السبت, نوفمبر 23
Banner

الجمهورية: دروب التأليف مقفلة.. والرئيسان متنافران.. والفراغ الحكومي.. طويل

كل الدروب المؤدية الى تشكيل حكومة مسدودة بالكامل، وكل التمنيات والرغبات والوساطات الرامية الى جسر العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، آلت الى الفشل والإحباط، لسبب بسيط، انّ التعايش السياسي والحكومي، وحتى الشخصي بينهما صار مستحيلاً. وامام استحالة هذا التعايش بين عون والحريري، مكتوب على لبنان ان يبقى في حال فقدان تام للتوازن على كل المستويات، ومقبوضاً على الحكومة داخل قضبان لعبة عبثية، مع ما يرافقها من تحلّل سياسي، وفلتان نقدي مفتوح على مخاطر رهيبة، وفراغ على مستوى السلطة والقرار، تنذر بانتقال البلد الى أزمة اكبر؛ ليس فقط ازمة حكومة، بل ازمة نظام ودولة أجهزت عليها ذهنية التشفي، وادارة البلد بنكايات وكيديات لم يشهدها لبنان على مرّ تاريخه.

الواضح من الأجواء السائدة بين شريكي التأليف، انّ كل الشعرات والخيوط الرفيعة التي كانت تصل بينهما قد قُطعت بالكامل، وما يتسرّب من هذا الجانب او ذاك، يشي بأنّهما ينحيان في الاتجاه التصادمي، واستخدام كل الاسلحة والسياسية وغير السياسية على حلبة الاشتباك المتصاعد بين عون والحريري، التي حوّلها بعض «مستشاري الزمن الرئاسي الحالي»، ملعباً لأفكارهم التخريبية الرامية، لصبّ الزيت على نار الخلاف بين الرئيسين، والهدف واضح؛ ادارة دفة البلد في اتجاه القبض الكامل عليه، إرضاء لبعض المقامات وفي خدمة بعض الطموحات على حساب شعب صار فقيراً، ووطن صار مهدّداً بالزوال.

الحقد الشخصي

هذا الإنسداد، مردّه، كما تؤكّد مراجع سياسية، «الى اختلاط الحقد الشخصي بالسياسة، وهنا تكمن المصيبة الكبرى للبنان، فالحقد لا يبني دولة، ومع الاسف، هناك من هو مصرّ على أن يعيش في حقده على لبنان واللبنانيين، ويضحّي بكل شيء في سبيل غايته الشخصية، هذه هي حقيقة التعقيد الحاصل، ويجب الّا نتوقع انفراجاً حكومياً في المدى المنظور».

وفي هذا السياق، اعترف مرجع مسؤول مواكب عن كثب لمسار الملف الحكومي لـ»الجمهورية»، بانعدام كل فرص تشكيل حكومة بالتوافق بين عون والحريري، اذ انّ كل الاطراف كشفت أوراقها، وصار كلّ طرف أسير موقفه وشروطه، وبالتالي فإنّ كلّ ما دار من لقاءات ووساطات ومحاولات للتقريب وتدوير الزوايا، كانت كلّها خارج صحن التأليف، في ظلّ قرار متخذ منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة بالسعي الى إحراجه فإخراجه، وعدم السماح له بتشكيل حكومة، وهو أمر يدفع ثمنه البلد والناس.

موقف الحزب

في هذه الاجواء، برز موقف لافت لـ»حزب الله» عبرت عنه كتلة الوفاء للمقاومة، التي اعتبرت بعد اجتماع برئاسة رئيسها النائب محمد رعد «أن تشكيل الحكومة يمثل البديل الوطني عن الفوضى التي تتهدد الجميع، خصوصاً بعدما بات اللبنانيون يدركون مخاطر الانهيار الشامل وأهمية وجود حكومة تقوم بواجباتها وتحول دون وقوع الانهيار». واكدت «أنه رغم النتيجة الصادمة للبنانيين، والتي انتهى إليها اجتماع بعبدا يوم الإثنين الماضي إلا أنّ الإصرار على ولادة الحكومة وتذليل العقبات أمامها، يبقى هو المسار الصحيح الذي ليس له بديل».

