اذا كان سجل السلطة اللبنانية والطبقة السياسية لا يحتاج الى مزيد من الاوصاف بعدما انفجر لبنان بأشد الازمات والكوارث التي تضربه منذ عامين بسبب رئيسي اول هو #الفساد، فان طابع المفاجأة ينتفي عن تفجر الفضائح تباعاً على أيدي هذه السلطة وهذه الطبقة. لذا لم يكن غريباً ان تصدق توقعات الكثيرين بان عمليات التلقيح ضد كورونا ستشوبها عيوب المحسوبيات وثغرات انعدام الشفافية خصوصا وسط الشح التي تتسم به عملية تسليم دفعات #اللقاحات أسبوعيا “بالقطارة” الامر الذي يفاقم احتمالات اختراق الالية التي وضعت بمراقبة #البنك الدولي بصفته الجهة الممولة للقاحات. غير ان ما لم يذهب كثيرون الى توقعه حصل امس في فضيحة مدوية لعلها الأسوأ اطلاقاً في ابراز صورة مهينة لدولة ”تهرب” اللقاحات من امام مواطنيها بطريق انتهاك الالية التي يفترض انها حاميتها والساهرة على تنفيذها، فاذا بالمفارقة الأشد سلبية على الاطلاق ان تتظهر امام الرأي العام الداخلي وعيون الجهات المالية والصحية الدولية صورة الخرق الأكبر للآلية في مجلس #النواب وقصر بعبدا! والانكى من ذلك ان الفضيحة انكشفت أولا لدى البنك الدولي نفسه الذي كان اول من تبلغ المعلومات عن تلقيح نحو 16 نائبا في مجلس النواب الذي ”استدعوا” اليه خلافا لكل معايير وإجراءات الآلية الرسمية ومن ثم تكشف الجزء الثاني عبر تسرب المعلومات عن عملية تلقيح جرت في قصر بعبدا، وشكلت فريقاً واسعا الى جانب رئيس الجمهورية وزوجته. اخطر ما أدى اليه انكشاف هذه الفضيحة انها هددت عمليات التلقيح بعد عشرة أيام فقط من انطلاقتها من خلال تهديد البنك الدولي بشكل جدي بوقف تمويل اللقاحات. واذا كان رئيس اللجنة الوطنية للقاح ضد كورونا الدكتور عبد الرحمن البزري أرجأ استقالته الى مساء اليوم راهنا موقفه بموقف توضيحي حاسم يفصل الأمور بدقائقها، فيمكن القول ان هذه الفضيحة جاءت “لتتوج” سمعة أسوأ سلطة بإحدى اخطر ما اقترفته الجهات المتورطة في فضيحة من شأنها ان تهدد بحرمان اللبنانيين او الكثيرين منهم من اللقاح وتفاقم كارثة الانتشار الوبائي الذي لا يزال على مستويات عالية جدا من الخطورة.
انكشاف الفضيحة بدأ مع تغريدة نشرها ممثل البنك الدولي في لبنان ساروج كومار، اشار فيها الى أنّ “بناءً على تأكيد الخروقات، البنك الدولي قد يجمّد تمويله لدعم اللقاحات في لبنان”. وناشد كومار “الجميع، بغض النظر عن منصبكم، التسجيل عبر المنصة وانتظار الدور”. وتبين ان هذا الموقف اعلن بعدما وصلت معلومات الى ممثل البنك الدولي ان 16 نائبا تلقوا اللقاح في مجلس النواب الى أربعة مديرين عامين خارج اطار الآلية المعتمدة. وعلى الفور اعلن الدكتور البزري نيته الاستقالة اعتراضا على تجاوز اللجنة، الا انه اعلن لاحقا في مؤتمر صحافي وبعدما زاره المدير العام لوزارة الصحة، انه “يدرس خيار استقالته من رئاسة اللجنة الوطنية للقاح كورونا على خلفية تلقيح عدد من النواب في المجلس من دون موافقة من اللجنة الوطنية”، وقال “ما حصل اليوم خرق لا يمكننا السكوت عنه وهو محاولة تمييز مجموعة من الناس نحترمها ونحترم دورها ولكن عندما نطلب من المواطنين النزول الى مراكز التطعيم فبالتالي لا يجوز التمييز ونستغرب ونستنكر ما حصل وهو دقّ اسفين في عمل الخطة الوطنية لأننا لا نميّز بين مواطن وآخر وما حصل غير مقبول ونحن كلجنة أبدينا اعتراضنا”، مضيفا “كنت أمام موقف حرج وردّ الفعل المنطقي كان الاستقالة ولكن هناك لجنة كان يجب أن أتواصل معها وكثر من أعضاء اللجنة أرادوا الاستقالة معي وأنا اعتبر ان الخلل يجب عدم السكوت عنه بل التصدي له ويجب صدور بيان توضيحي والوعد بعدم تكراره”. وأردف البزري: البنك الدولي يراقب وسجّل الخرق اليوم وهو بصدد اتخاذ اجراء تجاه هذا الخرق، وتمنى علي عدم الاستقالة وغدا (اليوم) يعقد اجتماع للجنة الساعة السادسة وسأضعها بتفاصيل ما جرى وسيكون للجنة مجتمعة التصرف واتخاذ قرارها”.
