بحضور عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية البروفسورة مارلين حيدر، ورئيس مركز الأبحاث في المعهد البروفسور حسين أبو رضا، كرّم مختبر علم النفس الاجتماعي برئاسة منسقة المختبر البروفسورة رجاء مكّي المفكّر الفرنسي “ميشال كورناتون” ضمن فعاليات مؤتمر “في استذكار ميشال كورناتون: حياة وعمل” والذي نظّم عبر منصّة Zoom، بمشاركة نخبة من الباحثين من فرنسا ولبنان، وبحضور حشد من أساتذة وباحثين وطلاّب من مختلف الاختصاصات الأكاديمية والبحثية.
قدّم المؤتمر وأداره عضوة مختبر علم النفس الاجتماعي السيّدة آنّا أبي كرم عازار، واستهلته بالترحيب بالمشاركين والحضور، ومن ثم بالتقديم لكل من الأساتذة المتحدثين بعد عرض فيلم تعريفي عن كورناتون، وقام بعملية الترجمة الفورية خلال المؤتمر الطالبتين هلا رياشي وستيفاني معلوف من مركز اللغات في الجامعة اللبنانية.
البروفسورة مارلين حيدر
اثنت عميدة معهد العلوم الاجتماعية على فكرة تنظيم هذا المؤتمر تكريماً لصديق المعهد البروفسور كورناتون، بالنيابة عن رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور فؤاد أيوب، معتبرة أنّ تكريم صديق للمعهد هي إضافة لكونها تشكّل علامة امتنان، كما إنّها إشارة نرسلها إلى جميع أصدقاء معهدنا لنقول لهم أن معهدنا لا ينسى أصدقاءه.
وأشارت العميدة إلى أهمية الدور الكبير الذي قام به البروفسور كورناتون من خلال مشاركته في العديد من الأنشطة الأكاديمية التي نظّمها معهد العلوم الاجتماعية. مؤكّدة على أهمية التبادل الأكاديمي بين المؤسسات لا سيّما هذا التبادل الذي ساهم فيه زملاؤنا الفرنسيين من خلال شراكات مع الجامعات الفرنسية، الأمر الذي كان له الدور البارز في تطوّر المعهد منذ نشأته عام 1959، ولا زال مستمّراً.
وتحدّثت البروفسورة حيدر عن علامة فارقة برزت في حياة كورناتون وهي علاقته بالجزائر، ذلك أنّه وبعد أدائه هناك للخدمة العسكرية في أواخر الخمسينات عندما كان هذا البلد لا يزال يسمى الجزائر الفرنسية، انحاز إلى الجزائريين بدافع الضمير، إذ رأى استقلال الجزائر مسألة أخلاق وعدالة. أمر دفعه إلى إعداد أطروحته في الدكتوراه عن الجزائر التي أحب، وخصّها فيما بعد بأكثر من ثلث عمله العلمي بقليل.
وختمت العميدة كلمتها بشكر كل العاملين الذين ساهموا وعملوا تطوّعًا على إنجاح هذا المؤتمر، من أساتذة وموظفين وإداريين وفنيين وطلاب.
البروفسور حسين أبو رضا
بعد كلمة رئيس مركز الأبحاث الترحيبية بالمتحدّثين والضيوف، أعرب عن شكره إلى كل من ساهم في التحضير لهذا النشاط إعداداً وتنظيمًا وترجمةً وأتمتة (كمبيوتر). ولفت أنّه من أهداف مركز الأبحاث تنظيم الأنشطة المختلفة من مؤتمرات وندوات ومحاضرات محلياً وإقليمياً ودولياً في شتى ميادين العلوم الاجتماعية، بغية توفير منبر علمي لأساتذة المعهد من أجل التفاعل مع أقرانهم الباحثين، والمختصين بالسوسيولوجيا، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس الاجتماعي، والسياسي والثقافي، والمعرفي والتربوي، والعائلي والعمل والتنمية والديموغرافيا والبينمناهجي، موضّحاً أنّ جميع هذه الاختصاصات هي ضمن مختبرات مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية وهي الجامعة الوطنية الأكبر والأهم.
وأضاف البروفسور أبو رضا، أنّ من أهداف المركز أيضاً، تكريم العلماء والمفكرين الذين أعطوا للجامعة اللبنانية ولمعهد العلوم الاجتماعية الكثير من خبراتهم وأوقاتهم، لأنهم يؤمنون بأهمية الإنسان أولاً، وكذلك يؤمنون بالمعرفة الشاملة التي تدور حول الإنسان والمجتمعات كافة ثانياً، ويهتمّون بالعلوم الاجتماعية المتعدّدة القادرة على دراسة الظواهر المتنوّعة والمعقّدة ثالثاً.