ورأت الكتلة «انّ حكم البلاد يتطلب تعاوناً شفافاً بين الرؤساء في بلدنا، وفق النصوص الدستورية من جهة والمرونة التي تقتضيها الإدارة لتحقيق إنجازات من جهة أخرى.. وإن مراعاة هذين الأمرين معاً، من شأنها أن تطيل عمر الحكومات بحسب استقراء تجارب الحكومات السابقة. كما أن الاستناد إلى الصداقات الدولية والإقليمية والاعتماد على الدعم الخارجي، لا يكفيان لوحدهما لإطالة عمر أي حكومة، من دون مراعاة الدستور والقوانين المرعية الإجراء والمرونة المطلوبة في إدارة شؤون الحكم. وبناء عليه، فإننا ندعو الجميع إلى اعتماد الأصول والواقعية في مقاربة أي شأن من شؤون الحكم والإدارة لأن في ذلك سر النجاح والتوفيق».

ولفتت الى «ان المنطقة من حولنا تتهيأ لترتيبات جديدة تتنافس دول كبرى وإقليمية على صياغتها وفقاً لمقتضيات مصالحها وما يخدم سياساتها المرحلية المعتمدة، وإن الدول الضعيفة والتائهة في المنطقة يجري في الأغلب تحميلها الخسائر أكثر من غيرها في هذا السياق. ومن هنا فإن الإسراع في تشكيل الحكومة يوفر على لبنان الكثير من الخسائر التي يمكن أن تفرض عليه في ظل غياب حكومة قادرة على الدفاع عن حقوقه ومصالحه. وبناء عليه، فإن الحكومة التي تحظى بأوسع ثقة بها في المجلس النيابي هي الحكومة التي يعوّل عليها لحماية سيادة لبنان وتوظيف العلاقات الدولية والإقليمية لدفع الأضرار عنه فضلاً عن تحقيق المكاسب والمنافع».

التفعيل… هرطقة

في سياق متّصل، وأمام انسداد افق التأليف، بقي الحديث في بعض الصالونات السياسية مركّزا حول امكان تفعيل حكومة تصريف الاعمال على النحو الذي يمكنها من مواكبة فاعلة للازمة الراهنة.

وفيما عكست مصادر مسؤولة في حكومة تصريف الاعمال ان الرئيس حسان دياب ليس في هذا الوارد، قالت مصادر مجلسية لـ»الجمهورية»: ان كل كلام عن تفعيل حكومة تصريف الاعمال هو هرطقة قانونية ودستورية ونابع عن جهل كلي للاصول. اذ لا يوجد اي سبيل على الاطلاق لهذا التفعيل تحت أيّ عنوان، ولا يمكن ان تعطى الحكومة المستقيلة اي مقويات او تمكنها من تجاوز الحدود الضيقة لتصريف الاعمال التي دخلت فيها منذ استقالتها في آب الماضي».

ولفتت المصادر الى ان السبيل الوحيد لتفعيل الحكومة المستقيلة هو إجراء تعديل دستوري، وهذا التعديل من سابع المستحيلات، اذ انه غير مطروح اساسا، ولكن ان طرح، فسيفتح الباب على بازار رهيب لا خروج منه يبدأ مع طرح معين ولا ينتهي مع سلسلة طويلة من الطروحات التي تتناول الثغرات الكبرى التي تعتري الدستور، ما يعني اننا نكون في مشكلة فنصبح في مجموعة مشكلات مع ما يرافقها من ضجيج اشبه ما يكون بسوق نخاسة وقرقعة طناجر سياسية لا يتأتى منها سوى المزيد من التوتير والازعاج والاحتقان السياسي والطائفي والمذهبي.

دياب

الى ذلك، قال دياب في بيان امس: بكل أسف، بعد مرور حوالى ثمانية أشهر على استقالة حكومتي، لم تنجح الجهود بتشكيل حكومة جديدة تستكمل ورشة الإصلاحات التي بدأتها حكومتنا بهدف وضع لبنان على سكة الإنقاذ من الواقع المالي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي.

