لم تحجب الحركة الدبلوماسية اللافتة التي شهدها البلد يوم أمس وبخاصة القصر الجمهوري في بعبدا الخبر الاساس الذي صدر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمية اللذين حذرا من انعدام الامن الغذائي لجزء من سكان اليمن وسوريا ولبنان والصومال، ونبها الى امكانية أن تؤدي الأزمة الاقتصاديّة في لبنان إلى ارتفاع مستوى الاضطرابات وأعمال العنف. وبذلك نكون عمليا انتقلنا ليس فقط لمصاف الدول الفاشلة انما المهددة بالمجاعة والعنف نتيجة أداء مسؤولين هم أبعد ما يكونون عن تحمل المسؤوليات، لا بل أكثر من ذلك تراهم يمعنون في دفع البلد عن حافة الهاوية من خلال تعنتهم بممارسة سياسة التكبر والاستعلاء كما النكد والنكايات غير آبهين لانحدار 60% من اللبنانيين تحت خط الفقر وعودة الدولار الواحد يوم أمس ليلامس الـ 14 الف ليرة لبنانية بعد ان كان قد تراجع في نهاية الاسبوع الماضي الى حدود الـ 10 آلاف ليرة.
البخاري في بعبدا:هدف في مرمى الحريري؟
وانشغل الجميع بعد الظهر بتحليل خلفية الزيارتين المتتاليتي اللتين قام بهما السفير السعودي في لبنان وليد البخاري وسفيرة فرنسا في لبنان السيدة آن غرييو الى قصر بعبدا، واللتين تبين انهما جاءتا تلبية لدعوة رئيس الجمهورية. وتقول مصادر مطلعة على جو الحراك الذي شهده قصر بعبدا لـ «الديار» ان «حصول الزيارتين في هذا التوقيت هو بحد ذاته رسالة لمعرقلي عملية تشكيل الحكومة ومعها للعملية الاصلاحية الواجب الانطلاق بها سريعا لانتشال البلد في ما يتخبط فيه»، موضحة ان «الدعوة كانت قد وجهت للسفير البخاري خلال لقاء الموفد الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي به قبل نحو 10 أيام، وكلامه كان واضحا بوجوب الاسراع في تشكيل الحكومة عسى ان يعتبره الحريري ضوءا أخضر كان ينتظره للشروع بانجاز هذه العملية».
وبحسب بيان صادر عن قصر بعبدا، شرح الرئيس عون للسفيرة غرييو الاشكالات التي رافقت مراحل تشكيل الحكومة، مؤكداً تمسكه بالمبادرة الفرنسية كمشروع انقاذي للبنان، ومشدداً على العمل من اجل الوصول الى تشكيل حكومة جديدة تواجه التحديات الراهنة على مختلف الاصعدة. وفيما فضلت السفيرة الفرنسية عدم الادلاء بتصريح خلال مغادرتها، قال البخاري من بعبدا ان «الرؤية السعودية للبنان تنطلق من مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة التي تؤكد احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها»، مشدّدا على أنّ «سيادة لبنان إنجاز تاريخي تحقق عبر نضالات الشعب اللبناني، ونحن نحترم هذه السيادة». واضاف: «أكدت للرئيس عون التزام المملكة بسيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه، وضرورة الاسراع في تأليف حكومة قادرة على تلبية ما يتطلع اليه الشعب اللبناني، وشددت على ضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا للشروع الفوري بتنفيذ إصلاحات جذرية تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان». وأشار البخاري الى أنّ «إتفاق الطائف هو المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، لافتا الى انه أطلع الرئيس عون على مبادرة السعودية للسلام في اليمن، «ورحب فخامته بهذه المبادرة».
وتعاطى مناصرو «التيار الوطني الحر» مع زيارة البخاري الى بعبدا على انها هدف سجلها عون في مرمى الحريري، أقله بالشكل.
