ذوالفقار قبيسي – اللواء
أما أن يدفع مصرف لبنان عن الدولة فاتورة الشركة الأميركية PRIMESOUTH التي تدير محطتي دير عمار في الشمال والزهراني في الجنوب بطاقة انتاج ٩٠٠ ميغاوات تشكّل ٥٥% من الانتاج الكلي، أو تدخل البلاد مجددا في «عتمة» لا يعرف أحد مداها وطريقة الخروج منها.
ومن غرائب الأمور في دولة العجائب أن حكومة تصريف الأعمال التي انتقدت استخدام مصرف لبنان أموال الودائع لدفع المستحقات المتوجبة على الدولة على مدى أكثر من ربع قرن، تطلب الآن الى مصرف لبنان أن يدفع عنها من ما بقى من احتياطي الودائع، المستحقات المتأخّرة أو المقبلة، الى شركات التشغيل والصيانة والخدمات والتحصيل، ومنها أخيرا فواتير الشركة الأميركية المشغلة للمحطتين والبالغة نحو ١٠٠ مليون دولار عن مستحقات ٢٠٢٠ و٢٠٢١ من ضمنها إضافات تطلبها الشركة مقابل قبولها تجديد عقد التشغيل لسنة واحدة، تسعى الدولة خلالها الى حلول أو تجديد العقد ربما لسنة إضافية أو سنوات وبشروط جديدة. ومنها أيضاُ مستحقات الشركة المالكة للباخرتين في البحر وشركتي صيانة معمل الزوق في كسروان ومعمل الجية في الشوف والشركات التي تتولى تحصيل فواتير الاستهلاك وباقي الخدمات. والمشكلة ان الجزء الأكبر من هذه الالتزامات بالدولار الـFresh مضافا إليها فواتير استيرادات الفيول بالدولار «الطازج» نفسه، على مصرف لبنان أن يدفعها عن الدولة، مع علم الحكومة التام أنه لا يمكن دفعها إلا من ما تبقّى من احتياطيات عائدة لأموال المودعين تتناقص باستمرار في مواجهة متطلبات دعم السلع المعيشية والضرورية، المحاط مصيره حتى الآن بعلامات استفهام حول استمراره واحتمال إلغائه كليا أو جزئيا وترك المواطن الفقير أو المعدم تحت رحمة أكلاف معيشة تحلّق عاليا على جناح دولار يسرع الى ما يتجاوز الـ١٠ آلاف دولار نحو المزيد من النقد المتداول، وسط تحذيرات متواصلة حول مخاطر داهمة على الأمن الغذائي في غياب حكومة اصلاحات قادرة على الابحار بالسفينة الى بر الأمان.
وخلال هذا «الوقت الضائع» بانتظار اصلاحات لم تطل علامات ساعتها، طلب مصرف لبنان الى وزارتي الطاقة والمال وشركة الكهرباء تحضير كشف بكل العقود والمستحقات الحالية والمقبلة بالعملة الأجنبية للبحث في إمكانات دفعها سواء للشركة الأميركية التي ينتهي عقدها اليوم أو لشركة البواخر التركية التي ينتهي عقدها أيلول المقبل أو لشركات الصيانة وقطع الغيار والخدمات التي ينتهي عقدها نهاية هذا العام مع دولة كلما نفذ «بنزينها» لجأت الى رفع سعر البنزين والمازوت كما يحصل الآن وبالتدريج، أو الى زيادة الضرائب أو – وهذا هو الأسهل والأسرع – من احتياط ودائع لدى مصرف لبنان وكأنها رغم وصولها الى الخط الأحمر، وكأنها عل فانوس سحري لا ينطفيء «لبيك.. لبيك» في خدمة دولة أنفقت حوالي نصف الدين العام على قطاع تهدر كل يوم ٤٠% من طاقته الانتاجية و١٠% أموال تضيع دون تحصيل ونفقات إدارية وتقنية مضخمة وأعلى بالمقارنة مع المعدلات العالمية، يتحمّل أعباءها شعب يرزح تحت تقنين دائم وخوف متواصل من «تعتيم كلي» (عبر عن احتماله تقرير للبنك الدولي) في حالة طوارئ داهمة، ساعة بسبب تأجيل الدفع وساعة بسبب تأخّر وصول الفيول وساعات بسبب الأعطال التقنية أو الظروف المناخية في بلد هو الوحيد في العالم الذي يشكّل فيه انتاج المولدات الخاصة ثلث الانتاج العام للكهرباء، والبلد الوحيد في العالم الذي يدفع فيه مئات آلاف المواطنين أربع فواتير: اثنان عن الاستهلاك في المنزل لشركة المولدات ولشركة الكهرباء الحكومية، واثنان عن الاستهلاك في المكتب أو المحل لشركة الكهرباء الحكومية ولشركة المولد الكهربائي. وحسب تقرير لـ «رويترز» يوم كان الدولار بـ١٥٠0 ليرة، فإن من كان مدخوله الشهري قبل الأزمة مليون ليرة قد يدفع فواتير كهرباء منزله ومحله ربع هذا المدخول، ونصفه بمعدلات صرف الدولار الحالية وثلاثة أرباعه إذا ما زادت التعرفة «دولة السلحفاة» التي بعدما هدرت الجزء الأكبر من ٤٠ مليار دولار لم تستطع على مدى ٣٠ عاما تأمين ٨٥٠ ميغاوات إضافية، بينما مصر أنجزت خلال ٥ سنوات وبـ٨ مليارات يورو ضعف هذه الكمية (٤ محطات ١٦٤٠٠ ميغاوات)، والسودان خلال سنة واحدة محطة بـ٨٥٠ ميغاوات، وليبيا خلال ١٨ شهرا محطتين بـ١٤٤٠ ميغاوات بـ٧٠٠ مليون يورو. أقل من بدل استئجار باخرتين عن سنة واحدة في لبنان!!