اضاف: إن الأمور تجاوزت حدود المنطق، وتحوّل تشكيل الحكومة إلى أزمة وطنية، ما أدى ويؤدي إلى تفاقم معاناة اللبنانيين في ظل هذا الدوران السياسي المخيف في الحلقة المفرغة بحثًا عن تسويات لم تفلح في تفكيك عقد تشكيل الحكومة. وبدل أن يتساعد الجميع في الدفع لتشكيل حكومة جديدة، تصاعدت وتيرة المطالبة بتفعيل الحكومة المستقيلة من جهة مقابل تحذيرات من خرق الدستور من جهة أخرى، بينما صدرت بعض الأصوات التي تتهمنا بالتقاعس عن تصريف الأعمال.

واعتبر ان الجدل القائم حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال يؤكّد الحاجة إلى تفسير دستوري يحدّد سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة في ظل الواقع القائم الناتج عن تأخّر تشكيل حكومة جديدة. وإن هذا التفسير هو في عهدة المجلس النيابي الكريم الذي يمتلك حصرًا هذا الحق، كما أكد المجلس نفسه سابقًا. أما بالنسبة إلى تصريف الأعمال، فإن الحكومة المستقيلة لم تتوان عن القيام بواجباتها في أعلى درجات تصريف الأعمال، ولم تتوقّف عجلة العمل الوزاري في جميع الوزارات، وكذلك بالنسبة لرئاسة الحكومة. إن الأزمة تتفاقم وتزيد من الضغوط على اللبنانيين، وتكفي مشاهد المعاناة في مختلف القطاعات، للتأكيد أن الأزمة كبيرة جدًا، وتحتاج إلى تقديم المصلحة الوطنية على أي حساب آخر. إنّ تشكيل الحكومة يبقى أولوية الأولويات، ولا يتقدّم عليها أي عمل اليوم، ويجب أن يتعاون كل المعنيين من أجل إنجاز هذه المهمة الوطنية».

لا حراك

الى ذلك، وفي موازاة هذا التعقيد، لم تشهد الساعات الماضية اي حراك على مستوى الرئيسين عون والحريري، وان كانت المشاورات مستمرة بين بيت الوسط وعين التينة، وكذلك على مستوى الثنائي الشيعي، اضافة الى حراك غير معلن للواء عباس ابراهيم.

باريس

يتزامن ذلك، مع اشارات غير مريحة وردت من باريس حيال ما آل اليه الوضع بين الرئيسين عون والحريري وفشلهما في الاتفاق على تشكيل حكومة.

ونقلت مصادر ديبلوماسية من باريس ان الايليزيه تبلغ باستياء تطورات الوضع الحكومي في لبنان، وقالت انّ لدى الجانب الفرنسي برنامج تحرّك في اتجاه لبنان، لكن من دون ان تحدد موعدا لهذا التحرك. الا ان المصادر لم تستبعد ان يُعبّر عن هذا التحرّك بإرسال موفد فرنسي الى لبنان في مدى غير بعيد، يرجّح أن يكون المستشار باتريك دوريل، علماً انّ المستويات الرسمية الفرنسية جددت التأكيد انّ الرئيس ايمانويل ماكرون لن يتخلى عن لبنان، كما انه لن يتخلى عن التزامه الكلي الذي قطعه بالوقوف الى جانب الشعب اللبناني، وعدم تركه للمصير الصعب الذي ينتظره جراء تفاقم الازمة السياسية والاقتصادية في لبنان.