أشار رئيس مركز الأبحاث إلى أنّ تكريم عالم النفس الاجتماعي والمفكّر ميشال كورناتون، جاء بوصفه قامة علمية بذاتها، وحالة إنسانية فريدة. فهو المتميّز بصفاته الإنسانية الاستثنائية، والمتميّز بإحساسه بالتعاطف خصوصاً مع المجتمعات النامية، مبيّناً موقفه المتميّز من القضية الجزائرية، واهتمامه الأكثر تواضعًا، إضافة إلى ثقافته الواسعة بالنسبة لمفكّر وأكاديمي بهذه المكانة. وختم أبو رضا كلمته بوصفه كورناتون كشخصية فضّلت الفهم بدلاً من الحكم، والحوار بدلاً من التصلّب، والانفتاح بدلاً من الانغلاق.
البروفسورة Annik HOUEL
تحدّثت الأستاذة الفخرية في علم النفس الاجتماعي في جامعة Lyon2 عن مسار حياة كورناتون العلمي منذ دراسته علم الاجتماع وعلم النفس في ليون حيث حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع، إلى حين استلامه مسؤولية العلاقات الدولية في قسم علم النفس الاجتماعي، الأمر الذي سمح له بالقيام بالمهام التي قام بها مع مختبر علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية عبر الصديقة د. رجاء مكي.
وأضافتHOUEL بأنّه بعد أن سلّمها كورناتون شعلة الإدارة كرّس نفسه لمجلة CROQUANT LE وهي مجلة أدب وعلوم إنسانية نصف سنوية أسّسها لينشر بعدها أحد أبرز كتبه le lien social ، وهو كتاب تكمن أهميته في التشديد على عدم فصل المكوّن الاجتماعي عن المكوّن الفردي حتى في علم الأمراض، إذ لم يكتف بممارسة علم النفس الاجتماعي، بل كان مفكرًا وفي الوقت ذاته مغرمًا بالتحليل النفسي.
وأشارت HOUEL بأنّ كورناتون تقاعد بعد حصوله على مهمّة في إطار مشروع لإنشاء برنامج أبحاث مشترك MIRA 2003 تمّ تنفيذه من خلال منحة دراسية واحدة لها أي HOUEL وأخرى لد. مكي ما أتاح المشاركة في مؤتمر نظّم في بيروت في مركز أبحاث العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية مع السفارة الفرنسية في لبنان ومختبر علم النفس الاجتماعي في ليون 2 عام 2005. وختمت بالإشارة إلى أن كورناتون قد توفي في أكتوبر 2020 ودفن في مقبرة جميلة جدًا في مسقط راسه بريس.
البروفسور إبراهيم مارون
وصف أستاذ علم الاقتصاد في معهد العلوم الاجتماعية ميشال كورناتون بالرجل الجامع للصفات على أكثر من مستوى، فقد تنقّل على المستوى المهني بين العديد من المهن، وكان في نفس الوقت عالم اجتماع، وعالم نفس، وعالم إثنولوجي، ورجل أدب، ومتخصّص في العلوم التربوية وعالم سياسي ويمكن القول كذلك عالم لاهوت في مرحلة ما.
واعتبر أ. د. مارون كورناتون بأنّه فاضح للأيقونات، لم يتردّد في مهاجمة العظماء حين يخطئون، فقد واجه فرانسوا ميتران حين كان وزيراً للعدل، وكذلك بيير بورديو عالم الاجتماع المرموق، والأخوين لوميير (أوغست ولويس)، وهو أمر يدل على شجاعة كورناتون.
ولفت أ. د. مارون إلى أنّ من يعرف كورناتون يكتشف أنه شخص لطيف ومحبوب وحتى صوفي أحيانا، مشيراً أنّه اكتشف هذه الصوفية لدى كورناتون عند زيارته أرز لبنان، حين سمعه يقول “ربما آتي لأصنع صومعتي هنا ذات يوم”، وأشار إلى دور كورناتون في زرع معالم مهمّة ومحوريّة طالت تخصّصين جديدين: هما التحليل النفسي للأدب وأنثروبولوجيا التربية.
البروفسور Jean-Pierre DURIF-VAREMBONT
تطرّق الأستاذ المتقاعد في جامعة Lyon 2 إلى زيارته و Michel Cornaton لبنان عام ٢٠٠٠ ضمن مشروع TEMPRA-CEDRE المتوسطي في إطار التبادل الجامعي مع معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، لمناقشة برامج التدريب والتدريس في علم النفس الاجتماعي والعلوم الاجتماعية كجزء من المهام الموكلة. إضافة إلى الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية فتحت هذه الزيارة إمكانية الإشراف المشترك على تحضير طلاب الدكتوراه لأطروحاتهم.