وتزامنت زيارتا السفيرين السعودي والفرنسي الى بعبدا مع زيارتين قام بهما سفير الكويت عبد العال القناعي الى بيت الوسط للقاء الرئيس المكلف سعد الحريري وكليمنصو للقاء رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.
الراعي متمسك بتدويل الأزمة
ولم يقتصر الحراك الدبلوماسي يوم أمس على ما سبق، اذ كان الأبرز الاتصال الهاتفي الذي أعلن عنه بين البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، والذي أعرب خلاله الاخير عن «اهتمامه الشديد بالوضع اللبناني وبضرورة تأليف حكومة والحفاظ على لبنان بعيدا عن الصراعات». من جهته، لم يتردد الراعي بطلب مساعدة اممية لتخطي الأزمة، ما يندرج باطار دعوته المستمرة لـ «التدويل». وشرح البطريرك «حال اللبنانيين وموقف الدولة وعجز الجماعة السياسية عن الجلوس معاً والاتفاق على مشروع إنقاذي، في وقت انتشر فيه الجوع والفقر وتدهورت العملة الوطنية وشارف البلد على الانهيار التام». وأبلغ الراعي الأمين العام أن «اللبنانيين ينتظرون دورا رائدا للأمم المتحدة، ولا سيما أن لبنان عضو مؤسس وفاعل في المنظمة الدولية منذ تأسيسها»، كما اطلع البطريرك غوتيرس على الأسباب الموجبة التي دفعته إلى المطالبة بحياد لبنان وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان.
وبحسب معلومات «الديار»، تشهد دوائر القرار سواء في باريس او الولايات المتحدة الاميركية كما عربيا، وبالتحديد على مستوى جامعة الدول العربية، دفعا باتجاه اجراءات دولية سريعة ومنسقة لتفادي «الانفجار اللبناني الكبير»، من دون ان يتم حسم ما اذا كانت هذه الاجراءات ستكون على شكل عقوبات على عدد من المسؤولين اللبنانيين والذين سيتم التعاطي معهم كـ»معطلين» لعملية التشكيل أو مؤتمرا دوليا لحل الأزمة اللبنانية او دعوة للأطراف اللبنانيين لطاولة حوار على غرار ما حصل في الدوحة عام 2008.
وفي هذا الاطار، لفت ما نقله الأمين العام المساعد السفير حسام زكي عن الأمين العام أحمد أبو الغيط الذي قال انه «يستشعر قلقا كبيرا جراء ما تشهده الساحة السياسية من سجالات توحي بانزلاق البلاد نحو وضع شديد التأزم ملامحه باتت واضحة للعيان». وأكد زكي استعداد الجامعة العربية لـ «القيام بأي شيء يطلب منها لرأب الصدع الحالي وصولا الى معادلة متوافق عليها تمكن الرئيس المكلف من تشكيل حكومته من دون تعطيل وفق المبادرة الفرنسية التي ايدها مجلس الجامعة في اجتماعه الاخير في 3 آذار الحالي، حكومة تستطيع ان تعمل بمهارة الاختصاصيين على انقاذ لبنان من وضعه المأزوم الحالي عبر تنفيذ إصلاحات ضرورية تلبي تطلعات ومطالب الشعب اللبناني».
كذلك صدرت مواقف لافتة عن نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي التي التقت عون واطلعته على المداولات التي دارت خلال احاطة مجلس الامن الدولي بمجريات قرار مجلس الامن الرقم 1701. وقال بيان قصر بعبدا ان البحث ضرورة تشكيل حكومة جديدة لمواجهة التطورات الراهنة وتحديد الاولوليات لاعادة النهوض بالبلاد. واكد عون للمسؤولة الدولية ان لبنان حريص على تعزيز التعاون بين الجيش اللبناني والقوات الدولية العاملة في الجنوب ( اليونيفيل) لتثبيت الاستقرار في المنطقة الجنوبية، لافتا الى ما خلفه تسرب المواد النفطية من شواطئ فلسطين المحتلة الى الشواطئ اللبنانية من اضرار في الثروة البيئية والمائية التي ظهرت بعد المسح الميداني والجوي الذي اجري للمياه والشواطئ اللبنانية.