في المقابل برر الامين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر ما حصل بتأكيده أن “عدد النواب الذين تلقوا اللقاح 16 بوجود فريق من وزارة الصحة والصليب الاحمر”، لافتاً إلى أن “كل أسماء النواب الذين تلقوا اللقاح موجود على المنصة الرسمية وحسب الفئة العمرية، وحان دورهم. وهذا ما فعلناه باعتبار ان النواب هم الاكثر عملا في القوانين واجتماعاتهم دائمة، وخوفا من ان ينقلوا العدوى الى المجتمع اذا ما أصيبوا”.
وفي وقت لاحق كشفت معلومات ان فريقا كبيرا من موظفي القصر الجمهوري تلقى بدوره اللقاحات الى جانب الرئيس ميشال عون وزوجته. وعلى الأثر اصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيانا اكد فيه ان الرئيس عون وزوجته السيدة ناديا تلقيا اللقاح مع عشرة من أعضاء الفريق اللصيق والملازم للرئيس الذين سجلوا أسماءهم وفقا للأصول على المنصة الخاصة بالتلقيح.
وطالبت “القوات اللبنانية”، بكشف الجهة التي أصدرت الأمر باستقدام اللقاحات إلى المجلس النيابي واستطرادًا إلى القصر الجمهوري “وبفتح تحقيق شفاف وسريع لتحديد المسؤوليات في هذا الأمر، لأنّ النواب الذين تمّ الاتصال بهم لتلقي اللقاح كانوا قد تسجلوا قانونيًّا ورسميًّا على المنصة الرسميّة، واعتبروا أنّ دورهم قد جاء فعلا للتلقيح”. كما نشر رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميّل فيديو يروي فيه انه تلقى إتصالا من مجلس النواب، وطُلب منه “بطاقة هويته وبطاقة هوية عائلته من أجل التسجيل وأخذ اللقاح من ضمن الدفعة الاولى”. وأعلن أنه رفض وعائلته التسجيل لان الاولويات لا تنطبق عليهم لاخذ اللقاح وكشف انه “يتم الاتصال بكل النواب والوزراء الحاليين والسابقين من أجل التسجيل وأخذ اللقاح”.
مواقف من الحكومة
ومع ان هذه الفضيحة شغلت امس الرأي العام الداخلي فانها لم تحجب مواقف خارجية من الازمة الحكومية التي تراوح في دوامة التعطيل. وقد حذرت امس المفوضية الأوروبية من ”ان الوضع في لبنان يتدهور ويجب #تشكيل الحكومة من دون تأخير”. واشار الاتحاد الاوروبي الى “إجماع دولي حول استحالة دعم لبنان في غياب حكومة الإصلاح”.
واعلنت القائمة بأعمال مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية السيدة نجاة رشدي انها جددت خلال لقائها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اول من امس دعم الأمم المتحدة الطويل الأمد والمستمر للبنان، بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين وان الأمم المتحدة تأمل أن يعطي قادة لبنان الأولوية للمصلحة الوطنية اللبنانية وأن يتجاوزوا بسرعة خلافاتهم لتشكيل حكومة جديدة لمعالجة التحديات العديدة في البلاد وتلبية تطلعات الشعب اللبناني وتطبيق الإصلاحات اللازمة.
من جهته، التقى السفير السعودي وليد بخاري السفيرة الأميركيّة دوروثي شيا. واكد البخاري ”ان الموقف السعودي يشدد على التزام المملكة سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه وبشكل خاص ضرورة الإسراع بتأليف حكومة قادرة على تحقيق ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني”.