السبت, نوفمبر 23
Banner

العتمة قد تطول: عراقيل إضافية لمناقصات تأمين الفيول

خضر حسان – المدن

تغرق كل المناطق اللبنانية بتقنين كهربائي قاسٍ يصل إلى حد تأمين 4 ساعات كهرباء يومياً فقط. ولم تَسلَم بيروت الإدارية من تقنين يصل إلى نحو 12 ساعة بعد أن كانت تنعم بـ21 ساعة كهرباء. ويعود التقنين إلى شحّ في مادة الفيول أويل المستعمَلة في معامل الانتاج. ويأتي الشحّ بشكل أساسي، بفعل تأخّر فتح الاعتمادات المالية المطلوبة لاستيراد الفيول الذي كان يخضع في الأصل لمنطق الاحتكار واستفادة أطراف سياسية من العقود غير القانونية والمجحفة.

المعادلة المطروحة اليوم ليست طارئة بل متكرِّرة. وتعلم مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، بالاضافة إلى وزارة المالية، خباياها وتفاصيلها، ومع ذلك، يسلك التقنين مساره المعتاد. لكن ما يثير التساؤلات بوتيرة أكبر هذه المرّة، هو مدى إمكانية تأمين الاعتمادات الكافية لاستيراد الفيول وسط توسّع الأزمة النقدية، رغم إنجاز الخطوات الإدارية المطلوبة للاستيراد. فهل تُطفأ معامل الكهرباء أم يقتصر الأمر على فصل آخر من مسلسل تأخّر الفيول؟.

تأخير متعمَّد

أوضحت مؤسسة كهرباء لبنان يوم الخميس 25 شباط أن “عدم فتح الاعتمادات المستندية اللازمة وصعوبة إستكمال الإجراءات المصرفية وصدور موافقة الموردين لغاية تاريخه للتفريغ”، هي الأسباب الكامنة وراء التقنين الحالي. علماً أن الناقلتين البحريتين المحملتين بمادتي الفيول أويل (Grade A) و(Grade B) موجودتان قبالة الشاطئ اللبناني. ومع هذا الواقع، اضطرّت المؤسسة “منذ خمسة أشهر” إلى اتخاذ “الإجراءات الإحترازية اللازمة للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الاستقرار في التغذية بالتيار الكهربائي لأطول فترة ممكنة. علماً أن المؤسسة لا تزال تصرف لغاية تاريخه من الرصيد المتبقي من مساهمة الدولة في قانون الموازنة للعام 2020”.

يوم الجمعة 26 شباط، عمد وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني إلى التوقيع على فتح الاعتمادات لصالح مؤسسة كهرباء لبنان. ما يعني أنه من المتوقّع أن تتحسن التغذية تدريجياً، خاصة وأن المؤسسة تنتظر وصول “شحنة محملة بمادة الغاز أويل مساء السبت الواقع فيه 27/02/2021، بما سيساهم بتحسين إضافي للتغذية بالتيار الكهربائي في حال تمّ إستكمال الإجراءات المصرفية وصدور موافقة المورِّد لتفريغ حمولتها”.

حال الناقلتين وشحنتهما شهدته ناقلات كثيرة من قبل. فالعمل على الصدمة هو أسلوب عرفته ثلاثية كهرباء لبنان – الطاقة – المالية، من دون البحث في أساليب استباق الأزمة وتداركها عبر تسهيل تأمين الاعتمادات وتسهيل الاجراءات الإدارية الروتينية لتأمين الفيول وتجنّب التقنين. والصدمة بما هي انتظار الوقوع في الأزمة والتخبّط لحلّها، خطوة مقصودة لزيادة الضغط على قطاع الطاقة.

أسباب للعرقلة

الشحنة المنتظرة في الناقلتين ستتبعها شحنات إضافية بُعيدَ إجراء مناقصات تأمين الفيول في 19، 20 و21 نيسان المقبل. وبموجب المناقصة التي ستشهدها إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، سيتم تأمين الفيول لقطاع الكهرباء “لمدة عام. على أن تتبع ذلك مناقصات جديدة العام المقبل”، وفق ما تؤكده مصادر في إدارة المناقصات.

لكن إعلان نتائج كل مناقصة في اليوم عينه فور انتهائها، لا يعني بالضرورة تأمين الفيول في اليوم التالي، ولا يضمن عدم تعطيل نتائج المناقصات وعرقلة تأمين الفيول لأسباب شتّى، منها ما يتعلّق بالوضع المالي للدولة، أو ما يتعلّق بالمصالح السياسية لبعض الأطراف.

