محمود وهبة
الحواسُّ تنفلشُ من يدي تخرجُ على الطاعة. قليلٌ من البؤس وحفلةُ شواءٍ في الخارج.
تهمسُ اللقيطةُ في أذني: خُذِ الحقيبةَ؛ خُذ الألمَ وصغْهُ، دَعهُ ينتشر في الزّاوية وقربَ الممرّ السّفليّ.
▪▪▪
للذكرى حبالٌ وضجيجٌ وأعداء، للذكرى ضحايا… كنتُ ضحيّتها الأولى.
للذّكرى يدٌ وأصابع. للذكرى طرقٌ شتى. للذكرى هذه الفاجعة التي تركتَها في بيروت. للذكرى كلامٌ وصمتْ.
▪▪▪
أحاذرُ الدّخول إلى الغرفة. أتركُ للعَرقِ حريّتَه في أنْ يتصبّبَ من الداخل.
▪▪▪
أزِحْ هذا الخدرَ، ارْمِ به جانباً. قد أرجوكَ أنْ تغتسلَ بدموعنا. لو شئتَ يمكنكَ أن تحملَ حقيبتكَ وتمشي.
أعلمُ أنّ دموعنا ثقيلةٌ عليكَ، هي مجرّدُ عزاء. الدّموعُ رصيدُنا نحنُ الضعفاء. نحنُ الذين لا نملكُ شيئاً.
▪▪▪
التذاكرُ وبطاقات التعزيّة مرميّة على المكتبة في منزلك؛ والحجارةُ ما زالت على حالِها؛ دعني أخبركَ الآن أنّها حالتي. حالةٌ مركبةٌ قلّما تكون؛ مركبةٌ وشجاعة كخيطِ إبرة.
▪▪▪
العبَثُ أنيسي هذه الليلة، أحمِلهُ على محمل الجدّ وأوضّبُ له الأغراض والمُتَع. أُدركُ الآن ماذا يفعلُ القلقُ بنا كلّ مساء.
▪▪▪
تمشي المُدُنُ على رؤوس أصابعها مخافةَ الموت. تعودُ الفتيات أوّل اللّيل مخافة السُّمعة. تُخفي المومسُ صدرَها مخافةَ الأدب. تترنّحُ الكأسُ في اليد مخافةَ السّقوط.
▪▪▪
نُصادِقُ الأسئلةَ رغمَ أنّها موجعة. نُصادقُ الكذِبَ رغمَ معرفتنا بحبلهِ القصير. نُصادقُ قارئاً حصيفاً رغمَ بلاهته. نُصادقُ أنفُسَنا رغمَ زلّاتِها مُرغَمين.
▪▪▪
لنُفكّر الآن بأشياء بسيطة، بالكذب والنميمة وأكلِ الأظافر، بألمِ المعدة وتمزّقِ غشاء البكارة. بالفُرَصِ تمرُّ مرّ السّحاب، وبالمسافاتِ نقطعُها بسرعةٍ هائمين. عزيزي، لنفكّر بسهولة ولِنَدَعِ الحياة تحدُثْ.
▪▪▪
أيّها اللّقيطُ اخْلد إلى النّوم؛ اخرُج من اللّوحة؛ اعبرِ الآنَ هذا الفضاء.
▪▪▪
قلتَ مرّةً في رثاءِ صديقكَ: كأنّني شممتُ رائحتكَ أو بعتُها للحلّاق، كأنني تبعتُكَ واندثرتْ. تجمّعنا البارحة وكان كلامٌ كثير، عنكَ وعن راحلينَ كُثر.
هل كنتَ صادقاً حينها؟
▪▪▪
أشياءُ كانت للقضم، للتلفِ أيضاً. تفرغُ في الزحمة وتُصدِرُ أنيناً.
ربّما هذه الأشياء، عادَتْ إليها الحياة.
▪▪▪
يضعُ المتردّدُ رِجلاً على الطّاولة، ثم يسحبُها. يضعُ المُتردّدُ رِجلاً على رِجل، ثُمّ يُنزلُها.
يضعُ المُتردّدُ قلقهُ في إناء ثمّ يكرَعُهُ.
باختصار، هكذا هي الحال.
▪▪▪
وحيداً أتنزّهُ على الكورنيش. الظّلُّ الّذي أجرّهُ خلفي يُمازحُني:
لستَ وحدَكَ أيّها المرميُّ على عاتقي.
▪▪▪
نضعُ للوقت ملاقطَ غسيل كي يثبتَ ولا ينسحب. الوقتُ دائماً بين هزّتين.
أولى وأخيرة، وكلاهُما لا أحد.
▪▪▪
الكحلُ في العين يذكّرُني بالبادية، الفحمُ أسودٌ ولاذعْ. إنّهُ أليف.
الفحمُ لرسمِ الوجوه وتكسيرِ القبَضات وابتلاعِ الحنجرة.
▪▪▪
قلبُكِ ليسَ هنا. متروكٌ في قارورةٍ على منضدة. ينسحبُ مثلَ ابتسامةٍ على وجهي.
قلبُكِ كلمة.
▪▪▪
أخطأتُ في العنوان. هذه المدينة طازجة. ثمّة خللٌ في الدّماغ. خطأ في تركيبِ المواد العضويّة.
فعلاً إنها طازجة وموضّبة على الرّف.
▪▪▪
هل تكتبُ قصيدةً كلّ يوم؟
هل تفكّرُ بالقصيدة كواجبٍ مدرسيّ؟
* شاعر من لبنان
المصدر: العربي الجديد