من حيث المبدأ يختار الراغب في شراء بوليصة تأمين تسديد قيمة القسط بالدولار أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي، والذي كان الأسبوع الماضي لا يزال مثبتاً على 1515 ليرة لدى المستشفيات وشركات التأمين. لكن بين ليلة وضحاها ولّت هذه القاعدة الخاصة وحلّت مكانها تسعيرة المنصّة، ولو بطريقة غير قانونية وبمبادرة فردية، بدأت مع المستشفيات ولحقتها شركات التأمين.
مع وصول سعر صرف الدولار في السوق السوداء الى الـ 10 آلاف ليرة والرقم الى ارتفاع مع انسداد الأفق حول تشكيل حكومة فاعلة تنشلنا من قعر الهاوية، ها هي المستشفيات التي لطالما أنّت وتئن من ارتفاع سعر الصرف، تخطو خطوتها التي توعّدت بها وهي رفع قسم كبير منها تكلفتها أو بالأحرى تسعيرة الدولار من السعر الرسمي الى تسعيرة المنصّة الإلكترونية وهي 3900 ليرة كحد أقصى. وكأن القطاعات الخاصة تصحّح نفسها بنفسها. هذا الأمر الذي استدعى من غالبية شركات التأمين وخصوصاً تلك التي توفّر التغطية الإستشفائية للنقابات مثل المهندسين والأطباء وغيرها، والتي تستحقّ بدءاً من الشهر الجاري… الى رفع “دولارها التأميني” الى 3900 ليرة وذلك شرط الحصول على رضى المضمون كما تقول، نظراً الى عدم قانونية اعتماد ذلك كقاعدة عامة. هذا اذا قبلت استيفاء الأقساط بالعملة المحليّة.
فبعض الشركات مثل الـ”ميدغلف” على سبيل المثال لا الحصر، والتي لم نتمكن من التواصل معها بسبب انشغال خطّها، توقّفت عن استيفاء الأقساط بالعملة الوطنية كما ابلغت زبائنها، حتى على سعر المنصّة، ورفعت قيمة الإقساط بنسبة 5% عن العام الماضي، فهي لم تعد تقبل سوى الدولار الأميركي نقداً أو شيكاً، كون المستشفيات ترضى بتقاضي شيكات من شركات التأمين. هذا الأمر سيدفع بعض المضمونين الذين ليس لديهم حسابات مصرفية بالدولار الى تغيير وجهتهم نحو شركات لديها خيار الإستيفاء بالليرة اللبنانية او الشيك، أو تتجّه نحو صناديق التعاضد التي تعتبر الأرخص.
البوالص محدّدة بالدولار
“فأقساط بوالص التأمين هي أصلاً محدّدة بالدولار الأميركي”، يقول رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان إيلي طربيه لـ”نداء الوطن”، “باعتبار أن المادة 10 من قانون حماية المستهلك سمحت لشركات التأمين والمصارف العمل بالعملة المناسبة للبوليصة، أي بالليرة أو بالدولار او أي عملة أخرى، الأمر المتبّع منذ سنوات طوال”. ويضيف: “إنما الأمر غير المسموح هو أن تتقاضى الدولار على اساس الـ3900 ليرة الا إذا تمّ الإتفاق بين الزبون وشركة التأمين إستثنائياً على ذلك، واذا لم يحصل الإتفاق ولم يستطع الزبون التسديد على سعر صرف المنصّة وأصرّ على الدفع على سعر الصرف الرسمي أي 1515 ليرة، عندها يتمّ رفع سعر قسط بوليصة الإستشفاء بالدولار تناسباً مع تسعيرة الـ3900 ليرة لتعادل التسعيرة المطلوبة”.
ولفت طربيه الى أن “بعض المستشفيات بدأ باعتماد تسعيرة المنصة في احتساب سعر الدولار، وشركات التأمين تلحق بالمستشفيات لذلك رفعت سعر الصرف”. مشيراً الى أن “وقع هذا التدبير على المضمونين سيكون كبيراً”.
