نجح برتران تافرنييه الذي توفي الخميس عن 79 عاماً، في حفر اسمه بين كبار المخرجين الفرنسيين وأشهرهم في العالم، بفضل أفلامه المتنوعة التي مزج فيها بين القصص التاريخية والمعاصرة، مع شغف خاص بالمواضيع الاجتماعية.
وأعلن “معهد لوميير” في ليون الذي كان يترأسه والمعني بالفن السابع في تغريدة “غياب برتران تافرنييه اليوم”(أمس) الخميس، معرباً “مع زوجته وولديه نيلس وتيفاني وأحفاده” عن “الحزن والألم” لرحيله.
ودفعه عشقه للسينما إلى بذل جهود لحفظ التراث السينمائي وضمان انتقاله إلى الأجيال المقبلة، مدفوعاً برغبته في الدفاع عن السينما الفرنسية المستقلة وبشغفه بسينما القرن العشرين الأميركية.
وحازت أفلامه جوائز كثيرة، ورُشّح للأوسكار عام 1983 عن “كو دو تورشون”، وفاز في فئة الإخراج في مهرجان كان عام 1984 عن “آن ديمانش آ لا كامباني”.
كما نال عام 1990 جائزة بافتا لأفضل فيلم أجنبي عن “لا في إي ريان دوتر” وجائزة “الدب الذهبي” في مهرجان برلين عن “لابا” عام 1995، و”الأسد الذهبي” في مهرجان البندقية عن مجمل مسيرته عام 2015. كذلك حاز المخرج المولع بالسينما ومؤلف سيناريوهات أفلامه، خمس جوائز سيزار في فرنسا.
ويحفل سجله بنجاحات كثيرة بينها “لو جوج إي لاساسان” (1976) و”أون سومان دو فاكانس” (1980) و”أوتور دو مينوي”، الذي نال جائزة أوسكار أفضل موسيقى تصويرية سنة 1987، وصولاً إلى “لا برنسيس دو مونبنسييه” (2010) و”كي دورسي” (2013).
وقدّم للشاشة الكبيرة أعمالاً من أنواع مختلفة بينها البوليسية والسياسية والتاريخية وأفلام المغامرات والحروب، وكلها تزخر بالمشاعر السرية والرسائل الاجتماعية المرتبطة بمكافحة الظلم والعنصرية والمخدرات والبطالة. وقد أظهر ميلاً واضحاً إلى السرد.
وكان يرمي من خلال إنتاجه السينمائي إلى “استكشاف حقب وعوالم وتطويعها من خلال شخصيات عاطفية” لها مصائر معقدة، كما كان يؤكد، مشيراً إلى أن “عدم إصابة (المشاهد) بالملل مسألة مرتبطة بالتهذيب”.
وتحدث تافرنييه عن “متعة” لديه في أن يكون موجوداً في مواقع التصوير وإدارة الممثلين، من بينهم الصديق و”الأخ” فيليب نواريه الذي أخرج ستة من أفلامه.
شغف بأفلام الويسترن
ولد برتران تافرنييه في 25 إبريل/ نيسان 1941 في ليون في وسط فرنسا الشرقي، أحد أبرز معاقل السينما في البلاد، حيث كان يعيش الأخوان أوغوست ولويس لوميير، والتي تضم حالياً معهد لوميير المكرس خصوصاً لحفظ الإرث السينمائي، والذي كان تافرنييه رئيساً له.
وقال تافرنييه في أحد تصريحاته: “ليون علمتني التجذر في المكان. أنا من الريف وسعيد بذلك، لا أشعر بأنني باريسي”.
وقد اكتشف نجل الكاتب والمقاوم رينيه تافرنييه السينما خلال وجوده في منشأة لمعالجة المصابين بأمراض مزمنة. وبعد انتقاله إلى باريس، أسس مع أصدقاء له نادي “نيكل أوديون” السينمائي وتعاون في ستينيات القرن العشرين مع مجلات مختلفة.
دفعه عشقه للسينما إلى بذل جهود لحفظ التراث السينمائي وضمان انتقاله إلى الأجيال المقبلة، مدفوعاً برغبته في الدفاع عن السينما الفرنسية المستقلة وبشغفه بسينما القرن العشرين الأميركية.
وأصبح لاحقاً ملحقاً صحافياً لأسماء كبيرة في مجال السينما الفرنسية: جان لوك غودار، وكلود شابرول، وجورج دو بورغار منتج أفلام الموجة الجديدة.
30 عاماً من السينما الأميركية
وفي 1970، شارك في تأليف كتاب أصبح لاحقاً مرجعاً حمل عنوان “ثلاثون عاماً من السينما الأميركية”. كما نشر لقاءات مع مؤلفين كبار في هوليوود (1994). وهو أعاد الفضل في تحوله للسينما إلى “الإعجاب بأفلام الغرب الأميركي (الويسترن)”.
وفي أفلامه وعلى هامش عمله السينمائي، التزم برتران تافرنييه الكفاح في قضايا عدة بينها مناهضة الرقابة والتعذيب خلال حرب الجزائر (وقد أخرج وثائقياً عن هذا النزاع). كما كافح من أجل الأشخاص غير الحائزين أوراقاً ثبوتية وفي سبيل إعادة التعريف بسينمائيين منسيين ودفاعاً عن السينما الأوروبية في وجه المنحى التجاري للسينما الأميركية.
وقدّم المخرج في 2016 فيلماً وثائقياً بعنوان “رحلة في تاريخ السينما الفرنسية”، عرض فيه نظرة خاصة للفن السابع بعد متابعته مئات الأفلام.
وقال إن هؤلاء الفنانين “أناس يمدونني بطرق مختلفة. الجميل هو تنوع المقاربات. أحاول الدفاع عن ذلك. هذا رفض للتنميط”.
وتزوج برتران تافرنييه في منتصف ستينيات القرن العشرين، من كاتبة السيناريو كولو تافرنييه التي توفيت العام الماضي. وقد أثمر هذا الزواج الذي استمر خمسة عشر عاماً ولدين، هما الممثل والمخرج نيلس والكاتبة تيفاني التي صوّر معها فيلم “هولي لولا” سنة 2004 عن التبني في كمبوديا. وكان له زواج ثانٍ من كاتبة السيناريو ساره تيبو سنة 2005.
فرانس برس