ورداً على سؤال، اوضحت المصادر ان باريس كانت حاضرة في الملف اللبناني بزخم واضح، ودعم كامل من الشركاء الدوليين وتحديداً من مجموعة دول الاتحاد الاوروبي، وهي على تواصل مستمر مع القيادات في لبنان، سواء من باريس او عبر السفيرة غريو في بيروت، وغايتها الاساس السعي الى تقريب وجهات النظر تمهيدا لتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري تتولى مهمة الانقاذ وفق الآلية المحددة في المبادرة الفرنسية، ولكن مع الأسف لم تلق الاستجابة المطلوبة من القادة اللبنانيين، حيث كانت باريس وما زالت تنتظر أي اشارة ايجابية، تعاكس المنحى السلبي الذي انتهجه هؤلاء القادة وتعمدوا فيه وضع المطبّات والعراقيل امام المبادرة منذ إطلاقها في الصيف الماضي، وما يزالون حتى الآن، في تحدّ واضح للشعب اللبناني الذي يعاني، وللمجتمع الدولي الذي اكد وقوفه الى جانب لبنان وتشكيل حكومة تباشر بالاصلاحات وتستعيد الثقة بلبنان، وبالتالي تفتح باب المساعدات الدولية اليه.

واكدت المصادر انّ الوقت حان لكي يفي اللبنانيون بالتزاماتهم تجاه بلدهم، وتجاه المبادرة الفرنسية، ليس بالكلام فقط، بل بالاستجابة العملية. وفي المقابل فإنّ باريس ستبقى حاضرة مع اللبنانيين، وما زالت على التزامها بدفع الامور في لبنان في الاتجاه الذي يحقق اماني الشعب اللبناني وتطلعاته».

الاستقرار يمهد للانفراج

من جهة ثانية، ظل الارباك هو السيّد في سوق القطع، وشهد سعر الدولار حالا من اللاإستقرار بحيث تأرجح في الساعات الاربع والعشرين الماضية فوق الـ13000 ليرة للدولار الواحد، بالتوازي مع ارتفاع رهيب في الاسعار.

وفي موازاة الغياب الفاضح للسلطات الرسمية المختصة المعنية بحماية المستهلك، يتفلت التجار والمحتكرون من كل الضوابط، فيما صرخات المواطنين تتعالى من دون ان يرف جفن للممسكين بزمام القرار وتعطيل الحكومة التي تشكل مفتاح الحلول والانفراج، على ما تؤكد مختلف المستويات السياسية في الداخل والخارج.

وفي هذا السياق، قال مرجع مالي مسؤول لـ»الجمهورية»: لبنان حالياً معلق على حبل رفيع، لناحية وضعه النقدي، الاحتياط الالزامي لم يعد بالمستوى الذي يفترض ان يكون عليه بحيث انخفض حجمه نتيجة الضرورات التي يحتاجها البلد، اضافة الى استمرار الدعم على مجموعة من السلع. وانّ استمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي في فترة معينة الى عواقب وخيمة.

واضاف: انّ الوضع اللبناني ليس ميؤوسا منه على الاطلاق خلافاً لكل التهويل الذي يروّج له البعض، بل انّ في الامكان ان يعود الانتظام الى الوضع النقدي بشكل متدرج وسريع في حال دخل لبنان في حال من الاستقرار السياسي، الذي يبدأ بتشكيل حكومة جديدة قادرة على ادارة الوضع واتخاذ قرارات وخطوات إنقاذية سريعة في شتى المجالات.

ولفت المرجع الى انّ سعر الدولار امام الليرة يفوق بأضعاف سعره الطبيعي، اي دون الـ7000 ليرة للدولار، وكل ما هو فوق هذه النسبة هو سعر سياسي جرّاء حال عدم الاستقرار والتشنجات الحاصلة في البلد، الامر الذي احدث إرباكاً خطيراً في السوق، فضلاً عن أن يداً خفية تتلاعب بسعر الدولار عبر منصات إلكترونية موجودة خارج لبنان، عكفت منذ بداية الازمة على ضَخ شائعات وتهويل ادت الى رفع سعر الدولار الى مستويات خيالية.

وقال: مجرّد ان تتشكّل الحكومة ويسلك البلد طريق الاستقرار، فإن الوضع النقدي سيشهد حتماً تبدلات نوعية وقفزات عكسية في سعر الدولار الذي سيتراجع حتماً الى سعره الطبيعي. وبالتالي، فإنّ اي إجراءات يمكن ان يقوم بها مصرف لبنان ستبقى قاصرة على المعالجة طالما انّ الوضع السياسي في حال عدم استقرار، فلتتشكل الحكومة، وانا أجزم بأنّ الوضع النقدي سينحى في اتجاه الانفراج.

