عكّا في ثمانينات القرن الثامن عشر، فكان جدود آل الزّين في مجدل زون حلفاء للأمير بشير في ذلك الوقت، وعندَ انتصار الجزّار على الأمير بشير بقتله إعداماً، هدرَ أموال آل الزّين وحللّ سفك دمائهم، وهرباً منه تشتت العائلة المؤلفة من تسعة أخوة في بلدان عدّة بعيداً عن الظلم والإستبداد.

تتواتر المعلومات والروايات الكثيرة في هذه البلدة الصغيرة، والمؤكد منها أنّ أهل مروحين الجنوبيّة كانوا من السكّان الأصليين لمجدل زون، روايات أخرى تقول أنَ قديماً كان يسكن البلدة بعض العرب البدو بقطعة أرض فيها تسمّى جبّانة العرب.

ويقال أيضاً أنه من آلاف السنين كان إسم البلدة دير مجد أي على أيام الرومان والبيزنطية وهو إسم سيرياني، والآثار الموجودة تدلّ على أن البلدة كان يسكنها المسيحيون فالأسماء التي لقبّت أراضي البلدة بها تدلّ أيضاً على ذلك: مرج مارون، كرم نصيف، خلّة مارون، جلّ الميدان، كرم النبيّ، أمّا الإفادة العقارية للبلدة إسمها خلّة مارون.

عاشت مجدل زون خط تماس مع العدوّ الإسرائيلي على مدى خمسةٍ وعشرين عاماً تهجّر خلالها نصف سكّانها إلى بيروت و10% منهم في محيط صور هرباً من القصف المتواصل، ولكن أهل القرية عاشوا حياتهم الطبيعية القروية المقاومة بكل تفاصيلها رغمَ استهدافِها أكثر من كلّ القرى المجاورة لها، وكانت الأراضي الشرقية في القرية لا مجال لدخولها.

تقع مجدل زون في قضاء صور محافظة الجنوب وترتفع عن سطح البحر 440 متراً، وهي تنتشر بشكل واسع إذ تصلُ مساحتُها إلى 1400 دنماً، أمّا عددُ سكّانها فيصلُ تقريباً إلى 750 نسمة، فيما يصل عدد المقيمين في البلدة 4500 نسمة، 50% منهم موزعين داخل وخارج لبنان و 15% منهم في ألمانيا.

تتألق القرية بموقعها الجغرافي المميّز حيثُ تتمتّع بمناخ الجبل والساحل كونها شبه جبلية وقريبة من البحر، فأصبحت اليوم منفتحة على لبنان كله بعد أن كانت بلدة مغلقة.

تمتاز البلدة أيضاً بزراعة الدُخان والزيتون والقمح بأغلبية السكّان فأصبح الأهالي يملكون أكثر من اكتفاء ذاتي مكنَهم من تأمين لقمة العيش بعرق جبينهم.

وقد قام المقتدرون في البلدة بحفر بعض الآبار الإرتوازية الحديثة التي تفتح مجالاً أوسع لخلق فرص عمل جديدة مما ساعدَ على زيادة اليد العاملة وإنهاء البطالة.

معصرة مجدل زون القديمة يعود عمرها لأكثر من سبعين عاماً

خلال جولة لموقع صوت الفرح في مجدل زون من أجل إظهار جمال الجنوب الصامد وتسليط الضوء على تراث البلدة، روى لنا أحد كبار السّن في القرية عن معصرة زيتون قديمة الصّنع يعود عمرها إلى أكثر من سبعين عاماً وما بقي منها إلاّ آثارها مثل جرن الرحى والدولاب والمكبس، حيث كانوا يجرّونه على الحصان، فكان وقت عصر الزيتون في تلك الأيام وكأنّ أهلّ القريةِ يتحضّرون للذهاب إلى حفلة تجعلهم يشعرون بنكهة مميزة، توقّف العمل بالمعصرة عام 1978 عندما تهجّر الناس بعد الهجمة الإسرائيلية على الجنوب وتأثرت المعصرة بشكل سلبي حيث هُدمت وتوفي صاحب المعصرة، أمّا اليوم فالناس يعتمدون على المعاصر الحديثة، والمعصرة القديمة في البلدة أضحت من آثار القرية.

