الإثنين, نوفمبر 25
Banner

هل فهمت أيها الخائن؟

نصري الصايغ

كي تكون لبنانيا، من الآن فصاعداً، تحصًن باللامبالاة. امتنع عن التحسر على الماضي. يلزم أن لا يراودك الدمع. إن عنً على عينيك الدمع، فابكِ بصوت مبحوح. كن عديم الاحساس. وان شئت أن تغضب، فاصرخ ولا تدع أحد يسمع صراخك. كن مواطناً من جنس الشبح. تظاهر بأنك ما زلت كائناً طبيعياً في وطن طبيعي. إذا عنً على بالك أن تضحك، تشاءم، فالضحك في الزمن اللبناني مشبوه، إذ، لا يعقل أن بلاداً كهذه البلاد المقفلة في الجهات الخمس، تستسيغ البكاء. وإن شئت أن تساير احداً، فاكذب عليه. لا يجوز أن تكون كائناً سليماً وطبيعياً، في بلد يموت بصوت مرتفع. ولكي تكون مُتًسِقاً مع المرحلة، تحدث مع الموت قليلاً. فالموت يسير جنباً إلى جنب ولبنان. صحيح انه لم يمت بعد. ولكنه يقتلنا كل يوم. يفترض في مثل هذه الحالة أن نتكلم بلا كلمات. نحن جمل غير مفيدة، مشروطة بانعدام المعنى والافق.

ومع ذلك علينا أن نعيش كأموات على قيد الحياة قليلا. تسأل لماذا هذا هكذا؟ إخرس. إخرس عن جد. من كان مثلك ومثلي لا يحق له أن يسأل. نحن قتلناه وها نحن نمشي في جنازته. لبنان لم ينتحر. لقد قتلناه. إياك أن تتهم فقط اصحاب الرتب العالية: الرؤساء والمواقع والمجالس والمؤسسات والدول الاجنبية الشقيقة والعدوة. لا تتهرب من مسؤولياتك. أنت متهم اولاً. لولاك. ولولا جبنك، وصلواتك السياسية الداعرة، وانسحاقك الدائم امام اصنامك الطائفية. وتهافتك المستمر على المبايعة، ولولا عمى عينيك وقلبك، ولولا بيعك ضميرك ووقوفك في الصف بصلف الولاء، لما كان لبنان قد فقد كل ما عنده وما حلم به… هذا اللبنان الساقط، هو الابن الشرعي لك. لا تبرر جريمتك بجهلك. انت تعرف جيداً. أنت تنازلت عن الانسان فيك. فضَلت أن تكون حيواناً طائفياً… مع ضرورة الاعتذار من الجنس الحيواني، لأنه لا يخون ابناء جنسه… هل فهمت أيها الخائن؟

على الضفة الأخرى، نرى أن الافعال ظلال. ليس لائقاً أن نبقى في مناحة وأحزان. فلنكف عن سباب وشتم وتعهير الطغمة السياسية، أكثر البهائم وعياً بمصالحها ومستقبلها. عمر هذه الطغمة، او هذه السلالة المزمنة أكثر من مئة عام… لم يعد مجدياً تحميلها كل آثامها وجرائمها. تعبنا من ترداد ومراكمة المدائح المهينة…

لم نعد نحتمل الكلام الذي بات شبيهاً بالعَلَف. ماشية تدب على غرائزها. تقوص ظهورها ليطمئن الزعماء إلى سلامة ومتانة الركوب.

خَلص. هذا المًوال غنيناه في الشوارع وبحناجر صارخة وقبضات أصابت الهواء فقط… لم يصب أحد منهم بلكمة.

الطائفيون ينالون حظوظهم. انهم فائزون دائماً. لقد احتفظوا بزعاماتهم بعرق اصواتهم، ونعال ولاءاتهم، وعهر جباههم. مبروك للطائفيين هذا الانهيار المجيد، الذي لا شبيه له، مذلة وعاراً وعهراً… برغم الموت السياسي الراهن، ويسمى تلطفاً، ازمة سلطة او حكومة أو ازمة نظام، الخ…

