«المضاربات السياسية» تدخل على خط الاحتجاجات…والدولار لم يتزحزح عن الـ «10 آلاف»
يبقى لبنان على صفيح ساخن في ظل انسداد افاق الحلول السياسية وفشل كل المبادرات والمحاولات لتشكيل الحكومة الجديدة، اضافة الى حالة الفلتان المالي والنقدي التي ادت وتؤدي الى مزيد من انهيار الليرة ووصول الدولار الى سقف العشرة الاف ليرة.
فالثورة على الدولار تراجعت نسبيا بعد دخول «المضاربات السياسية» على خط الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت اول امس في مختلف المناطق اللبنانية، وتحولت امس الى تحركات متفرقة بمشاركة شعبية محدودة .
وغداة ما جرى طالب رئيس الجمهورية حاكم مصرف رياض سلامة معرفة اسباب ارتفاع سعر الدولار لا سيما في الايام الماضية واطلاع اللبنانيين تأمينا للشفافية نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق الخاصة.
كما طالبه، وفق بيان صدر عن الرئاسة،باحالة نتائج التحقيق الى النيابة العامة ليصار الى ملاحقة المتورطين في حال ثبت وجود عمليات مضاربة غير مشروعة على العملة من جانب افراد او مؤسسات او مصارف.
وسأل الرئيس عون سلامة «عما آلت اليه تنفيذ التعميم ١٥٤ الصادر عنه للمصارف وعما اذا كان تطبيقه موجبا لاستعادة جزء من الاموال المحولة سابقا الى الخارج من جانب كبار مساهمي المصارف وكبار مدرائها والسياسيين والعاملين في القطاع العام وعن الحجم الحقيقي للاموال التي جرى استعادتها».
كما سأل عن مسار التدقيق الجنائي بعدما ابلغت شركة الفاريز ومرسال وزارة المال انها لم تحصل بواسطتها على اجوبة شافية للاسئلة التي سبق وطرحتها على مصرف لبنان كشرط مسبق لتمكينها من القيام بمهامها. واكد على وجوب اجراء التدقيق بعد زوال كل الاسباب التي أخرته.
وشدد عون على» ان الهم الاساسي يبقى لاستعادة اموال المودعين وحقوق الناس التي لا يجوز اضاعتها لا عن طريق المضاربات غير المشروعة ولا عن طريق التحويلات المشبوهة الى الخارج.»
وتوقفت مصادر معارضة عند بيان رئاسة الجمهورية مشيرة الى ان طلب التحقيق في اسباب ارتفاع الدولار والمضاربات غير المشروعة امر مطلوب، لكنها اشارت الى ان هناك اسبابا اخرى لانهيار الليرة منها االاقتصادية ومنها السياسية، ملاحظة ان بيان بعبدا تجاهل الازمة الحكومية التي تعتبر ايضا من ابرز اسباب استمرار التدهور النقدي والاقتصادي في البلاد.
وفي السياق نفسه قال مصدر سياسي بارز امس للديار ان صرخة الناس مشروعة في ظل الانهيار الحاصل على كل المستويات، لافتا الى ان انهيار الليرة يعود لاسباب بنيوية نتيجة الازمة الاقتصادية والسياسية ولاسباب اخرى منها ما هو مفتعل او ناجم عن اللعب في السوق والمضاربات المالية.
واضاف ان عدم تشكيل الحكومة حتى الان ساهم و يساهم في التردي الحاصل على غير صعيد ومنها التردي المالي والمعيشي. كما انه لا يمكن اعفاء مصارف ومؤسسات من مسؤولية ما يحصل خصوصا في الآونة الاخيرة بعد تعميم مصرف لبنان رقم ١٥٤ لرفع رساميلها، اضافة الى المضاربات الجارية في ظل فلتان لم نشهده من قبل، والى عوامل اخرى تتعلق بشراء التجار للدولار مع تخفيف الدعم للعديد من المواد.
من جهتها بادرت جمعية المصارف امس الى الدفاع عن نفسها ونفت في بيان مطول اي دور لها في ارتفاع الدولار، موضحة» ان متطلبات السيولة في الخارج وفق التعميم ١٥٤ تتعدى ٣,٤ مليار دولار فهل يعقل ان تجتذبها المصارف من السوق السوداء المحلية التي لا تتجاوز بعض الملايين من الدولارات؟
واعتبرت ان اسباب ارتفاع الدولار تعود للضبابية السياسية وغياب جهد جدي لتاليف الحكومة، وللاستيراد غير المدعوم من مصرف لبنان، ولشح الدولار في السوق المحلية، وللتداول الناشط بصورة غير مشروعة بالدولار، ولارتفاع حجم النقد المتداول بالليرة.
جمود حكومي
وعلى صعيد الملف الحكومي قال مرجع مطلع لـ» الديار» امس ان الجمود ما يزال مسيطرا وان كلا من الرئيسين عون والحريري باق على موقفه ولم يبد اي منهما اية مرونة او استعداد لتغيير موقفه.