بلدة تثبت معالمها أنها بلد تراثي

تستحقُّ قرية مجدل زون الجنوبية كل الحقّ أن تُصنّف كبلدة سياحية هامة على صعيد الجنوب، فهي تملك العديد، بل الكثير من الآثار القديمة التّي تؤّكد ما ورد في نصّنا هذا عن وجود رومانيين وبيزنطيين من آلاف السنين، فقد اكتشفَ على مرّ السنين أهالي البلدة العديد من الموجودات الأثرية من مغاور ومدافن وغيرها تثبت حقّاً أنّها بلدة تُراثية، فالتُراث نوع من أنواع الحضارة.

اكتشاف مغارة في البلدة يشبّه جمالها بأجمل مغارات لبنان

واكتشفَ أهالي مجدل زون مؤخراً مغارةً في باطنها، تنطبق بمواصفاتها على مغارة جعيتا، وكانت قبل العام 2000 موقعاً لقوّات الطوارئ تسمّى “خلّة مقلو” بمحاذاة مكان لرمي النفايات.

بعد التحرير عام 2000 وبعد خروج القوات الدولية من لبنان، كانت تلك الحفرة تمتلىء بالماء سنة بعد سنة، وفي هذا العام وعند مرور أحد الصيادين الهواة، حاول بعضهم اكتشاف هذه الحُفرة، وعند المعاينة اكتشفت المغارة المختبئة لآلاف السنين، بلّغت بلدية المجدل مدير مكتب الآثار في صور وأبدى الأخير اهتمامه فأعدّ تقريراً وقدّمه للوزارة للإهتمام بها من كل جوانبها، كما أبدت البلدية وأهالي مجدل زون فرحهم العميق لهذا الإكتشاف النوعيّ المميّز منتظرين وزارة السياحة لرسم خطّة عمل للمغارة من قبل المختصّين في هذا المجال.

بلدية مجدل زون.. نوابنا ينادون بالإمام الصدر ومدينة الصدر غير مؤهلة

بلدية مجدل زون مستحدثة منذ العام 2004، قدّمت البلدية في بداية عملها جهداً كبيراً حيث استلمت تأسيس وإنشاء بلدية تلبّي فيها حاجات المواطن، استكملت البلدية الحالية عملها مع تعرقل بعض الأمور السياسية ، ومع استقالة رئيس البلدية الحاليّ كُلّف نائب الرئيس الأستاذ حسين الدّر من قبل وزير الداخلية والمجلس البلدي بترأس البلدية.

أكدّ الأستاذ حسين الدّر أنّ البلدية تعملُ بما تيسّر بغياب تامّ للدولة اللبنانية منذ إستلام البلدية عام 2010 فهي لم تحصل على أي مشروع من وزارة الأشغال بل المشاريع تقام على نفقة البلدية، رغم أن هذا يحصل على عاتق الوزارة، قدّمت البلدية عدّة ملفات مطالبة بحقّها إلا أن الوزارة كانت تحتجّ في كل مرّة.

تحتاج البلدة إلى إلتفاتة الدولة لها لأنها تعاني من نقص المياه وعدم الإهتمام بالبنى التحتية وغيرها، كالعديد من البلدات اللبنانية.