وأظهر الدور الهام لميشال كورناتون في جامعة ليون 2، حيث كان دائماً متحمّساً لقضية الرابط الاجتماعي الذي تمكّن من تجسيده عبر أحد الماسترات الثلاثة التي اسّسها. وأضاف “لم يخف أنّ لبنان كان له مكانة خاصة في قلبه إذ عاد إليه عام ٢٠٠٥، ولا بد من استذكار ما كتبه كورناتون بعد اسابيع من عودتهما الى ليون: لبنان الجميل، كيف نساعد لضمان تراثه الرائع الذي أثار إعجاب فلاسفة عصر التنوير، ويمكن أن يتم بتحويل تعايش الطوائف الدينية إلى تعايش مجتمعات نقية وبسيطة، ودائماً من خلال هذا الرابط الاجتماعي.
السيّد أحمد يوسف
عرض السيّد يوسف من خلال شهادة طلابيّة شخصيّة لقائه مع كورناتون سنة 2003، حيث التقاه عندما كان طالب دبلوم في قسم علم النفس الاجتماعي، وكان ميشال كورناتون آنذاك استاذًا زائرًا من جامعة ليون لوميير2 الفرنسية.
كان ميشال كورناتون المحاور اللبق، والمستمع المتميّز، والناقد المهتم المتواجد في قاعاتنا. وكطالب كانت الفكرة الابرز التي علقت في ذاكرتي حديثه عن الثقافة والمجتمع وأثرها على تشكّل الفرد النفسي وتكيّفه الاجتماعي. واختتم يوسف عرض تجربته بشكر الجامعة اللبنانية وإدارة معهد العلوم الاجتماعية لإتاحة الفرصة لتعريف طلاّبها إلى تلك المجالات المعرفية.
البروفسورة رجاء مكّي
استهلت منسّقة مختبر علم النفس الاجتماعي ورقتها بسرد كلمات أخيرة من السيد ميشال كورناتون أرسلها قبل أشهر قليلة من وفاته في نيسان ٢٠٢٠، وعبّر فيها عن وجود لبنان دومًا في قلبه ووجدانه، متسائلاً عن أوضاع الجامعة اللبنانية، والمعهد وشاكرا بروفسورة مكي على اللحظات الرائعة التي أمضاها برفقة الأصدقاء في لبنان.
وأضافت أ. د. مكّي، كان كورناتون مخلصًا جدا للبنان وشعبه ولزملائه فيه، كان هاجسه خلال رحلاته الأخيرة إلى لبنان حرّية الشعب اللبناني والنهوض بالجامعة اللبنانية. كما كان كثير الاهتمام بعملية تطوير التبادل بين الجامعات الذي استمر من العام ١٩٩٧وحتى اليوم. هذا التبادل الذي أثمر عبر جلسات عمل مستمرة وطويلة عن القيام بندوات ومحاضرات في قاعات المعهد المليئة بالطلاب والأساتذة في جو متعدّد الثقافات، ما أسفر عن تفاني في هذا التبادل الفرونكوفوني.
وبيّنت أ. د. مكّي، تأثير كورناتون في المعهد، إذ بفضله نفّذ مشروع المعهد المشترك بين الجامعات عبر رسائل تحت إشراف مشترك، ومن خلال الأساتذة الزائرين والبعثات توزّعت بين الأقسام بفضل مشاريع “تمبرا وميرا” مع منطقة رون ألب بين 2006-2004، ومن خلال توأمة مع بلدية ليون وورش عمل لإطلاق LMD إضافة إلى المشاركة في بحوث ومؤتمرات وندوات.
ووصفت منسّقة مختبر علم النفس الاجتماعي ميشال كورناتون، بأنّه أبو علم النفس الاجتماعي المعاصر، حيث جعل المهتمّين بالمجال يفهمون أنّ علم النفس الاجتماعي بقوّة وجودِه وموضوعه هو علم النفس العيادي، وكان يكرّر دائما بأن الفضول العلمي يجب أن يكون مصحوبًا بالنقد والتحليل. لقد كان رجل علم متواضعًا وأخلاقيًا للغاية لطيفًا وماهرًا.
واختتمت بروفسورة مكّي كلمتها بالحديث عن ” كورناتون الإنسان” مستذكرة المناقشات التي كان يجريها مع المونسينيور نجيم في مؤسسة “أم النور ” كناشط في مجال حقوق الإنسان، وفي مشهد آخر لجزء لا ينسى في زيارته الأخيرة إلى لبنان عام 2010، حيث كانت له مشاركة خالصة لمساعدة النازحين في لبنان، حيث استعرضت مشهدًا له خلال الزيارة “هناك في مفترق طريق صغير يجلس كورناتون على كرسي بلاستيكي محاطًا بالعشرات من اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين، وبكلمات عربية قليلة يعرفها كما لو كان يوجّههم نحو ديناميكية جماعية ضد القمع، كان يسعى إلى جلب الفرح إلى قلوبهم”.