وقال المرجع: «صار السكوت على حقيقة ما يجري، وعلى هدف التعطيل المتعمّد لتأليف الحكومة جريمة كبرى، فالمسؤولية تقتضي الاعتراف بأننا امام ازمة تعايش وطلاق بائن بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وبمعنى أدق، ازمة رئيس يرفض ان يجلس مع رئيس آخر، الّا اذا اذعن له وانصاع لرغبته، وتُرجم ذلك بما شهدنا في الايام الاخيرة من خطوات غير مسبوقة في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان، عبر المراسلات الفوقية من بعبدا الى «بيت الوسط»، والتي تقفز فوق الطائف والصلاحيات والدستور وتمسّ بموقع ومعنويات رئاسة الحكومة، وهو الامر الذي تسبب بحال من الاستنفار السياسي وعلى مستوى الطائفة السنّية، رفضاً لهذا التعاطي مع الموقع السنّي الاول».

واكّد المرجع عينه «ان لا مجال على الإطلاق لرأب الصّدع بين عون والحريري ولو تدخلت كلّ الدنيا. فالمجتمع الدولي بأسره يتقاطع عند الدعوة الى تشكيل حكومة برئاسة الحريري تتولّى مهمة الإنقاذ والاصلاح، الّا انّ هذه الدعوة تصطدم بعامل داخلي يتسلّح بما يسمّيها معايير يسعى من خلالها الى ان يحظى بالثلث المعطّل، او بالاحرى بالثلث المقرّر في الحكومة، في مقابل رفض مطلق لهذا الامر من كل الاطراف السياسية المعنية بملف التأليف. وتبعاً لذلك، وامام هذا الإصرار، ما نخشاه هو ان يبقى الحال على ما هو عليه من تعطيل من الآن وحتى نهاية ولاية الرئيس عون، واذا ما صحّ هذا الافتراض، فيجب ان نتوقع سلبيات لا حدود ولا حصر لها، وليس في الامكان تقدير حجمها او تداعياتها، في بلد صار على بعد امتار قليلة من الارتطام بقعر الانهيار».

وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ سيلاً من النصائح بتليين المواقف أُسديت في اتجاه الرئيسين عون والحريري، وقد بذل رئيس المجلس النيابي نبيه بري جهوداً حثيثة في هذا السياق، وكذلك فعل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، في زياراته المتتالية بين المقرات الرئاسية.

ليونة.. وتصلّب

وفي هذا السياق، قالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات لـ»الجمهورية»: «إنّ الموضوعية تقتضي التنويه الى انّ الرئيس المكلّف الذي ارتاب من المواقف الأخيرة الصّادرة عن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، والتي اعتُبرت كغطاء لتصلّب عون في موقفه واصراره على الثلث المعطّل في حكومة الاختصاصيين اللاسياسيين، تلقّى توضيحات حيال هذه المواقف والقصد الحقيقي منها. وتبعاً لذلك، فإنّ الحريري كان متجاوباً مع حركة الاتصالات، وعبّر عن ليونة جدّية واستعداد لتدوير الزوايا وصولاً الى حكومة متفاهم عليها بينه وبين رئيس الجمهورية. لكن المشكلة كانت في المراسلات الرئاسية مع «بيت الوسط»، وطريقة التخاطب مع الرئيس المكلّف، وقد ظهّرها الحريري بناءً على ما سمعه من رئيس الجمهورية لناحية الإصرار على الثلث المعطّل في أيّ حكومة ستتشكّل من 18 او 20 او 22 وزيراً».

أضافت المصادر: «وزاد التعقيد أكثر في محاولة البعض الاستنجاد ببعض السفراء، والذي جاءت نتائجه عكسية ومخالفة لما هدف اليه هذا الاستنجاد، الذي لم يكن سوى مراكمة إضافية للأخطاء، ومحاولة لمعالجة خطأ بخطيئة او بخطايا تحفر عميقاً في البلد الى حدّ يصبح من المستحيل لحمها».

