الجمعة, نوفمبر 22
Banner

ريثما يُلمّع المارد حنجرته

إلى فادي أبو خليل

كأنْ تقولَ إنّكَ جبلتَ جبلتكَ

من طين وجدتَه مرميّاً في الحديقة

ونفختَ فيه

فكنتَ أنتَ.

وإنّكَ تمشي

وتأكل

وتتكلّم

وتنظّفُ طينكَ الجديدَ بالماء

فتذوبُ منكَ قطعٌ لا تحتاجها

وتضحكُ لأنّكَ تذوي بين يديك

وإنّكَ من التراب وإليه تعودْ

ولا شيء آخر

لا شيء آخر

■ ■ ■

الذئب يدلّ القصيدة على طريقٍ قصيرة

في الصّباح،

أقصدُ في المساء،

حينَ تكونُ السّماءُ ملوّنة،

عند المغيب

لا

لا

أقصدُ عند الفجر

النجوم تتلألأ، وتتلألأ

حين ترمي صنّارتك من فوق الرصيف

بينما الآخرون يتأهّبون لضفّة لم تصلْ بعد

– لا أريد أن أعطي انطباعاً بأنّني مادي –

لكنْ هل هذه هي الطريق لإكمال القصيدة؟

■ ■ ■

الوحي يصادفُ ليلى في طريقها إلى منزل جدّتها

في مثلِ هذا الوقت

يا لنباهتكِ

يا لأبّهتكِ

أيّتها التي لا تعرف شيئاً

وتعرفُ أنّها لا تعرف شيئاً

وتحبُّ أنّها لا تعرف شيئاً.

■ ■ ■

تفاحة نيوتن لا تنسى

على سبيلِ المثال

قصيدةُ

“منتصف ليل الملاك التائه” من ديوان “تفاحة نيوتن”

كيف مرّت؟

كان من المفترض ألّا تمرّ.

■ ■ ■

عصبٌ لا ينتهي

هل رأيتِ بعْدُ أجمل

من المشي على رصيف مار مخايل في الّليل؟

لا أعتقد

الأنوارُ والأشجارُ المشذّبة كمغنّيات الرّاب

والرطوبة الّتي في الهواء

وأنفاسُكِ تتقدّمُ وتتراجعُ قرب خدّي

بينما تفكّرين بالمستقبل

وبالأولاد الذين سنجرّهم يوماً في طريقنا إلى حانةٍ

أو مزرعةٍ بعيدة في الجبال.

■ ■ ■

أوكسجين وحياة

كما مرَرْتِ في المرّة الأولى

مرّي الآن

لا تصغي لتهدّل عضلاتك بعد كلّ هذه الشفقة

الشيوعيّون آبوا إلى قنوات الحيوانات في الفضائيات

القوميّون يلحسون قوائم الأعمدة القديمة

والمقتولون يُجرجرون عظام جثثهم إلى ما بعد القبر

كما حزنكِ في المرة الأولى

فليكنْ حزنُك هذه المرة

السنوات القادمة كثيرة

والنبيذ لن ينضب

وهذا رقصك ما زال في أبّهته

وهاتان اليدان سوف تتفرّسان بالأصابع بعد

وهذا الأنف لن يتوقّف عن التنفس

مرّري يديك فوق ظهري كما قبل

أروي الحكاية كما رويتها قبل

بالبسمة نفسها والخيال نفسه

ذاك الخريف الذي مضى سيصل غيره

لا تحزني

ثمّ مَن قال إن الحياة وقتٌ؟

الوقت يمرّ بجانب الحياة ثم ينقضّ عليها

الحياة أوكسجينٌ واستغراب

بعدَ كأسين من النبيذ يخرج الكلام لطيفاً

بعد أربع يخرج غاضباً

وما السوء في الأمر؟

كوني كما كنتِ في المرة الأولى

حزنٌ يداعب عينيك

أسود شعرك منسدل كفكرة

أظافرك جاهزة للقتل

جسدك كلّه يؤجّل الاندفاع

فحتّى الأرض ستصبح مسطّحة

وقصص الأطفال ستُخَبّأ في جوارير لأطفال العصور القادمة

لا يفهمون سوى

فقدانهم لهذا العصب الذي لا ينتهي

مهما استشرستِ في سحبه.

■ ■ ■

فوق سجادة حمراء على أرض المطار

لن ترى شرطياً في المكان

جميعُهم في حفل الاستقبال

يرفعونَ سيوفَهم إلى الأعلى ريثما يُلمِّعُ الماردُ حنجرته

وجوههم إلى الأعلى

جباههم إلى الأعلى.

لن ترى شرطيّاً في الحديقة

جميعُهم جرعوا عصير الكآبة ومضوا

لسانُ الماردِ يلحسُ ما علِقَ على شفاههم

اذهبْ في الطُّرق

اقفزْ فوق العشب

نلْ نصيبكَ من الحيلة

لن ترى شرطيّاً في هذا اليوم

جميعُهم ينظرونَ إلى سماء لا تُخفيها هامةُ المارد.

■ ■ ■

Homeless

حينما أفكّرُ أنّني لم أعدْ نافعاً لشيء

وأننّي مدمنُ الوقتِ الذي أضعتهُ للتسرية عن روحي

وإقناعها بأنّ كلّ شيء على ما يرام.

عندما أفكّر بأنّني خردة

لا يسرحُ فكري أبعد

من ساحة السيّارات الميتة.

■ ■ ■

غفران

عندما أنظرُ أبعدَ ممّا تسمحُ لي عيناي

أنتظرُ مسامحتهُما

فما الذي سأراه

ولِمَ ترياه؟

■ ■ ■

أقارب عقارب

سيقولُ الأقارب

إنّ العقارب بثّت سُمَّها فيكِ

سيقولُ الأصدقاء إنّ هذا ما تستحقينه

وحدهُ التنّينُ الذي يلوكُكِ سيشعرُ بالندم

لأنّ في دمكِ يجري دمُه

ولأنّه يأكلُ أحدَ أولاده

الذين ربّاهم بزفير ناره.

■ ■ ■

هيستيريا

هل رأيتِ التفاحة؟

قالوا إنّه طلبَ أكْلَها

قسّموها فوق رأسه…

بدّل الحطب بالحديد

كرهتْهُ أشجار الغابة

حمل القرية البعيدة في كيس

ورماها في النهر.

هستر

حين غاب الكيس في لجّة الماء…

هشّ الذئاب

سماؤه أيقوناتٌ ساطعة بالذهب

احتضارٌ مصاب بالصرع

أرسل الشمس بمرآته نحو الجبال… لا جواب

رمى أصابعه في عشرة اتجاهات الدائرة

لا جواب… سوى تهدّل الأيدي

لا يريد أن يصدّق وحدته

في معسكر سهام تفّاح الرؤوس.

■ ■ ■

في القرى

عندما أغلقوا الأبواب

بأطراف أصابعهم

طارت رفوفُ الملائكة عن الأكتاف

في نومهم

عيونٌ صغيرة تحرسُ ثقوب الأبواب.

* شاعر وصحافي لبناني من مواليد 1977. صدر له في الشعر: “تفاحة نيوتن” (2003)، “اقتلْ رجلاً ارفع جمجمته عالياً” (2009)، “سيرة عاطفية لرجل آلي” (2011). وله في النثر: “لماذا تركتني وحيداً في الثورة؟” (2017 ). القصائد المنشورة هنا من مجموعته الصادرة حديثاً بعنوان “كتاب السّخرية والضجر” عن “الهيئة المصرية العامة للكتاب”.

المصدر: العربي الجديد

Leave A Reply