يُفترض بعملية زيادة رساميل المصارف أن تشكّل خطوة عملية وأساسية نحو إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهي تفترض تحسين ظروف المصارف التي قد تنعكس على حقوق المودعين: حصولهم على ودائعهم التي تؤكّد المصارف وجودها، خلافاً للوقائع التي تدلّ على أنها تبخّرت.
ومع انتهاء شهر شباط الجاري، تنتهي المهلة التي أعطاها مصرف لبنان، حسب التعميم رقم 154. وعليه، يفترض بالمصارف التي تريد البقاء في السوق، أن تكون قد أنجزت عملية زيادة رساميلها وسيولتها لدى المصارف المراسلة. لكن هل يعني انتهاء المهلة، القفز فوق الأزمة التي تعيشها المصارف، ومعها أصحاب الودائع وباقي اللبنانيين؟
الروتين الإداري
يُخيَّل أن انتهاء المهلة سيتبعه إجراءات تنفيذية يقوم بها مصرف لبنان بحق المصارف غير الملتزمة. لكن مراقبة الواقع تدل على طول المسار غير المنفصل عمّا يدور في البلاد. فالقطاع المصرفي يؤثر بشكل كبير على الأوضاع النقدية، وعلى سعر صرف الدولار في السوق.
والاثنين1 آذار، هو يوم انطلاقة روتين إداري تقوم به لجنة الرقابة على المصارف، إذ ستلجأ إلى التدقيق في البيانات التي سترسلها المصارف قبل إرسال التقارير الى مصرف لبنان، ليتأكد من تنفيذ المصارف تعميمه، وأي المصارف لم تلتزم. وهذه العملية لا تنتهي خلال بضعة أيام.
ودخول الملف الى أروقة لجنة الرقابة، يعني أن لا تمديد للمهلة المعطاة لزيادة الرساميل. وهذا ما أكّده مصرف لبنان. إلا أن التدقيق وإعداد التقارير اللازمة يمنحان المصارف غير الملتزمة وقتأً مستقطعاً يمكِّنها من الاستمرار في ممارسة ضغوطها على مودعيها. على أن تتّفق جمعية المصارف مع مصرف لبنان على الإجراءات المستقبلية لاحقاً. وهي إجراءات لن تضرّ المصارف وإن لم تلتزم بزيادة رساميلها.
الأربعة الكبار
حتى اللحظة لا شيء مؤكد. تشير مصادر مصرفية في حديث لـ”المدن”، إلى أن “تقييم وضع المصارف الملتزمة وغير الملتزمة، ليس سهلاً، ويتطلب وقتاً. وليس هناك تحديد دقيق لعدد المصارف غير الملتزمة. لكن ما بات واضحاً هو تمكُّن بنك عودة وبلوم وبيبلوس وSGBL من زيادة رساميلها، خاصة وأن أصولاً خارجية قد بيعَت لصالح تأمين الرساميل”.
وتلفت المصادر النظر الى أن “الغموض الذي تعيشه البلاد انعكس على غموض أوضاع مصارف تُعتبر من المستوى المتوسط. وهذه قد لا تتمكّن من زيادة رساميلها، لكنها باقية في السوق إلى أجل غير مسمّى. فحتى دخول القطاع المصرفي في مرحلة إعادة الهيكلة رسمياً، قد لا تظهر خواتيمه قبل نحو 5 أشهر من انطلاقه. فاستحواذ بنك بيبلوس على بنك فرعون وشيحا، في العام 2016، استغرق نحو 4 أشهر، فكيف بعملية إعادة هيكلة قطاع كامل في ظل ظروف غير مستقرة؟!”.
أقرب الاحتمالات العملية هو استمرار المصارف بعملية إجراء هيكلة ذاتية “مبنية على خطة داخلية لضمان استمرارها، لأنها لا تعرف ما يحصل مستقبلاً. فالأولوية اليوم لتقليص عدد الفروع والموظفين والخدمات المصرفية، سواء خدمات البطاقات أو القروض والتقديمات. وأفضل ما يمكن للمصارف فعله لعملائها هو الموافقة على رفع سقوف السحوبات وسعر الصرف. ومن المستحيل الابقاء على سعر الصرف 3900 ليرة، فيما سعر صرف الدولار في السوق يلامس 10 آلاف. وهذه الإجراءات ستكون بمثابة المورفين الذي يهدِّىء الناس، لكنها لا تحل الأزمة”.
ولا تثق المصارف بما تبقّى من شكل نظري للدولة ودورها، خصوصاً على الصعيد المالي والنقدي. لذلك، ليس لدى المصارف ما تستند إليه في عملية إعادة هيكلة القطاع. أما الالتزام بزيادة الرساميل، الذي تنجو منها كبرى المصارف، فهو بدوره “تقطيع وقت” إلى حين بروز حل متكامل للبلد وليس للقطاع المصرفي فحسب. ما يعني أن أموال المودعين ستبقى في مهبّ الخسارة ولن تشفع لها إعادة الرسملة أو الهيكلة.
المدن