ولفت الى ان هناك بعض الافكار جرى تداولها مؤخرا بهدف حلحلة الامور واعادة حركة المساعي لكسر الجمود الحاصل لكنها تصطدم بتصلب بعبدا وبيت الوسط.
ونقلت مصادر مطلعة عن الرئيس نبيه بري «ان اليد الواحدة لا تصفق»، وانه حاول مؤخرا كما هو معلوم الدفع باتجاه تسريع تشكيل الحكومة من خلال المبادرة التي طرحها لكنها لم تنجح.
واضافت المصادر انه لم يخف استياءه الشديد من استمرار الازمة الحكومية ومن الوضع السيء والمتردي وانعكاساته على اللبنانيين.
وفي بعبدا جددت المصادر القول ان الرئيس عون كان واضحا مع الرئيس الحريري في كل اللقاءات التي عقدها معه، لافتة ان الرئيس المكلف لم يطرح اي شيء بعد الملاحظات التي ابداها رئيس الجمهورية والتي تستند الى الدستور واصول تشكيل الحكومة.
وردا على هذا الكلام ومواقف التيار الوطني الحر وبياناته الاخيرة قال مصدر نيابي في كتلة المستقبل للديار امس ان مسؤولية الجمود الحاصل تقع على عاتق الرئيس عون وصهره باسيل، وان ما صدر عن التيار وكتلته النيابية هو لذرّ الرماد في العيون، فالرئيس الحريري قام بمسؤولياته وواجبه وقدم تشكيلة حكومية كاملة منذ اكثر من شهرين ونصف وعقد بعدها ٣ لقاءات مع رئيس الجمهورية مبديا كل استعداد لمناقشة اي تغيير في الاسماء او الحقائب لكن من دون جدوى، حيث يصر الرئيس عون على الثلث المعطل من خلال تسمية ٦ وزراء مسيحيين بالاضافة الى الوزير الارمني .
واضاف إن رئيس الجمهورية لم يطرح اي شيء جديد، لا بل ان صهره يمارس دور التعطيل من خلال الشروط والمطالب التي يطلع بها كل فترة لعرقلة تشكيل الحكومة.
ولا يبدو ان هناك بوادر لحلحلة قريبة في غياب اي مسعى جديد للحل، مع العلم ان الرئيس الحريري غادر امس الى الامارات العربية المتحدة في زيارة هي الثانية بعد جولته الاخيرة على الدوحة وابو ظبي، ويعتزم ايضا القيام بجولة اوروبية يرجح ان تشمل روسيا والمانيا وربما بريطانيا.
تحرك السفيرة الفرنسية
من جهة اخرى قالت مصادر مطلعة للديار امس ان تحرك السفيرة الفرنسية آن غريو الاخير يندرج في اطار استطلاعها لمواقف المسؤولين وبعض الاطراف السياسية حول المستجدات المتعلقة بموضوع الحكومة والوضع بصورة عامة.
واضافت ان غريو اكدت للمسؤولين اللبنانيين ان المبادرة الفرنسية لا زالت على الطاولة، وان القيادة الفرنسية عازمة على متابعتها في اطار رغبتها بمساعدة لبنان والشعب اللبناني للخروج من الازمة الصعبة التي يمر بها. واشارت الى انها مهتمة ايضا في متابعة البحث مع المسؤولين اللبنانيين في امور مستقبلية تتعلق بالوضع في لبنان على الصعيد الاقتصادي واعادة بناء ما هدمه انفجار مرفأ بيروت.
وقالت المصادر ان غريو ليست مكلفة بالادارة اليومية للمبادرة الفرنسية لان هناك فريقا فرنسيا خاصا مكلف بهذه المهمة وبمتابعة الاتصالات مع بيروت، لكنها معنية برفع تقارير الى الادارة في باريس حول المستجدات في لبنان لا سيما على صعيد الحكومة، وانها حرصت على ابلاغ المسؤولين اللبنانيين ان فرنسا تتابع عن كثب تفاصيل التطورات في لبنان ومسار عملية تاليف الحكومة، لكنها لم تطرح افكارا او مقترحات جديدة في هذا الشأن.
الاحتجاجات ونفي القوات
على صعيد آخر تراجعت امس حركة الاحتجاجات الشعبية التي كانت اندلعت بشدة اول امس بعد وصول سعر الدولار الى ١٠ الاف ليرة. وشهدت مناطق متعددة احتجاجات متفرقة وقطع طرق بمشاركة شعبية محدودة .
وبعد المعلومات عن قيادة القوات اللبنانية للتحرك في مناطق عديدة في المتن وكسروان نفى رئيس حزب القوات سمير جعجع في حديث اذاعي هذه الاتهامات وقال «ان الاتهامات للقوات اللبنانية بانها وراء تحريك الشارع لا تمت للحقيقة بصلة»، لكنه لم ينف مشاركة قواتيين بالاحتجاجات فهم جرء من المجتمع.
وقال ان الجزء الاكبر من الحراك كان ردة فعل طبيعية على تدهور الاوضاع المعيشية، مضيفا «ان اي حراك في العالم قد يضم من يحاول استغلاله،لكن ما حصل امس (اول امس) هو فورة غضب اعتراض على ما وصلت اليه الاوضاع».