كان ينقص إطلاق الاتحاد الأوروبي تحذيراً مساء امس من ان “لبنان على وشك الانهيار وفرنسا طلبت تدخلاً أوروبياً لمواجهة الازمة”، لكي تكتمل صورة يوم اقل ما يوصف به انه شكل النقلة الأشد خطورة في الازمة السياسية الحكومية المفتوحة بما يضع لبنان امام مواجهة كبيرة من “الطراز” الاستثنائي في مصيريتها. بالمواقف والاتجاهات وأيضا بالوثائق هذه المرة، انفجر الصراع الكبير على غاربه بين رئيس الجمهورية ميشال #عون والرئيس المكلف سعد #الحريري في اليوم الذي طوى فيه التكليف شهره الخامس وعلى نحو لا تشبهه عشرات الازمات الحكومية السابقة في تاريخ الطائف وما قبله. واذا كان اخفاق اللقاء الـ18 بين الرئيسين عون والحريري لم يفاجئ أحداً لانه كان ضمن التوقعات والمعطيات المعروفة مسبقاً، فان الامر الذي تجاوز أسوأ التوقعات قفز فجأة الى ما يمكن تصنيفه في أخطر محاولة انقلابية فعلا تولاها رئيس الجمهورية وفريقه في الساعات التي فصلت عن موعد اللقاء ليس للتخلص فقط من الحريري ودفعه الى الاعتذار، وفق ما كان خيّره الرئيس عون في رسالته العلنية الأسبوع الماضي، وانما أيضا لتفجير تطور انقلابي على ركيزة جوهرية من ركائز الطائف المتصلة بصلاحيات الرئيس المكلف بما يشكل واقعيا “حرب الغاء” أخرى على الطائف والحريري سواء بسواء. ذلك انه لم يسبق في سجل سوابق الازمات الحكومية ان بلغ الامر برئيس للجمهورية ان وضع توزيعة مفصلة بتركيبة حكومية وأرسلها الى الرئيس المكلف “للبصم” وتعبئة ما طلبه من فراغات بعدما اقتطع لنفسه وفريقه #الثلث المعطل. فعل ذلك الرئيس ميشال عون بتعمد مزدوج واضح، أولا لإكمال نهجه في إهانة الرئيس الحريري وإقصائه، وثانيا في محاولة لتوظيف تطورات حصلت أخيرا وقرأ فيها وفريقه امكان التجرؤ على بروفة أولية لحرب الغائية للطائف. والحال ان عون وفريقه استندا في محاولة الإقصاء الفاشلة للحريري توظيف امرين، الأول الخطاب التهويلي الأخير للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في اتجاه سياسي انقلابي على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف واقتناص صلاحيات مخالفة تماما ومنتهكة للدستور لرئيس الجمهورية. والثاني “المرونة” التي اتسمت بها زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لقصر بعبدا السبت والتي فسرها العونيون استدارة لمحاصرة الحريري ودفعه نحو التنازلات امام عون. وهو الامر الذي يفسر إقدام عون وفريقه على ارسال تركيبة حكومية من بعبدا الى بيت الوسط عصر الاحد لضرب حديد هذا التوظيف وهو حام ومحاولة حشر الحريري مسبقا في الزاوية. ولكن ما لم يحسب له الفريق الرئاسي لدى فكرة توجيه الرسالة – الإنذار إلى الحريري تكرر بعد اقل من أسبوع اذ انبرى الرئيس المكلف الى اسقاط مجمل هذه المحاولة من خلال إبلاغه الى عون رفضه القاطع لمحاولته شكلا ومضمونًا من جهة، ومن ثم الى اعتماده أسلوب المكاشفة التامة لكل الوقائع امام الرأي العام وبالوثائق عبر توزيع تشكيلته بالحقائب والاسماء والسير الذاتية. وحين جاء رد المديرية العامة لرئاسة الجمهورية مجتزءا “ومضللا”، عاد الحريري الى الجولة الأكثر سخونة فكشف هذه المرة صورة الوثيقة التي تثبت بما لا يحتمل جدلا تورط رئيس الجمهورية في الانتهاك الدستوري المثبت. كما اثبت كشف الوثيقة ان عون نسف تركيبة الاختصاصيين المستقلين “ووزع” الحقائب على أساس حزبي وسياسي خالص بما يعني نسف المبادرة الفرنسية أيضا.
الانفجار
وسط أجواء محمومة لم يدم لقاء عون والحريري سوى 22 دقيقة خرج بعدها الحريري متجهما ليعلن “مع الاسف، أرسل لي فخامة الرئيس بالأمس تشكيلة كاملة من عنده، فيها توزيع للحقائب على الطوائف والأحزاب، مع رسالة يقول لي فيها أنه من المستحسن أن أقوم بتعبئتها. وتتضمن الورقة ثلثا معطلا لفريقه السياسي، بـ 18 وزيرا أو 20 أو 22 وزيرا. وطلب مني فخامته أن أقترح أسماء للحقائب بحسب التوزيعة الطائفية والحزبية التي حضرها هو”. وأضاف “بكل شفافية، سأقول لكم ما قلته له اليوم. أولا: أنها غير مقبولة لأن الرئيس المكلف ليس عمله أن يقوم بتعبئة أوراق من قبل أحد، ولا عمل رئيس الجمهورية أن يشكل حكومة. وثانياً، لأن دستورنا يقول بوضوح أن الرئيس المكلف يشكل الحكومة ويضع الأسماء، ويتناقش بتشكيلته مع فخامة الرئيس. على هذا الاساس، أبلغت فخامته بكل احترام، أني أعتبر رسالته كأنها لم تكن، وقد أعدتها إليه، وأبلغته أيضا أني سأحتفظ بنسخة منها للتاريخ “. ووزع تشكيلته التي وضعها قبل مئة يوم في عهدة عون.