برغم ذلك، فإن الحيوية الطائفية تزداد تضخماً. انهم قرروا أن يسرقوا مواقع المواطنين العلمانيين والديموقراطيين والطافرين من الطائفية منذ ما قبل الولادة… منذ ايام. تزلت الاحزاب الطائفية إلى الشوارع. يا عيب… ويا حيف. كل قطيع يقطع الطريق ويصوب اتهاماته إلى الفريق الطائفي، شريكه وغريمه. بانتظار أن تتم المصالحة. رقصة الاعداء، نعرفها جيداً. الطوائفيات تشتبك، تتصارع، تتطاعن، تتشاكى، تستعين بالأصدقاء والاعداء، وبإشارة تنزل القطعان الطائفية لتقطع الطرقات وتصوب هتافاتها للخصم الطائفي… عادة تنتهي المعارك، مهما طالت، بصفقة تحتاج إلى صفقات، ليستقيم مسار الاعوجاج الوطني لسنوات قليلة… هذه الامثولة مُثلت مراراً، وحفظناها عن ظهر قلب. وحثالة الجماهير الطائفية تدعي انها تخوض معركة حقوق ومصالح ونظام، فيما هي معركة مطلبية متكالبة على الحصص والمنافع والمواقع والارصدة… “رجال الدولة” في لبنان، هم باستمرار ضد الدولة. اما أن تكون الدولة لهم، كما يريدونها، او لا تكون.

يتوجب علينا أن نسأل عن الذين هجروا طوائفهم لبناء وطن: أين أنتم؟ لا شك انكم موجودون، ولكن، بكل اسف، فاشلون… أتمنى أن اكون مخطئاً. سأدافع عن خطأي هذا: أين 17 تشرين؟ كان من المتوقع أن تصبح جبهة منازلة، بكل ما هو متاح، بل بكل ما هو مستحيل. 17 تشرين لم تكن طائفية. جمعت الجميع جمعاً فائضاً ومخيفاً. الطائفيون فيها، عادوا إلى زرائبهم… أين الآخرون؟ نمي الينا مراراً انهم مختلفون. انه لم يتفقوا بعد على نص… على بيان… على خطة… على برنامج… على ميثاق… على ما يلزم… على الحد الادنى: انقياء واغبياء؟؟؟

يلزم أن نجلد أنفسنا كثيراً. بلى! يجب ذلك وأكثر. إذا فاز الطائفيون، كما هو متوقع، فلسببين اثنين: نقل الحركة السياسية الاقتصادية الاجتماعية التربوية القضائية، إلى الوعاء الطائفي والملعب المذهبي. ثانياً، نجاح في وراثة الساحات في الشارع، واستعمالها على إيقاع النزاع… زعماء الطوائف المتصارعة لم تخسر حشودها. إنها غب الطلب… بالفعل، إنها طبقة تحتذى في المنازلات اليومية. جماهير الطوائف موحدة الشعارات ولغة التخاطف والصراخ. لكل فريق قاموسه السياسي المذهبي. “للمستقبل” قاموسه وعدوه. ” للوطني الحر” قاموسه وعدوه، أو واعداؤه. “للثنائي الشيعي” كذلك. “للقوات” نشيدها المسيحي بدعم اسلامي. لجنبلاط جماعة كالبناء المرصوص. الخ… انهم يحسبونها على البكلة. سرقوا الدولة كلها، ثم سرقوا الشارع والساحات، وملأوها ازلاماً واتباعاً. لا يغشكم مشهد الاطارات المشتعلة واغلاق الطرقات ابداً. أكثرهم يدار بالرموت كونترول.

أين الابناء الشرعيون ل 17 تشرين؟ نريد جواباً واضحاً. أين أنتم معاً. نعرف أين أنتم، كل على حدة، ويطلق احكاماً على الآخرين. ما هذا التشتت والتفتت؟ تُعلون من شأن الخلافات اللغوية على النص، وتمسكون المسطرة لتحديد الزيح على الخريطة النضالية.

إن تراجع 17 تشرين، برغم الموت الداهم والسقوط الأخير دليل على اننا غير جديرين بالثورة ومتواطئون ابرياء على الحراك.

التاريخ سيصفق للرابحين. لقد صفق التاريخ لمن ورث لبنان بعد قتله في حرب الخمسة عشر عاماً. وطوب اتفاق الطائف زعماء الميليشيات، برعاية دولية وعربية وسورية وأممية… لا تعوًلوا على اخلاقيات الدول العظمى والدول الاقليمية. هذه دول تحسب ارباحها في كل موقف وبعد كل صفقة ومعاهدة وحل.

كنت أود أن أخفي كل شيء. لكن لا. لقد طفح الكيل. إما نكون او لا نكون. وكلي نكون، لا بد من توحيد ما، من اتفاق ما، من جبهة ما، من تنسيق ما، من حد أدنى ما…

إذا لم يحصل ذلك، فأمامنا انهياران: أن ينهار البلد، او أن يفوز الحل الطائفي بعد الانهيار.

فكروا جيداً.

نحن اليوم على حافة الرغيف. قد تصبح المجاعة دين الفقراء، ويصير العنف صلواتهم… فانقوا الوطن، يا أيها اللاطائفيون.

اتفقوا… او إفرنقعوا.

Leave A Reply