راجانا حمية – الاخبار
لم يعد الحديث عن انقطاع الأدوية من رفوف الصيدليات استثنائياً، في كل يوم هناك دواء أو أكثر يدخل عداد «المفقودين». كما لم يعد استثنائياً انقطاع البدائل الأساسية للأدوية، والتي بات إيجادها يتطلب جولات يومية على الصيدليات… من دون طائل.
لائحة «المفقودين» لم تعد تقتصر على بضعة أصناف، بل عشرات الأدوية التي تغيب بين الفينة والأخرى، لأنه – بحسب أصحاب الصيدليات – لا تكفي الأدوية المسلمة إليهم من المستودعات لتلبية حاجات المرضى في مختلف المناطق. ولئن كان جزء من الأسباب هو فقدان التوازن بين «المطلوبات والموجودات»، إلا أن الأسباب الأخرى المستمرة منذ بدء الأزمة الاقتصادية المالية هي الأشد تأثيراً. إلا أن تفاقم الأمر أخيراً بسبب التأخير في معاملات استيراد الأدوية يوحي كأن هناك اتجاهاً نحو رفع الدعم عنها. ويوماً بعد آخر، يخاف الناس، كما الصيادلة، من حدوث سيناريو كهذا، خصوصاً أن لا شيء يشي بالعكس.
مع ذلك، لم تعد الشكوى محصورة بالناس، إذ بدأ الصيادلة يتململون من واقعهم، مع قرار 600 منهم الإقفال النهائي. تتشعب شكاوى هؤلاء بين النقص في كميات الأدوية المسلّمة من المستودعات وانخفاض المبيع من جهة، وبين جعالتهم المحررة بالليرة فيما تكاليفهم محررة بالدولار الذي يقترب من عتبة الـ15 ألف ليرة.
في الشق الأول من الأزمة، يستوجب الحديث عن أزمة الصيادلة، والناس تالياً، حديثاً عن الأزمة الحاصلة في استيراد الأدوية؛ إذ إنه، بحسب نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، «الحلقة واحدة». وفي هذا الإطار، يبدأ جبارة الحديث عن قطاع الأدوية بالتدليل على «المأساة التي يتسبب فيها تأخر المعاملات في مصرف لبنان، والذي يمتد لأربعة أشهرٍ تقريباً». هذا التأخير الذي يقدّره جبارة بحدود «400 مليون دولار ينعكس انقطاعاً في بعض الأدوية ونقصاً في مخزون بعضها الآخر». لهذه الأسباب، ليس ثمة رقم موحّد لكمية الأدوية الموجودة، إذ إن احتساب هذا الأمر بات يخضع لكل دواء بحاله. ولذلك، يراوح المخزون بين شهر وشهرين على أبعد تقدير. في مقابل ذلك، ثمة أدوية من دون مخزون، «وهي مقطوعة»، خصوصاً تلك التي تشهد إقبالاً كثيفاً، «إذ بمجرد أن تأتي الشحنة تنتهي قبل وصول الشحنة التالية».
أما انعكاسات هذا الأمر، ففراغ رفوف الصيدليات من أدوية الأمراض المزمنة والأمراض المستعصية والأدوية التي تستخدم في إطار العلاج من فيروس كورونا وبعض أدوية الـ»otc» (الأدوية التي تصرف من دون وصفات طبية). ماذا يفعل ذلك الفراغ؟ عدا عن عدم تلبية حاجات الناس التي باتت أزمة دائمة، «تأتي أزمة الصيادلة الذين خسروا مداخيلهم التي كانت تأتي من الجعالة المقدرة من وزارة الصحة العامة بـ22,5% من مبيع الدواء»، يقول نقيب الصيادلة، غسان الأمين. اليوم، يجد الصيادلة أنفسهم بين جعالة بالليرة ومصاريف يدفعونها بسعر دولار السوق السوداء، وهو ما أدى إلى إقفال أبواب عدد كبير من الصيدليات، إما «بداعي الإفلاس أو الهجرة» من جهة، و«السحب من رأسمال الصيدلية» من جهة أخرى. يصف الأمين وضع القطاع اليوم بـ«القابع في غرفة العناية الفائقة على آلة الأوكسيجين». والمطلوب للخروج، «أحد الحلين اللذين تقدمنا بهما». الأول هو تطبيق خطة ترشيد الدواء التي وضعتها وزارة الصحة وتقضي بتصنيف الأدوية «ما بين أدوية أمراض مزمنة ومستعصية تبقى على سعر الدعم، وأخرى أقل استخداماً وأدوية الـotc التي يسعّر بعضها على أساس سعر 3900». أما الحل الآخر الذي تقدمت به النقابة إلى وزارة الصحة العامة، فهو برفع الجعالة «إما على أساس سعر 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة أو بزيادة الجعالة على أدوية معينة، منها تلك التي تصرف بلا وصفات طبية والقليلة الاستخدام». وفي هذا الإطار، تعقد النقابة ورشة عمل بعد غدٍ الجمعة في وزارة الصحة بدعوة من الأخيرة لمناقشة هذه الحلول.
ما دون تلك الحلول، يؤكد أن «الانفجار سيقع». أما كيف؟ يلمّح الأمين هنا إلى خيار الفوضى. وهذا يعيد التذكير بالفوضى الاستشفائية التي طالت تداعياتها المواطنين من خلال تدفيعهم فروقات التسعير. فهل نشهد اليوم تسعيرات مختلفة للدواء نفسه؟ وهل بتنا تالياً أمام «فوضى منظمة» يدفع ثمنها المواطنون؟