تحقيق غادة دايخ
تحرير فاطمة شعيتو
تصوير حسين سلمان
إذا ذكرت الجنوب والمقاومة ومعاني القوة والكرامة فقل للتاريخ أن يتمهل.. هنا طورا..
“الضيعة” المتواضعة.. المكان والمساحة الشامخة بتاريخها وشهامة دماء شهدائها .. تذهب إليها فترى نفسك أمام عائلة واحدة متماسكة تواجه مصاعب العمل والحياة بروح المثابرة والأمل..
أبو جهاد.. الحاج محمد دهيني.. الرجل العصامي يضرب لك في تاريخه نموذجاً في الانسان الذي لا يهدأ.. يمارس قناعاته ولا يخاف في الله لومة لائم.. يتمسك بأمل منهجاً.. الإمام الصدر قائداً.. والرئيس بري رجلاً بحجم وطن.
طورا..اسم اشتق من السريانية من كلمة ثورة ومع الوقت تغيّر لفظ حرف “ث” الى “ط” و “ة” الى “أ” فأصبحت طورا التي يحدها من الغرب العباسية ومن الشمال دير قانون النهر ومن الشرق جناتا ومن الجنوب معركة وطيردبا.
البلدة التي ترتفع عن سطح البحر 200 متر وتصل مساحتها الى 2050 دونم وتبعد عن صور 13 كلم، فيما يصل عدد سكانها الى 6500 نسمة، فيها من العائلات: شور ـ دهيني ـ عجمي ـ ضاهر ـ دياب ـ حرقوص ـ حيدر ـ خاطر، التي تعتمد في زراعتها على الحمضيات والتبغ والزيتون والخضروات.
موقع صوت الفرح جال في بلدة طورا وزار بعض عائلاتها ليتعرف أكثر على سماتها.
في البداية التقينا رئيس البلدية الحاج أبو جهاد دهيني الذي تحدث عن المشاريع التي أنجزها بعد استلامه البلدية، فهو يحب العطاء وتقديم المساعدات لمن يحتاجها إذ كان مسؤول الخدمات في حركة أمل قبل أن يكون رئيساً للبلدية وما زال حتى اليوم يمدّ يد العون للجميع.
وذكر أهم الانجازات في عهده وهي: توسيع وتعبيد الطرقات، صرف صحي، حفر بئر وتوفير موتور للمياه ومازوت، تشجير، كهرباء، جدران، شراء موقف للحسينية، استقدام آلية لتنظيف الطرقات دون عمال وهو ما تفتقره حتى مدينة صور وغيرها من المشاريع المفيدة للبلدة وأهلها بتعاون كامل من الأهالي الذين يثقون كل الثقة بالبلدية…
ولفت دهيني الى أن البلدية هي صلة الوصل بين المواطنين والدولة التي لا تعطيها كامل مستحقاتها ورغم فقر الإمكانيات إلّا أن البلدية تعمل بشكل متواصل بإمكانياتها الخاصة كي توفر أكبر قدر من المساعدة للمواطنين.
وتحدث عن حرب تموز التي بقي طيلة أيامها داخل البلدة ليساعد أهلها كما أهالي البلدان المجاورة التي هجرها رؤساؤها، فأمّنت البلدية الغذاء والماء والطبابة والمازوت وساعدت اهالي البلدة للوصول الى أماكن آمنة واستمرت بتلبية احتياجاتهم المختلفة دون تردد.
وأشار الى بعض العراقيل التي تواجههم في تأسيس الجمعيات حيث قدّموا لتأسيس جمعيتين الأولى تُعنى بالبيئة والأخرى لنادي شباب طورا والإثنين رُفضتا مرتين رغم وجود نظام داخلي وكل ما يحتاجه تأسيس أي جمعية، متمنياً ايجاد حل لهذا الموضوع لما له من فائدة كبيرة للبلدة.
وختم بالحديث عن العلاقة المتينة التي تجمعه مع أفراد اليونيفيل العاملين في الجنوب، إذ تقوم علاقتهم على الصداقة الجيدة والتواصل الدائم ويلبي مناسباتهم كما يفعلون بدورهم من أجل المنفعة العامة وتقريب الشعوب فيما بينهم.
نائب رئيس البلدية سميح دياب أشاد ببلدة طورا التي بنيت فيها الإرادة والقوة من قساوة الإحتلال، إذ قدّمت الشهيد تلو الآخر بكل فخر من أجل حماية الوطن ووضع حد لمغتصبيه، وبدوره قدّم ثلاثة شهداء من منزله، قائلاً: “نحن شعب لا نتخلى عن مواقفنا مهما حدث”.
وأثنى على دور البلدية التي لطالما كان هدفها المصلحة العامة بجهود رئيسها الإنسان المجاهد الذي قدّم الكثير رغم قلة الإمكانيات.
أمّا المختار خليل دهيني “مختار أباً عن جد”، يحب تقديم الخدمات للناس ويعرف تماماً كيف يتعامل معهم، فيسهّل عليهم الكثير من الأمور وينجز لهم المعاملات بأسرع وقت.
يقول أن طورا تضم مختلف الفئات الإجتماعية كما معظم القرى المجاورة، وفيها من المغتربين الشباب من يقدّم المساعدات للبلدة وأهلها، أمّا الوظائف فهي ضئيلة مقارنة بنسبة المتعلمين، لذلك يُعتبر المهجر حلّ للكثيرين.
الحاج مسلم ضاهر عضو البلدية وصاحب مزرعة بقر بالإشتراك مع ولده، ورث هذه المصلحة عن والده وجده من قبله، أراد السفر كما فعل اخوته لكنه سرعان ما عاد الى بلده رافضاً الإبتعاد عن أرضه، فأحيا الأرض واهتم بها.