ولاحقا اصدرت رشدي بيانا دعت فيه القادة السياسيين اللبنانيين إلى التركيز بشكل عاجل على تشكيل حكومة تتمتع بالصلاحيات كخطوة أساسية لمعالجة أزمات البلاد المتعددة والخطرة ولتطبيق الإصلاحات المطلوبة. وقالت «يجب المضي قدماً بهذه الخطوة التي لم تعد قابلة للتأجيل بعد الآن». كما دعت رشدي القادة اللبنانيين إلى ترك خلافاتهم جانباً وتحمل مسؤولياتهم وإنهاء حالة الشلل القائم والاستماع إلى دعوات اللبنانيين اليائسة، وصولاً إلى توفير الحلول للشعب اللبناني.
رؤساء الحكومات يتضامنون مع الحريري
وكما كان متوقعا، عقد بعد ظهر أمس رؤساء الحكومة السابقون اجتماعا في بيت الوسط تضامنا مع الحريري، أعربوا خلاله عن أسفهم واستغرابهم من «التصرفات والمواقف التي تخالف الدستور وتخرج عن الاطار المألوف واللياقات والاعراف في تشكيل الحكومات في لبنان وتجاوز الرئيس عون لأحكام الدستور وكأن المقصود إحراج الحريري لإخراجه».
وفي بيان تلاه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، دعوا إلى خطوات من أجل أن تشكل حكومة مهمة محددة بعيداً عن الدخول في سياسات المحاور لتستطيع بذلك حل الأزمة الإقتصادية ونيل ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي.
انفجار المرفأ : تكثيف الاستجوابات
في هذا الوقت، يبدو ان المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، قرر تسريع تحقيقاته بعدما انهى على الارجح النظر في الملف وأوراق القاضي فاضي صوان.فقد أفيد يوم أمس عن استجوابه الضباط الأربعة الموقوفين في القضية، وهم الرائد في جهاز أمن الدولة جوزيف النداف، العميد في مخابرات الجيش انطوان سلوم، والرائدين في الأمن العام داود فياض وشربل فواز، وذلك في حضور وكلاء الدفاع عنهم، وفي حضور المحامي يوسف لحود عن نقابة المحامين في بيروت التي تمثل جهة المدعي الشخصي، على ان يستكمل اليوم الأربعاء ويوم الجمعة المقبل استجواب باقي الموقوفين في هذا الملف. وكان القاضي بيطار استجوب الاثنين عشرة موقوفين معظمهم من فرق الصيانة والعمال في المرفأ. وقالت مصادر قضائية مطلعة على الملف لـ «الديار» ان القاضي بيطار سيكثف عمليات الاستجواب في الاسبوعين المقبلين حرصا منه على التوصل لخلاصات سريعة كما كان قد وعد أهالي الضحايا، لافتة الى ان الاستجوابات ستشمل سياسيين ومسؤولين كبار ولن تقتصر على الموقوفين حاليا في هذه القضية.
استعادة الاموال المنهوبة الى الهيئة العامة
أما نيابيا، فبرز يوم أمس اقرار اللجان النيابية المشتركة قانون استعادة الاموال المنهوبة، تمهيدا لاحالته الى الهيئة العامة للتصويت عليه. وقال رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان: «لقد اقرّ اقتراح القانون المقدم من تكتل لبنان القوي، مع تعديلات اللجنة الفرعيــة واللــجان المشتركة. وهو يضاف الى منظومة القوانين الأخرى التي صدرت في الفترة السابقة من الاثراء غير المشروع، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وحماية كاشفي الفساد، ورفع السرية المصرفية والتدقيق الجنائي وسواها. وهذا يعني ان المجلس النيابي، ولا سيما اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان المشتركة ولجنة المال والموازنة قامت بواجباتها، في هذا الموضوع الاساسي، والمطلوب اقراره في الهيئة العامة، ليبقى الاهم القضاء المستقل والتنفيذ».