ذوالفقار قبيسي – اللواء
أين تلك الأيام من اليوم؟
عشرون عاما مضت على مؤتمر باريس١ الذي عقد في نهاية شباط ٢٠٠١ وتبعه مؤتمرا باريس ٢ و٣ وأهميتها جميعا انه في وقت يخاطب صندوق النقد الدولي لبنان الآن بخطاب فوقي رافضا أي مفاوضات من أي نوع وعلى أي مستوى إلا بعد إنجاز مسلسل معقّد الحلقات من إصلاحات اقتصادية ونقدية ومصرفية ومالية وإدارية و… سياسية، كانت الصورة مختلفة تماما قبل ٢٠ عاما في مؤتمرات باريس الثلاثة لا سيما باريس٢ الذي ضمّ الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رؤساء وزراء أوروبيون، ورؤساء اللجنة الأوروبية والبنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار والصناديق الائتمانية العربية وممثلو اليابان وكندا وماليزيا والسعودية والبحرين… تعهدوا (حتى قبل أن ينفذ لبنان شروط المؤتمر) أن يقدموا للبنان أكثر من ٣ مليارات دولار بفائدة متدنية (٥%) لمدة ١٥ عاما (و٥ سنوات فترات سماح) إضافة الى أكثر من 1,3 مليار دولار من البنك الدولي للاستثمار والصناديق العربية تستخدم لمشاريع إنمائية في لبنان.
وكانت صورة الاقتصاد اللبناني يومها والثقة بلبنان غير ما هي عليه اليوم.
فعلى مدى ٧ سنوات منذ انعقاد مؤتمر باريس٢ في ٢٠٠٢ ولغاية ٢٠٠٩ سجل الاقتصاد اللبناني أعلى المؤشرات بدءا من:
١- نمو الناتج المحلي الاجمالي من ٣% الى ٩% من ٢٠ الى ٣٥ مليار دولار.
٢- ارتفاع متوسط الدخل السنوي للفرد في لبنان من ٥ آلاف الى ٩ آلاف دولار.
٣- ارتفاع الودائع في المصارف من ٤٣ مليار الى ٩٦ مليار دولار.
٤- ارتفاع التسليفات المصرفية للقطاع الخاص من ١٥ مليار الى ٢٤ مليار دولار.
٥- ارتفاع رأسمال القطاع المصرفي من ٣ مليار الى ٩ مليار دولار.
٦- ارتفاع قيمة موجودات المصارف من ٥٢ مليار الى ١١٥ مليار دولار.
٧- ارتفاع احتياطي مصرف لبنان من ٧ مليار الى ٢٨ مليار دولار.
٨- ارتفاع الصادرات من ١ مليار الى ٤ مليار دولار.
٩- ارتفاع الاستثمارات المباشرة من 1 مليار الى ٥ مليار دولار.
١٠- ارتفاع فائض ميزان المدفوعات من ١٦٠٠ مليار الى ٨ مليار دولار.
في حين بلغ نمو الناتج الاجمالي في لبنان خلال تلك الفترة (٩%) المعدل الأعلى بين مختلف البلدان العربية: قطر 8,6% – المغرب 4,9% – مصر 4,7% – العراق 4,2% – سوريا ٤% – تونس ٤% – اليمن ٣% – الجزائر 2,4% – الأردن 2,3% – السعودية 0,6% – الامارات 2,5-% – الكويت ٤،٨-% (احصاءات صندوق النقد الدولي).
الفرص الضائعة..
واليوم مع انخفاض حجم الناتج الاجمالي السنوي في لبنان من ٣٥ مليار دولار عام ٢٠٠٩ الى ١٨ مليار دولار عام ٢٠٢٠ – حسب تقديرات صندوق النقد الدولي – انخفض متوسط الدخل الفردي السنوي في لبنان من ٩٠٠٠ الى ٣٠٠٠ دولار بين ٢٠٠٩ و٢٠٢١ أي بتراجع ٣٠٠% خلال حوالي ١٠ سنوات وبما يقترب من معدلات بلدان مثل بنغلادش وأقل من سريلانكا والفيلبين. يبقى السؤال:
كيف حصل ما حصل وهبطت كل المؤشرات الاقتصادية والنقدية والمالية في لبنان خلال فترة ٢٠ عاما منذ انعقاد مؤتمر باريس١ العام ٢٠٠١ مرورا بمؤتمر باريس٢ العام ٢٠٠٢ وصولا الى هذا العام ٢٠٢١؟
الجواب المعتاد انه منذ نشوب الحرب في سوريا وتداعياتها على لبنان، وميزان المدفوعات اللبناني يتراجع من فيض الى عجز بلغ أخيرا أكثر من ١٠ مليارات دولار، مقابل ارتفاع من ١٥٦٤ مليار دولار عام انعقاد مؤتمر باريس ٢ في ٢٠٠٢ الى ٨ مليارات دولار عام ٢٠٠٩ خلال ٧ سنوات من تاريخ انعقاد المؤتمر.
ومقابل هذا الجواب اثنان..
أولهما انه قبل نشوب الحرب في سوريا بسنتين فقط تدفق حوالي ٢٤ مليار دولار هاربة من تداعيات الأزمة المالية العالمية الكبرى ٢٠٠٨ – ٢٠٠٩ الى لبنان، إضافة الى معدلات مرتفعة بالعملات الأجنبية من التحويلات الاغترابية والموارد السياحية والتصديرية، أضاع أهل الحكم الجزء الأكبر منها اما الى مغيّر القنوات الاستثمارية التي تزيد الناتج الاجمالي ومتوسط الدخل السنوي للفرد اللبناني، أو الى غياهب النهب ومزاريب الهدر والمحاصصات السياسية والزبائنية ما أوصل لبنان الى هاوية «جهنمية» باعتراف من رئيس جمهورية ورؤساء طبقة سياسية تطلب بدل أن تطالب وتشكو بدل أن يشتكى إليها ويشكى منها.
وثانيهما: ان الحكم على أي حكم في أي بلد يكون بمقياس قدرته على مواجهة الصعوبات والملمّات. وإذا كان من غير المتوقع من هكذا نظام في لبنان أن يحقق ما هو مطلوب فليرتدع على الأقل عن ما هو موجود ومرصود مما ارتكب ويرتكب على يده ومما فاق كل تصوّر وتخيّل، وأضاع على لبنان واللبنانيين كل الفرص وعلى مدى عشرات السنين.
وإذا كان «دبشليم» طلب من «بيدبا» في «كليلة ودمنة» أن يضرب له مثل الذي قضى عمره يسعى الى فرصة فإذا حصل عليها أضاعها!! فان الجواب على كل سؤال عن الفرص التي أضاعها حكام لبنان على شعب لبنان لا يكفيه «كليلة ودمنة» واحد وإنما… مجموعة مجلدات!