اما رئاسة الجمهورية فردت بانها “فوجئت بكلام رئيس الحكومة المكلف، وأسلوبه شكلاً ومضموناً”، وبررت ما كشفه بان “رئيس الجمهورية وانطلاقاً من صلاحياته ومن حرصه على تسهيل وتسريع عملية التشكيل لا سيما في ضوء الظروف القاسية التي تعيشها البلاد، أرسل الى رئيس الحكومة المكلف ورقة تنص فقط على منهجية #تشكيل الحكومة وتتضمن 4 أعمدة يؤدي اتباعها الى تشكيل حكومة بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف”. وقالت أنّ “رئيس الجمهورية حريص على تشكيل حكومة وفقاً للدستور، وكل كلام ورد على لسان رئيس الحكومة المكلف وقبله رؤساء الحكومات السابقين حول أن رئيس الجمهورية لا يشكل بل يصدر، هو كلام مخالف للميثاق والدستور وغير مقبول، اما الثلث المعطل فلم يرد يوماً على لسان الرئيس”.
ورد المكتب الاعلامي للرئيس الحريري مؤكداً انه منذ تكليفه وبدء اجتماعاته “كان رئيس الجمهورية يصر في كل اجتماع على التمسك بحصوله على الثلث المعطل، وهذا الامر لم يتغير من البداية وحتى اليوم”. وأسف “بشدة لاقحام المديرية العامة لرئاسة الجمهورية ببيان لتضليل اللبنانيين وتزوير الحقائق والوثائق” ونشرت على الاثر الاوراق كما وصلت من رئيس الجمهورية. وتبين الوثائق بوضوح جدولا مفصلا وضعته رئاسة الجمهورية لتوزيع الحقائب الوزارية تفصيليا على الأطراف والطوائف وفق صيغتي 18 و20 وزيرا وتترك خانة الأسماء وحدها فارغة.
وحاولت مصادر بعبدا التعمية على انكشاف محاولاتها فاتهمت الحريري بانه حضر الى بعبدا بنية مسبقة بالتصعيد وان عون لم يرسل اليه أسماء في “ورقة المنهجية” على أساس ان يقترح الحريري الأسماء وياتي لمناقشتها مع الرئيس عون. ووفق رواية هذه المصادر فان عون قال للحريري امس “اعتبر هذه الورقة ما كانت وننطلق من الصيغ التي طرحناها سابقا ونتفاهم عليها” ورد الحريري “خلص انا لا اريد سوى التشكيلة التي قدمتها من 18 وزيرا وبالاسماء الواردة فيها “. ثم اتبعت ذلك بالزعم ان الصيغة التي وزعها بيت الوسط سلمت في 9 كانون الأول الماضي.
#شينكر والثلث المعطل
وفي غضون ذلك اكد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى سابقا ديفيد شينكر أنه “لا يزال هناك الكثير مما يلزم عمله في ما خص لبنان”، وقال”لبنان يزخر بالأشخاص الذين لا يتعاونون مع “حزب الله” وحسب وإنما هم فاسدون فسادًا فاحشًا.” وأضاف في حديث الى قناة “الحرة” ان “المشكلة الحقيقية أن #الفساد يطال كل جزء من جوانب الحكم في لبنان، لدرجة أنه يتعذر تشكيل حكومة الآن، لأنه يبدو أن الوزير جبران #باسيل والرئيس ميشال عون يتمسكان بثلث معطل في الحكومة الجديدة بسبب تطلعات جبران باسيل الشخصية لضمان ان يكون الرئيس المقبل للبنان”.
باريس وواشنطن
ووضعت فرنسا ملف الازمة اللبنانية على طاولة اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي امس اذ أشار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الى أنه طلب من نظرائه في الاتحاد الأوروبي النظر في سبل مساعدة لبنان الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود. وقال لدى وصوله إلى الاجتماع إن “فرنسا تتمنى أن نبحث قضية لبنان اذ لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقف مكتوف الأيدي ولبنان ينهار”. وأضاف “البلد يسير على غير هدى ومنقسم وعندما ينهار بلد ما يجب أن تكون أوروبا مستعدة” .
ومساء امس، أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن “قلقها حيال الوضع في لبنان وعجز القيادة فيه” ، داعية “القادة السياسيين إلى وضع انتماءاتهم الحزبية جانبا وتشكيل حكومة في اسرع وقت تعالج الأزمات المتعددة في لبنان”