لفت الدرّ إلى “أنّ إهمال منطقة صور مقصود فالطرقات من شمال لبنان إلى جنوبه يعاد تأهيلها وصولاً إلى أول مدينة صور من برج رحّال إلى آخر الجنوب، وشكى قائلاً:” لا يبنى جامعات لبنانية في الجنوب فإذا أراد المواطن تعليم أولاده يبيع أرضه ليرسلهم إلى مناطق أخرى للتعلّم، غير مستعدون لبناء مستشفى حكومي في الجنوب ويموت المواطن مذلاً على أبواب المستشفيات الخاصّة، إذا أراد المواطن الحصول على سجلّ عدلي أو إفادة عقارية أو تثبيت إخراج قيد فهو مُجبر على مغادرة منطقته ليحصل عليها “.

وتابع:” كل نوابنا يقولون في خطاباتهم مدينة الإمام الصدر، لماذا هذا الإهمال المتعمّد لمدينة صور وضواحيها منهم ؟؟….، مدينة الإمام الصدر غير مجهّزة ومنسية من قبل الكثير ممن ينادون بإسمه.

بلدةٌ عاشت 25 عاماً خط تماس مع إسرائيل ولم تقدر أن تهجّر أهلها.. لنّ تسمح لمعقبّين أن يهجّروها ..

صاحب مكتب هندسة مكلّف من قبل وزارة البيئة بإعداد دراسات التصنيف وهو المهندس (ح. س) من منطقة صور، اشترى بعض الجبال والأراضي في بلدة مجدل زون بأسعار بخسة على حجّة أنها أرض مهجورة وغير مصنّفة، أعدّ الدراسة للوزارة وصنفت مجدل زون ببلدة كسارات، وعندما قدّم للمجلس البلدي طلب كسّارة، رفض المجلس البلدي الطلب بالإجماع عليه، لافتاً الى إجماع أهالي البلدة من كبيرهم الى صغيرهم على رفض اقامة هذه الكسارة.

وأكّدت البلدية أنّ البلدة تعيش على أرزاقها من الدخّان والزيتون وغيرها وهي لن تسمح لأي شخص أن يقطع بأرزاق أهل البلدة لكي ينفّذ مصالحه الشخصية عدا ما تلحقه الكسارات من تخريب للطبيعة وأذية للبشر.

وناشد نائب رئيس البلدية عبر موقع صوت الفرح وزارة البيئة والسياحة والأشغال إعادة النظر بالتصنيف الذي صدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 2/14/ 2008 الذي وكلّ وانشغل عبر معقبين وسماسرة لا يعملون إلاّ لصالحهم الشخصي ولا يهمّهم بيئة ولا مواطن، متمنياً عليهم مشاهدة طبيعة مجدل زون ومعاينتها من ثم إعادة تصنيفها، وتبيان المعالم السياحية للبلدة والإهتمام بها، كما وتمنّى عليهم اعتماد طرق علمية أي لا تكون عبر مهندسين( تجاّر عقارات) وأن لا تترك هكذا أمور هامّة لمكتب عقاري.

كما وأشاد أهل البلدة بالموقف المشرّف الذي قامت به البلدية تجاه أهلهم برفض القرار، رافضين كل الرفض لأنها ستقضي على المزروعات وتلوّث المنطقة.

الدر توجه إلى صوت الفرح كوسيلة إعلامية لها مشاهديها ومستمعيها طالباً منها إظهار طبيعة مجدل زون لكل الناس وتبيانه للرأي العام ليرى ما يفعله السماسرة بحق البيئة والإنسان.

مدير مدرسة مجدل زون السابق ورئيس مركز الجنوب لتدريب مدراء المدارس الرسمية الأستاذ نواف هرموش

” نسبة المتعلمين في مجدل زون عالية جداً وأقمنا عدّة دورات لمحو الأميّة، وما تغيّر بين الأجيال هو الفلتان الأمني مما سببّ تسرب مدرسي وهذا ما يحتاج تعاون كبير بين الأهل والإدارة، فالوضع الإقتصادي والأمني المسيطر يؤثر على الطالب لأنه إذا تعلّم لن يحصل على الوظيفة، ما يوجب عقدة عند الشباب”.

