الجمعة, نوفمبر 22
Banner

استعادة جزء من أموال أصحاب المصارف والسياسيين: هل سيُحاسب سلامة البنوك؟

ليا القزي – الاخبار

أصحاب المصارف مُقتنعون بأنّ مؤسساتهم «لا نوى منها» ولا يُريدون إعادة ليرة من الخارج إليها. مصرف لبنان يزعم أنه مصرّ على إلزامها بإعادة 30% «فقط لا غير» من مجموع ما حوّله أصحابها (والسياسيون) إلى الخارج في ثلاث سنوات. فهل يُنفذّ البنك المركزي التعميم 154 ويلجأ إلى وضع اليد على المصارف المُخالفة وتجميد أموال أصحابها؟

أصدر مصرف لبنان التعميم 154 بحجّة «إعادة تفعيل عمل المصارف»، فتحوّل هذا التعميم إلى أداة لتعميق مأساة المُجتمع من خلال زيادة الضغوط على سعر صرف الليرة… ومادّة للصراع بين المصارف و«المركزي». مُشكلة التعميم أصلاً بُنيوية، لكونه نصّ على إجراءات تهدف حصراً إلى تجميل حسابات المصارف شكلياً، من دون عملية تفعيل جدّية للقطاع. أبرز ما في التعميم هو تكوين سيولة خارجية بنسبة 3% من مجموع الاموال المودعة لديها بالعملات الاجنبية، وإعادة الأفراد والمستوردين الذين حوّلوا ما يفوق الـ500 ألف دولار إلى الخارج (بين 2017 و2020) ما نسبته 15% من قيمة التحويلات، وتُطبّق نسبة 30% على أصحاب المصارف والمُساهمين وأعضاء مجالس إداراتها والأشخاص «المعرّضين سياسياً». يُعتبر هذان الشرطان «أحكاماً مُخفّفة» من السهل الالتزام بها، خاصة أنّ الأموال المستعادة ستوضع في حسابات خاصة مُجمدة لخمس سنوات وتستفيد من الفوائد. إلا أنّ المصارف قرّرت «المُشاغبة» وعدم الالتزام.

يُنقل عن الحاكم رياض سلامة «جدّيته» في إنزال العقوبات بحقّ المصارف المُخالفة. يستند إلى المادّة الخامسة في التعميم 154، بأنّ عدم تطبيق القرار يؤدّي إما إلى الإحالة على الهيئة المصرفية العُليا، أو تطبيق أي من أحكام القانونين الرقم 2/67 (توقّف المصارف عن الدفع) والرقم 110 (إصلاح الوضع المصرفي)، أو فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون الرقم 44 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب). وقد قرّر مصرف لبنان تكليف الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة، عبد الحفيظ منصور، بالتدقيق في مدى التزام المصارف بالمادة الثانية من الـ154 (إعادة الأموال من الخارج)، بناءً على أحكام قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

لا يزال أصحاب مصارف ومسؤولون في هيئات رقابية يعتقدون أنّ القوانين المستخدمة وتكليف هيئة التحقيق الخاصة بملاحقة المصارف، مُجرّد «أداة تخويفية يستخدمها سلامة بحقهم. هو مُحقّ في ذلك، ولكنّها لن تُحقّق أي نتيجة». يُحاججون بدايةً بأنّ هيئة التحقيق الخاصة «تملك صلاحية رفع السرية المصرفية عن الحسابات المشبوهة فقط، ولا يحقّ لها الدخول إلى كلّ الحسابات. سيؤدّي ذلك إلى اشتباك بين المصارف والمركزي». أما القانونان 2/67 و110، فينصّان على إنشاء محكمة مختصة مدنية للنظر في أوضاع المصارف وتقرير وضع اليد عليها والحجز على أموالها، «وهذا ما نُعارضه بشدّة داخل القطاع المصرفي بمختلف مكوناته». لماذا إذاً استعان بهما مصرف لبنان؟ «يعرف أنّ تحويل الأموال إلى الخارج لم يكن ممنوعاً. هدفه الأساسي تأمين السيولة». لذلك، يعتقد هؤلاء أنّه ستتم حالياً «دراسة الملفات، وتطلب هيئة التحقيق الخاصة تزويدها بالمعلومات المطلوبة، ومن لم يتمكّن من تأمين سيولة الـ3% سيُضغط عليه لإعادة الأموال المحوّلة، وتحديداً أصحاب المصارف».