وتحدث عن القرية المقاومة التي يشهد لها التاريخ ويفتخر بانتمائه اليها، ذاكراً أن طورا كانت رغم صغرها مركزاً لبيع الماشية قبل الاحتلال الاسرائيلي، ومنها ينطلق التجار الى سوق العباسية.
الشاعر الأستاذ علي وهبي دهيني ناظر عام في المدرسة الرسمية التي تعلم وترعرع فيها والتي تضم اليوم 500 طالب من طورا ومحيطها.
الحاج علي الشاعر الموهبة أصدر ديواناً من الكتابات الغزلية والخواطر الدينية والوطنية، يسري الشعر في دمه من جده الذي بقي على منابر عاشوراء 73 عاماً، ويشارك اليوم في العديد من المنتديات الفكرية والأدبية.
وفي حديثنا مع والدة الشهيد محمود حيدر(أسير) قالت :”مشينا على هذا الخط وسنبقى حتى الموت.. قدّمنا أغلى ما نملك من زينة شبابنا وكلنا مجاهدون نرفض الإحتلال والعدوان”، واستذكرت أيام الاحتلال كيف كان منزل عمها مفتوحاً للأحرار الذين يواجهون العدو دون خوف، ذاكرةً مدى اشتياقها لإبنها محمود “فالغالي لا يُنسى”.
وفي منزل المرحوم الشيخ علي شور التقينا بإبنه الذي عاد بنا بالزمن الى الوراء ليتحدث عن ديوان قديم كان يستقبل فيه الحاج يوسف شور أهالي البلدة والقرى المجاورة للمسامرة وتبادل الأحاديث المسلية، كما تحدث عن معصرة الحصان الأثرية والحوزة العلمية والقبو القديم.
أمّا زوجة الشيخ فهي ترفع رأسها بأولادها الذين رفضوا ابتعادها عنهم بعد وفاة والدهم فأعادوها من مدينة صور الى طورا حيث كان منزل العائلة سابقاً ما زال موجوداً، فسكنت فيه بالقرب من أحبائها ليزوروها كل يوم ويطمئنوا عليها.
الحاجة فاطمة سلام ضاهر بقيت طيلة أحداث حرب تموز في بلدة طورا ولم تفارقها، فكان اتكالها على الله كبير والجميع كان بخير بوجود البلدية التي لم تفارقهم ومَدّتهم بجميع الاحتياجات المختلفة، وساعدتهم الى حين آخر يوم من الأحداث.
تتمسك رشا طراد بأرض طورا وسكانها، إذ ترى الأهالي ملتفين حول بعضهم البعض دون وجود أي بغض أو كره، كما ترى نمو البلدة وتقدمها في ظل وجود الكثير من المشاريع الإنمائية.
وتحدث علي دهيني صاحب قهوة في البلدة عن الوضع الصعب الذي يعيشه الشباب في ظل البطالة وعدم وجود فرص عمل، أمّا بلدة طورا فهي عظيمة بطيبة أهلها ومحبتهم لبعضهم البعض.
هذا وقال علي الأسدي صاحب محل أجهزة خليوية أن الروح الرياضية تنبع من أعماق أهل بلدة طورا التي يوجد فيها ملعبين يمارس فيها الشباب هوايتهم المفضلة، ولا يوجد مشاكل بينهم بل الجميع مقربون وأكثر من أحباء.
محمد حسن حرقوص عاد من السفر منذ تسعة أشهر بعد حادث تعرض له، ويرى أن الوضع في البلد صعب للعمل لذلك قرّر العودة بعد شفائه.
واستذكر الحاج خليل دهيني طورا القديمة بقلة بيوتها وسكانها حيث الألفة والجيرة والعيشة الأفضل، تحدث عن حرب 1978 عندما كان القصف الاسرائيلي بأقصى حدته فتوفيت زوجته وأمها وأختها وابنه آنذاك، ومن ثم كانت حرب تموز وبقي صامداً في البلدة يحمد الله على كل شيء.
سعيد شور لديه شهيدين من عائلته حسن ونجاة الذين استشهدا أيام الاحتلال الاسرائلي، كما غيرهم من الشباب الذين حموا بلدهم وواجهوا العدو الاسرائيلي بكل اندفاع حتى آخر لحظة من حياتهم، قائلاً: “نحن نرفض الاحتلال وسنقاومه حتى النهاية”، طالباً من جميع الشباب التمسك بأرضهم ومحاربة عدوهم وكل معتدٍ أو مغتصب لأرضهم”.
وذكر الحاج حسن كحلول من أهالي البلدة وصاحب فكرة إقامة سوق شعبي في البلدة من أجل إحيائها، أنه استشار رئيس البلدية في موضوع السوق الذي بدوره قدّم الدعم في هذا الأمر، فبدأ السوق الشعبي منذ أول الصيف مع الكثير من التسهيلات.
وتحدث يوسف عبد الكريم دهيني أيضاً عن السوق الشعبي الذي اعتبره شاملاً لكل الحاجيات الأسياسية وسهّل على أهالي البلدة التوجه الى القرى المجاورة للحصول على ما يحتاجونه، كما عاد بالمنفعة على الباعة من أهالي البلدة.
بلدة اشتقت من بين أغصانها أملاً للعيش بسلام ومن سواعد أبنائها قوة للصمود ومواجهة تحديات الحياة، فكانت تستحق أن تبرز بعمق تاريخها في كل الأرجاء.
فالسلام عليها.. وعلى جهادها وأبي جهادها.. وعلى كل حبة تراب فيها..
موقع صوت الفرح يتمنى للقرية الوادعة أياماً طيبة تماثل طيبة أهلها وروعة وجوههم.