وتشير المصادر في حديث لـ”المدن”، إلى أن إدارة المناقصات “أمَّنَت البيئة القانونية التي كانت تفتقر إليها المناقصات السابقة. إلاّ أن تأمين الاعتمادات المالية للاستيراد، لا يقع على عاتق الإدارة. وكذلك لا يمكن للادارة ضمان ثقة المستثمرين الذين قد يتساءلون حول قدرة الدولة على دفع المستحقات. وهذه احتمالات مفتوحة في ظل الوضع الحالي”. ومع ذلك، تلفت المصادر النظر إلى أن “مواجهة الأزمة ببناء قانوني سليم، أفضل من مواجهتها ببناء قانوني هزيل أو مخالف”.

ما تطرحه المصادر يعني أن حل مشكلة الفيول آتٍ نظرياً في نيسان، إلاّ إذا فتحت بعض الجهات صواعق التفجير التي وضعتها على طول مسار المناقصات، عبر قرارات وكتب التهويل وتجهيل الحقائق وخلاصات الاستشارات الباطلة. فبعد أن عجز بعض وزراء الطاقة السابقين عن تفخيخ دفتر الشروط ببنود تخريبية، استحصلوا على رأي تشريعي من هيئة التشريع والاستشارات، يفيد بامكانية اجراء المناقصة في وزارة الطاقة. أي بجواز عدم إجرائها في إدارة المناقصات.

ومع أن وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، خالَفَ رأي الهيئة وأصر على اجراء المناقصة في إدارة المناقصات، إلا أنه لم يجرِ التراجع عن رأي الهيئة، ما يفتح المجال أمام الطعن بنتائج المناقصة استناداً إلى ذلك الرأي. وعلى سبيل المثال، يمكن لأي شركة خاسرة أو لم تُقبَل مشاركتها في المناقصة، ورغم كل الاجراءات القانونية، أن ترفع دعوى ابطال للمناقصة استناداً إلى رأي الهيئة ومطالعتها، فلا تُستَكمَل اجراءات المناقصة ولا يتم تلزيم الشركات الرابحة، ولا يجري توريد الفيول لتشغيل المعامل وتقليص ساعات التقنين.

ويأتي الاحتفاظ بهذا الرأي وغيره من القرارات والآراء الجانبية، ضمن عملية طويلة أُحبِطَت الكثير من بنودها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، محاولة إدراج بند في دفتر شروط المناقصة، ينص على “جواز التنازل عن العقد بموافقة وزارة الطاقة. أي إمكانية نسف المناقصة التي أجريت في إدارة المناقصات، والاحتكام إلى قرار لاحق لوزير الطاقة. وأيضاً، جرت محاولة لتلزيم المناقصات الثلاثة، لثلاثة شركات، على أن تُلَزَّم المناقصة الأولى للشركة صاحبة العرض الأقل، ثم الثانية لثاني أفضل عرض، والثالثة للعرض الثالث، وهو ما رفضته إدارة المناقصات، وجرى فتح المجال أمام عدد لا محدود للشركات، وافساح المجال أمامها للتقدّم لكل مناقصة على حدى. وهذا الخيار يستجلب العروض الأفضل من السوق ولا يحصر أي مناقصة بين عدد محدد من الشركات”.

المولّدات الخاصة حاضرة

سبعة نماذج لدفتر الشروط جرى بحثها. اعتُمِدَ النموذج السابع “مع انّه لا يُعبِّر عن دفتر الشروط الأمثل للمناقصات، لكنّه يحقق الجانب القانوني”. ومع ذلك، هناك خوف من عدم استيراد الفيول، وبأحسن الأحوال عدم استيراد الكميات الكافية.

وهنا، يتعاظم دور أصحاب المولّدات الخاصة، الحاضرين دوماً لسد فراغ الدولة بشروطهم وبأسعارهم الخاصة وبتقسيم مناطق نفوذهم في المدن والقرى والأحياء، إلى أن تعود المنظومة إلى رشدها، وهو أمر مستبعد حالياً.

والى حينه، يتكامل ارتفاع أسعار النفط عالمياً مع جشع أصحاب المولّدات، فترتفع الفاتورة على المواطنين. أما “السعر العادل” الذي تضعه وزارة الطاقة لكل شهر، فهو غير عادل واقعياً، خاصة وأن قيمة الليرة تتآكَل وتتراجع على عكس تصاعد تسعيرة المولّدات التي حددتها الوزارة لشهر شباط بـ730 ليرة عن كل كيلوواط ساعة.

Leave A Reply