غسان ريفي – سفير الشمال
لم يعد هناك أدنى شك بأن ثمّة من يحضر فتنة لطرابلس كان من المفترض أن تبدأ فصولها أمس بإطلاق النار على المواطن غازي ناصر في محله أبي سمراء، وهو سبق وظهر على وسائل الاعلام مهددا بقتل النائب فيصل كرامي الذي سارع الى إستنكار التعرض له وإتخاذ صفة الادعاء الشخصي ضد من أطلق النار عليه، مؤكدا أن من قام بهذا العمل يستهدفه شخصيا و″يستهدف طرابلس ويسعى الى إشعال فتنة لن يكون سببها آل كرامي″.
اللافت أن من حرّض المواطن ناصر حتى أخرجه عن طوره بتهديد كرامي بالقتل لم يستطع حمايته أمس من المجهولين الذين أطلقوا النار عليه، أو ربما يكون هو من أطلق النار عليه تنفيذا لأجندة أمنية تهدف الى وضع الفيحاء تحت نار فتنة بات من مسؤولية الجميع التصدي لها ومعرفة من يقف خلفها خصوصا مع خروج كثير من التحركات الشعبية التي يقودها أشخاص معروفون عن مسارها بشكل يهدد بالفتنة في كل ساعة.
ما شهدته طرابلس بالأمس، كان أقل من جولة ثانية (الجولة الأولى كانت يوم الخميس في 28 كانون الثاني 2021 ونتج عنها إحراق المحكمة الشرعية وبلدية طرابلس) وأكثر من تحرك عفوي إحتجاجا على الأوضاع المعيشية، حيث بدا واضحا أن هناك من يسعى لشراء إشكال، أو إشعال فتنة، من خلال جولات إتسمت بالعنف في مبان مختلفة في أنحاء طرابلس تحت شعار محاصرة منازل النواب أو محاولة إقتحامها حيث عاث فيها من يعتبرون أنفسهم ثوارا فسادا وتكسيرا وتخريبا، في وقت تضم فيه هذه المباني المئات من العائلات الطرابلسية التي لا ناقة لها ولا جمل وليس من حق أي كان إرهابها بهذا الشكل، أو خنقها في منازلها بدخان الاطارات المشتعلة.
كما جاء رشق الحجارة من قبل المحتجين في أكثر من مكان وشارع ليلحق أضرارا فادحة بهذه المباني وبالسيارات المركونة في الشارع والتي تعرضت لأضرار تحتاج الى مبالغ ضخمة لاصلاحها في ظل جنون الدولار والظروف الاقتصادية الصعبة، فهل أصحاب هذه السيارات من الطبقة السياسية؟، وهل بعض المحلات التي تم تحطيم واجهاتها هي من أوصلت البلاد الى هذا الدرك الأسفل من الانهيار؟. وهل مهمة “الثوار” الاعتداء على المواطنين وزيادة أعبائهم أم الوقوف الى جانبهم؟، ولمصلحة مَن يعمل هؤلاء؟ وأين الأجهزة الأمنية المعنية لتقوم بدورها؟، ربما تغض هذه الأجهزة نظرها عن إقفال طريق أو شارع لبعض الوقت، لكن كيف تغض النظر أو تسمح بتحطيم أملاك خاصة عائدة لمواطنين عزل؟، وهل تنتظر أن يبادر هؤلاء الى حماية أنفسهم لتكون الكارثة؟.
لا يختلف إثنان على أن الوضع المعيشي لم يعد يُحتمل وأن الفقر والجوع طرقا كل البيوت، لكن لا يختلف إثنان أيضا أن هناك من يريد إستغلال الأوضاع للتفتيش عن الدم في طرابلس، فما يحصل لم يعد بريئا، ولم يعد من الممكن السكوت عنه كونه فاق كل الحدود، فمن غير الطبيعي أن يتحكم بالمدينة مجموعات تدور حول إنتماءاتها شبهات كثيرة تقتحم وتحطم وتشتم وتنتهك الخصوصيات من دون أن يردعها أحد، ومن غير الطبيعي أن تشهد الأحياء الداخلية في التبانة والزاهرية وباب الرمل ومحرم والخناق وأبي سمراء وفي ساحة النور عمليات قطع بالاطارات المشتعلة التي تنفس دخانها المسموم الى المنازل، خصوصا أن في تلك المناطق لا يقطنها مسؤولون سياسيون بل فقراء معدمون من ضحايا السياسات الخاطئة.
يسأل كثير من المتابعين، لماذا طرابلس بالذات؟، وهل شهدت مدنا ومناطق أخرى إقتحامات لأبنية يقطن فيها نوابا أو وزراء تخللها تكسير الأملاك الخاصة وتعريض المواطنين لخسائر فادحة؟ وهل بهذه الاقتحامات يتراجع سعر صرف الدولار وتنتهي الأزمات وتعود الأسعار الى طبيعتها؟، وهل بالاعتداءات على حرمات البيوت تكون الثورة وتستمر؟.
ويقول المتابعون: “المخطط بات واضحا، وهو إستخدام طرابلس من جديد لاشعال الفتنة، وهي لم تنجح في الجولة الأولى، فكانت تجربة ثانية في حراك الأمس، وقبل كل ذلك، يقضي المخطط بأن يصار الى تهشيم صورة القيادة السياسية في المدينة لاضعافها أو تهشيلها أو إستدراجها الى لعبة الدم، عندها يحصل الفراغ المطلوب، وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فإن البديل سيكون أصحاب الفتنة الذين قد يقودون طرابلس الى الهاوية، الأمر الذي يتطلب وقفة جدية من قبل الطرابلسيين الذين إذا ما إستمروا في إنكفائهم قد يجدون أنفسهم تحت التهديد من دون أن يكون لأي كان القدرة على حمايتهم.. لذلك أقفوا محاولات إشعال الفتنة قبل فوات الأوان.