هذا ما أكّده هرموش، وأكمل أن هذا ما تتحمّل مسؤوليته الدولة خاصة أنّ بعض الموتورين دخلوا بعملية الإدمان واستغلوا الأطفال وخاصة المراهقين، ولولا أن كل مدير يعتبر المدرسة له لكانت سقطت المدرسة والوزارة لا تتعاطى بالشكل المطلوب على مستوى التجهيزات التقنية لتحديث المناهج.

وأكمل أن بلدية مجدل زون أحدثت قفزة نوعية بتاريخ القرى الجنوبية وتعاونت معنا على المستوى التربوي بشكل ممتاز، وركزّت على جمالية القرى بكاملها من ناحية الإنماء أيضاً والتعاطي والتوّجه والبُنى التحتية “.

مختار بلدة مجدل زون الحالي الحاج محمد الدّر

“خمس سنين في المخترة، نحن دورنا اليوم اصبح مهمشاً سياسياً، منذ ستين أو سبعين عاماً كان المختار يستطيع أن يفرض سلطته علينا بالإحترام والأخلاق، أما اليوم فأصبح من الصعّب القيام بذل وهذا العامل يعود للسياسة “.

الأستاذ أحمد الزين أستاذ ثانوي في الفلسفة والحضارات ولديه مؤلفاته الخاصة درّس بمختلف المناطق اللبنانية:

” نحن أولاد القرية وجزء منها دفعنا الأثمان كاملة من جهة العدو الإسرائيلي وفُتحت عيوننا على الأذى وأنا من هؤلاء الذين دفعوا الثمن حيث خُطفت من قبل الكومندوس عام 1974 حينها خطفوا ستة بيوت ونسفوهم، وحين شكى أهل القرية لقائد الجيش في ذلك الوقت تعدي الإسرائيليين عليهم كان جوابه لماذا نسفت بيوتكم ولم تُنسف بيوت الآخرين.

ثلاثمائة عسكري دخلوا إلى القرية من الجهة الشرقية مع طائرات وهادمات وطوقت القرية وأسروا البعض واتهمونا بقيادة الميليشيا، وهذه واحدة من القضايا التي عانيناها.

مختار القرية بالوكالة سابقاً الحاج محمد هرموش

رجل يبلغ من العمر تسعين عاماً، تتألف عائلته من خمسين فرداً، يروي أكثر الروايات إلفةً وجمالاً، كانوا يذهبون إلى فلسطين ثلاثة أشهر في الصيف على الجِمال لقطع الحطب ويأخذون الطحين والسكر والرّز من لبنان للمتاجرة به في فلسطين وحتى أثناء الحرب كانوا يذهبون لتأمين لقمة العيش، إلى أن احتلّت فلسطين عام 1948 فتوقفوا عن الذهاب إليها.

وذكر علي شبلي الدر بعض الأحداث من الماضي قائلاً ” عُدنا إلى مجدل زون بعد التحرير عام 2000 واستقرينا بالقرية التي لا زالت تسكنها الإلفة والسهرات ومشاركة الأفراح والأحزان خلافاً لما عشناه في المدن، قريتنا بالواقع قديمة وتاريخها عريق إذ تعيش نهضة ثقافية عمرانية، تقع على رأس تلّة ومشرفة على البحر وفيها مراكز آثارات وأهلها بسطاء طيبون يعيشون على الزراعة ولديهم صفات الكرم دون مبالغة، موجهاً رسالة لكل اللبنانين من شمال لبنان إلى جنوبه لزيارة بلدتنا فكل بيت من بيوتنا لهم ونتشرّف بهم “

إن كان للكرامة عنوان فأهل الجنوب هم مثال لهذا، للعزة والكرامة، رسموا الإنتصار بعد أن ذاقوا ألوان وأنواع الظلم، وأهالي مجدل زون لن يتركوا وطنهم الصغير لتحيا المصالح الشخصية الرخيصة للبعض.

Leave A Reply