أما بالنسبة الى فرع السيارات فإن بوالص التأمين الإلزامي ستتأثّر طبعاً بارتفاع التكلفة الإستشفائية وسترتفع تسعيرتها كونها تطاول الأضرار الجسدية والتي تتطلب مستلزمات طبية تسعّر على الـ8000 ليرة للدولار الواحد وليس حتى على الـ3900 ليرة، كون دعم مصرف لبنان محدوداً لها”.
حتى أن الأطباء في المستشفيات الذين يقومون بعمليات جراحية ويكشفون على المرضى، طالبوا أن تكون أتعابهم بالطريقة نفسها، ويقول طربيه: “إرضاؤهم بات ضرورة للحدّ من الاعداد المغادرة الى الخارج بسبب تدني العملة الوطنية ومعها رواتبهم، والمستشفيات تريد المحافظة على الكادر الطبّي الموجود لديها”. وهنا يلفت الى أن “ضغط زيادة التسعيرات نفسه يمارس على وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وصناديق التعاضد، وباقي الهيئات الضامنة مثل تعاونيات موظفي الدولة والصناديق”.
وحول رفع قيمة أقساط البوالص السنوية بالدولار، يوضح طربيه أنه “نادراً ما تُقدم شركات التأمين على هذا الأمر، الا اذا زادت المستشفيات التسعيرة فوق الـ3900 ليرة، أو اذا بينت الحسابات أنه توجد خسارة خلال العامين الماضيين وإنما هذه الخطوة تأتي في نهاية العام 2021”.
ويتابع: “هنا نشير الى أن تعرفات معيدي التأمين التي ترتفع تفرض علينا زيادة بنسبة تتراوح بين 2 و5% على مرحلتين، من هنا ترفع شركة التأمين تسعيرة القسط كل عامين مرة أو كل 3 سنوات لتغطية التضخم في البلد، ورغم ذلك فرع الإستشفاء يتكبّد خسائر لناحية التأمينات”.
المستشفيات: نص بالليرة ونصّ بالدولار
أما في ما يتعلق بسعر الصرف المعتمد لدى المستشفيات، أكّد رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ”نداء الوطن”، أن “التسعيرة بين المستشفيات وشركات التأمين يتمّ التداول بها بالدولار الأميركي، وشركات التأمين كانت تسدّد قيمة التغطية للمضمونين على أساس سعر صرف 1515 ليرة للدولار، على أن يتمّ دفع قسم من المبلغ المتوّجب بالدولار عن طريق الشيك وقسم بالليرة اللبنانية، بعد التوافق بين كل مستشفى وشركة تأمين بعيداً من نقابة المستشفيات”. مشيراً الى أن “غالبية المستشفيات تتقاضى وفق تسعيرة الـ 1515 ليرة إلا أن البعض يطالب بتعديل الجزء الذي يسدّد بالليرة اللبنانية الى 2500 ليرة، فيما بعض المستشفيات يطالب بتسعيرة الـ4000 ليرة”.
اذاً شركات التأمين حسمت أمرها ورفعت سعر صرف الدولار على المؤمّنين الى سعر المنصّة متحصّنة بعبارة بعد التوافق مع المؤمّن المغلوب على أمره، في حين تتأرجح تسعيرات المستشفيات لسعر الدولار بين الـ1515 ليرة للبعض و 2500 ليرة للبعض الآخر و3900 ليرة لآخرين.
فالمستشفيات والتي لطالما حملت راية المطالبة بتسديد الدولة لمستحقاتها وانها غير قادرة على الإستمرار بدأت “تأخذ الثأر بيدها”، علماً أنها تكبّد المريض فروقات سعر صرف الدولار أو تطالب بـdeposits لاقتطاع فروقات بحجة أن الجهات الضامنة لا تغطّيها.
هذا التدبير من قبل المستشفيات وشركات التأمين والذي خرق علناً التسعيرة الرسمية باعترافهما، بغض النظر عما اذا كان محقاً ام لا، فإنه يدلّ على بدء فوضى القطاعات الخاصة التي لا تجد سبيلاً سوى بأخذ حقّها بيدها ولو خارج القانون للتتمكن من الإستمرار، في حين ينام المسؤولون “قريري العيون” غير آبهين بإنقاذ لبنان واقتصاده وشعبه طالما ان أموالهم هي خارج البلاد وفي الحفظ والصون.