لعل العبرة المفيدة اوالدلالة اليتيمة التي واكبت وأعقبت الجلسة التشريعية لمجلس النواب امس تمثلت في مفارقة “مطاردة” المجموعات الاحتجاجية من ذوي المطالب او من المنخرطين في الانتفاضة الاحتجاجية عموما للنواب من قصر الاونيسكو حيث “المقر” الموقت المعتمد للجلسات منذ ما بعد انفجار مرفأ بيروت الى المبنى الأصلي للبرلمان في ساحة النجمة . مشهد اتخذ دلالاته الرمزية والواقعية والسياسية في ساعات بعد الظهر والمساء حين بدا واضحا ان استفاقة الشارع قبل أسبوعين على إيقاع اختراقات لاهبة في سعر الدولار الأميركي وان كان ذلك الفتيل المشعل للاحتجاجات فان الاستفاقة باتت تنذر مجددا بشارع ساخن مستدام . ذلك ان الجلسة الباهتة للمجلس مرت مرورا عابرا في المشهد الداخلي فيما كانت تنعقد على وقع العديد من الاعتصامات والتظاهرات من جهة واشتعال سعر الدولار بشكل مطرد في السوق السوداء من جهة أخرى .
وبدا واضحا ان مهازل التسويات السلطوية حتى من ضمن مجلس النواب أذكت حرارة الشارع اذ ان الجلسة كانت مهددة قبل الظهر بالتطيير والتأجيل لولا تسوية اللحظة الأخيرة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري و”التيار الوطني الحر” لتوفير العامل الميثاقي للجلسة بعدما لوح التيار بمقاطعة الجلسة بالإضافة الى مقاطعتها من تكتل “الجمهورية القوية” القواتية بما كان سيضفي واقع مقاطعة مسيحية واسعة للجلسة . وتأمن النصاب بعدما عقدت تسوية حول موضوع السلفة للكهرباء التي يخوض نواب “تكتل لبنان القوي” معركتها من خلال اقتراح قانون معجل مكرر لإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة ب 1500 مليار ليرة لبنانية اذ أحال بري الاقتراح على اللجان النيابية لبته في جلسة الثلثاء المقبل مع ميل واتجاه غالبين لخفض قيمتها وتعديلها فيما اطلق التكتل الحرية لأعضائه حيال حضور الجلسة امس .
هذه التسوية أمنت انعقاد الجلسة النيابية في الاونيسكو لمناقشة 3 مشاريع قوانين، لم تكن منها سلفةُ الكهرباء التي طالب بها امس وزير الطاقة والمياه ريمون غجر لمواجهة سقوط لبنان في العتمة . كما غيب اقتراح النائب علي حسن خليل بإقرار سلفة مليون ليرة لافراد الاجهزة الأمنية والعسكرية على مدى ستة اشهر، فلم يقدم اساسا بأي صفة ولم يطرح، وقد فضل الرئيس نبيه بري سحب فتيله من الجلسة بعدما رصد ردات الفعل السلبية الواسعة والحادة عليه بعيد اقتراحه.
وفي المعلومات ، ان جلسة مجلس النواب ما كانت لتنعقد لولا توفرالنصاب القانوني وهو 65 نائباً نسبة لعدد المجلس النيابي، بحضور عشرة من نواب “تكتل لبنان القوي” الذي ترك الخيار لاعضائه بالمشاركة او بالتغيب عن الجلسة.
وبنتيجة الاتصالات التي جرت عشية الجلسة تم التوصل الى تسوية مع التكتل بعد ان كان يميل كما “القوات” الى المقاطعة. وقضى الاتفاق بالاسراع بدرس اقتراح قانون المساهمة في الكهرباء واقتراح القانون باستعادة الاموال المنهوبة، تمهيداً لاقرارهما في جلسة تشريعية قريبة. وترجمة لهذه التسوية، تمت دعوة اللجان النيابية المشتركة للبحث بالاقتراحين يوم الثلثاء المقبل تمهيداً لاقرارهما.
وفي جلسته التي انعقدت في غياب “تكتل الجمهورية القوية “أقر المجلس البنود الثلاثة المدرجة على جدول اعماله وهي قانون الاتفاق مع البنك الدولي القاضي بتخصيص 5,5 مليون دولار لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والاتفاق مع البنك الدولي بشأن مساعدة العائلات الأكثر فقراً وعددها 161257 عائلة بمبلغ قدره 800 ألف ليرة، إضافة الى الإقتراح المقدم من النائب ابراهيم كنعان لرفع السقوف مع مصرف الاسكان من 300 الى 450 مليونا ومن 400 الى 600 مليون ليرة.
وخلال مناقشة النواب مشروع قانون إبرام إتفاق قرض بين لبنان والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ المشروع الطارىء لدعم شبكة الأمان الإجتماعي للإستجابة لجائحة كوفيد 19، والأزمة الإقتصادية في لبنان، قال بري: “الرئاسة عندما وجدت ان هناك ملاحظات حول المشروع تأخرنا بهذا الموضوع لاننا انتظرنا ان تأتينا كل الايضاحات وأصريت ان تكون موقعة حسب الاصول الدستورية والقانونية سواء من رئاسة مجلس الوزراء او من الوزراء المختصين وبعد وصول كل هذه الامور والايضاحات تم وضع مشروع القانون على جدول اعمال الجلسة اليوم”.