موقف عون

الى ذلك، هذه الأجواء تقابلها اجواء معاكسة لدى الاوساط القريبة من رئيس الجمهورية، التي اكّدت لـ»الجمهورية»، انّ الرئيس عون كان ولا يزال منفتحاً على النقاش الموضوعي مع الرئيس المكّلف وصولاً الى تشكيل حكومة في اقرب وقت ممكن، تتولّى عملية الإنقاذ التي يتطلبها البلد، وتتقدّم على اي امر آخر. وهو ما سبق له ان عبّر عنه امام الرئيس المكلّف، كما اكّد عليه في لقائه بالأمس مع سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو، لناحية الالتزام بالمبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة وفق مندرجاتها، وكذلك الامر مع سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري، الذي اكّد على حكومة تلبّي ما يصبو اليه اللبنانيون.

وجزمت الاوساط، انّ الرئيس عون لم يقل على الإطلاق بحصّة الثلث المعطّل خلافاً لكل ما يُقال، وتحديداً ما اورده الرئيس المكلّف، بل هو يصرّ، ولن يتراجع عن التمسّك بالاصول الدستورية التي ترعى تشكيل الحكومات، والتي تؤكّد على الصلاحية الكاملة لرئيس الجمهورية ودوره الاساس في هذا الامر. وبالتالي، فإنّ المطلوب هو الالتزام بالدستور لا اكثر ولا اقل.

ورداً على سؤال قالت الاوساط القريبة من عون، «انّ من العيب تصوير ازمة التأليف وكأنّها مرتبطة بعامل شخصي، وانّ رئيس الجمهورية يرفض التعايش مع الرئيس المكلّف ويسعى الى احراجه فإخراجه، على ما جاء في بيان رؤساء الحكومات السابقين بالأمس، فهذا الامر مجاف للحقيقة تماماً. ومن البداية اكّد الرئيس عون على حكومة متوازنة وفاعلة وقائمة على معيار اساسي هو صحة التمثيل، الى جانب الخبرات والكفاءات التي ينبغي ان تتوفر بأعضائها، وهو ما زال على موقفه هذا، فإن توفرت هذه الامور لا يعود هناك اي مجال لتأخير ولادة الحكومة».

لا اعتذار

في هذا الوقت، ما زالت المراسلات الرئاسية في اتجاه «بيت الوسط» تتفاعل في الاوساط القريبة من الحريري، السياسية وغير السياسية. فيما اكّد مقرّبون من الرئيس المكلّف لـ»الجمهورية»، انّ الحريري قال كلمته على منبر القصر الجمهوري، ووضع النقاط على حروف التعطيل، والكرة ليست في ملعبه، فقد وضع مسودة حكومته في يد رئيس الجمهورية منذ ما يزيد على المئة يوم، وتضمّ كفاءات وخبرات لا غبار عليها، وصارت في متناول الرأي العام الذي تفاعل معها بحجمها كحكومة مهمّة قادرة على انجاز اصلاحات بسرعة ووضع البلد على سكة الإنفراج والإنقاذ.

ورداً على سؤال عمّا إذا كان الرئيس المكلّف سيعتذر إنْ بقي أفق التكليف مسدوداً، استغربت الاوساط الحديث المتكرّر والمتعمّد الذي يجري ترويجه من قِبل بعض المنصّات، من انّ الرئيس الحريري سيتخلّى عن ورقة التكليف، وقالت: «لا مجال لتكرار الموقف، الرئيس المكلّف ماض في مهمته، وفي تحمّل المسؤولية التي اختارها، وبالتالي لا تراجع عن هذه المسؤولية ولا اعتذار، بل هو مصمّم أكثر من أيّ وقت مضى على تشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن وفق مندرجات المبادرة الفرنسية، التي ما زالت تشكّل الفرصة المتاحة للإنقاذ، والمجال لم ينفد بعد لالتقاط هذه الفرصة».

Leave A Reply