هؤلاء يُفضّلون الخراب على إعادة سنت واحد. بدأوا الردّ عبر ابتزاز مودعين من تجّار وأفراد ومؤسسات، لإجبارهم على إعادة الـ15%، مُهدّدين إياهم بالقول: «نعرف مخالفاتكم وسنُبلّغ عنكم». يعتقد أصحاب المصارف أنّهم إن نجحوا في ذلك، «يشترون سكوت» مصرف لبنان ويهربون من إعادة 30% من قيمة أموالهم المُحوّلة. الزبائن «المُهدَّدون» تلوّح لهم المصارف بتهمة التهرّب الضريبي، ولكن يفوت المصارف أنّ قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لا يُعاقب منفّذ الجُرم حصراً، بل أيضاً الذين سكتوا عن المخالفة. يوضح الخبير المالي والضرائبي، المحامي كريم ضاهر، أنّه «في حال كان طرفٌ مُلزماً بالتتبّع والتبليغ عن المخالفة ولم يقم بذلك، فتُفرض عليه بموجب القانون 44 عقوبة مالية والحبس لمدّة تصل إلى سنة». أي إنّ الشرك الذي تُحيكه المصارف لزبائنها سيُطبّق عليها هي، لأنّها في كل الأحوال تتحمّل الذنب وتُطبّق عليها إحدى مواد القانون 44، «فتبييض الأموال يشمل 21 حالة، كالفساد وتمويل الإرهاب وسوء استعمال السلطة واستغلال النفوذ والاختلاس…». هل ستقدر هيئة التحقيق الوصول إليهم؟ لا يوافق ضاهر على أنّ مهمة هيئة التحقيق الخاصة محدودة، «فهي تملك أوسع الصلاحيات، ويكفي أن تشتبه في ارتكاب مخالفة حتى ترفع السرية المصرفية وتُراسل كلّ المصارف الخارجية طالبةً تزويدها بالمعلومات اللازمة». أما بالنسبة إلى القانون 110 (إصلاح الوضع المصرفي ويسمح بوضع اليد على المصارف وتعيين لجنة مؤقتة وحجز أموال ورفع السرية المصرفية لحسابات كلّ من تولّى إدارة أو مراقبة أعمال المصرف خلال فترة 18 شهراً التي سبقت التوقّف عن الدفع)، فالاستعانة به «تتضمن رسالة جدّية إلى أصحاب المصارف الذين حوّلوا الأموال رغم علمهم بالواقع المُزري، أنّهم إنْ لم يُعيدوا المبالغ المُحوّلة فسيتم الحجز على أموالهم في الداخل والخارج. التعميم 154 يحمل العصا والجزرة في الوقت نفسه».

المصرفيون والمسؤولون الماليون المُنتقدون للتعميم يعزفون على «ثغرة» عدم وجود قانون يمنع تحويل الأموال، «وإذا كان من حسابات مشبوهة، فلماذا يُطلب إليها تحويل فقط 15% أو 30% وليس كامل المبلغ؟ سيُعتبر ذلك تشريعاً لسرقة الـ70% أو الـ85% الباقية». والأهم من ذلك، أنّ التعميم «لا يوظّف المبالغ المُستعادة في توزيعها على المودعين، بل يُكرّم من حوّلوا الأموال عبر وضعها في حسابات خاصة مع فائدة، يُمكن إعادة تحويلها شرعياً بعد خمس سنوات. كيف يكون القطاع المصرفي والمودعون قد استفادوا؟».

يُميّز كريم ضاهر بين من يجب أن يُعيد 15% و30%. بالنسبة إلى الفئة الأولى، «استُخدمت معهم كلمة حثّ، لأنّه حتى ولو كان مصرف لبنان يتمتع باستقلالية مُعينة، ولكن لا يُمكنه أن يُخالف أحكام الدستور ويضع قيوداً مصرفية صارمة». القوانين لا تمنع الناس من تحويل أموالها، «وفي المسائل الجزائية والمالية لا تأتي القوانين بمفعول رجعي. الطريقة الوحيدة لإجبارهم هي إذا كانت الحسابات مشبوهة». أما بالنسبة إلى فئة الـ30%، «فتأخذ طابعاً إلزامياً ويكون أصحاب المصارف والمُساهمون وأعضاء مجالس الإدارة والسياسيون مُعرضين للملاحقة بموجب قانون تبييض الأموال والإثراء غير المشروع».

Leave A Reply