اعتصامات وتظاهرات
والتأمت الجلسة على وقع اعتصامات عدة.وعصرا نظمت مجموعات من الحراك المدني اعتصاما أمام وزارة الداخلية في الصنائع بعنوان ” معا من أجل حكومة انتقالية انقاذية”. وانطلقت من امام الوزارة بمسيرة الى امام مصرف لبنان وصولا الى مجلس النواب واستقطبت التظاهرة كثافة في المشاركين بعد انضمام مجموعات اليها أثناء سلوكها الطريق من مصرف لبنان في الحمرا نزولا نحو برج المر وكليمنصو باتجاه مجلس النواب.روهتف المتظاهرون ضد السياسة المالية والاقتصادية وتردي الاوضاع المعيشية. ومع وصول المسيرة الى امام مجلس النواب في وسط بيروت ، ردد المشاركون شعارات منددة ب”السلطة وما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”. ورمى بعضهم مفرقعات باتجاه ساحة المجلس. ويبدو ان الأيام المقبلة مرشحة لعودة التصعيد في الشارع اذ تجري استعدادات لتجمع كبير بعد ظهر اليوم في وسط بيروت ربما يؤدي الى إعادة نصب خيم للاعتصام فيه . كما تردد ان تحركات جديدة ستحصل غدا الاحد وتتزامن مع الذكرى ال16 لانتفاضة 14 آذار 2005 .
الشلل الحكومي
على الصعيد السياسي طبع الشلل الكامل المشهد الحكومي فيما بدا لافتا ما اعلنه النائب علي حسن خليل عقب جلسة مجلس النواب من أن ” الرئيس نبيه بري في صلب النقاش الدائم حتى تشكيل الحكومة، وهو قلق جدا من تعاطي القوى السياسية المتراخية من ملامسة إنجاز الحكومة”، وقال: “يجب اتباع الأصول في التعاطي مع العمل البرلماني، وللأسف نرى الشلل في عدم القدرة على تشكيل الحكومة. لا شيء يبشر بحكومة قريبة وأنا لا أنعي إنما لا بد من العمل على انتظام العمل داخل المؤسسات” . وأضاف: “ان التناقض في الموقف لا يجوز أن يعمينا عن أصول التعاطي مع العمل البرلماني الذي يشكل الضمانة الأساسية لانتظام العمل في مؤسسات الدولة”. واتخذ كلامه دلالة مهمة لكونه التقى الرئيس المكلف سعد الحريري قبل أيام موفدا من بري في ما اعتبر تمهيدا لاتصالات وحركة يتولاها الرئيس بري في الازمة الحكومية .
والتقى الرئيس الحريري امس في بيت الوسط السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا في حضور الوزير السابق غطاس خوري وعرض معها اخر المستجدات والأوضاع العامة.
ولفت في سياق المواقف الديبلوماسية من الوضع المأزوم كلام للقائم بالاعمال في السفارة البريطانية في بيروت مارتن لنغدن بعد زيارته امس للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اذ اطلق مجموعة تساؤلات حملت دلالات بارزة ومنها : “الى أي مدى يجب ان يسقط لبنان بعد قبل ان تتحمل قياداته المسؤولية ؟ ما هو مقدار الألم الذي يجب ان يتحمله الناس في جميع انحاء البلاد قبل ان يتوقف التسييس وتبدأ الإجراءات العملية لتحسين الأمور ؟ ومتى يتوقف أصحاب النفوذ عن الانزلاق في الكارثة الاقتصادية والإنسانية ويظهرون بدلا من ذلك التصميم والوطنية المطلوبة لتشكيل حكومة إصلاحية قادرة على وقف الانحدار المتهور للبلاد ؟”.
وفي السياق اشار نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش امس الى ان “ربما تكون مواقف وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان رسالة الى الرئيس المكلّف لكنها رسالة معمّمة” وقال “نحن لا نريد اقصاء التيار الوطني الحر بل نتوجه الى تمثيل بحسب الأحجام. وأي طرح ممكن أن يؤدي الى تشكيل الحكومة بالطريقة التي يتكلم عنها سعد الحريري مُرحّب به “، وكشف ان لم تُطرح اي مبادرة من اللواء عباس ابرهيم على الحريري. وراى ان “لدينا خيارا واحدا في لبنان هو تشكيل حكومة قادرة على البدء بالعمل وأي تحرّكات اخرى لا جدوى منها، والحريري ينتظر اتصالاً من بعبدا اذا كان هناك قبول بأي مبادرة أو اي تعديل لمناقشته والمضي بالتشكيلة المُتّفق عليها”.
سعر الصرف
في سياق اخر رفض مصدر في وزارة العدل الأميركية، في تصريح لـ”الحرة” تأكيد أو نفي معلومات تناقلها الإعلام اللبناني عن طلب السلطات القضائية في لبنان مساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “أف.بي.آي”، لحجب تطبيقات سعر صرف الليرة مقابل الدولار. وقالت متحدثة باسم وزارة العدل، “كسياسة متبعة فإن وزارة العدل لا تعلق بشكل علني على طلبات مساعدة قضائية تقدمها حكومات أجنبية حول قضايا يجري التحقيق بشأنها، بما في ذلك تأكيد أو نفي وجود مثل هذه الطلبات”. أما في لبنان، فأكد مصدر قضائي التواصل بالمراسلة مع الـ”أف.بي.آي” لطلب مساعدة قضائية لحجب التطبيقات والصفحات التي تنشر سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، على متجر غوغل وموقع فيسبوك، وذلك بعد اتهام السلطات اللبنانية هذه التطبيقات بالتلاعب بسعر الصرف والمضاربة التي تنعكس سلباً على الوضع المالي في البلاد.
وأشار المحامي العام التمييزي، القاضي غسان خوري، إلى أن التواصل مع السلطات الأميركية جاء لكون الشركتين المعنيتين بحجب هذه التطبيقات هي شركات أميركية تخضع للقانون الأميركي، وبالتالي فإن الطلب يهدف إلى إيجاد الآلية القضائية المناسبة من أجل إلزام هذه الشركات العمل على اغلاق هذه المنصات.