غسان ريفي – سفير الشمال
ما يزال لبنان يعيش تحت تأثيرات العاصفة السياسية التي هبّت يوم الاثنين الفائت من قصر بعبدا، وتسببت بإنخفاض كبير في درجات الحرارة الحكومية، وبعدم إستقرار في الأجواء الدستورية والطائفية، وهي مرجحة لمزيد من الاشتداد مع إحتمال تساقط زخات جديدة من الاتهامات بالتعطيل المصحوبة ببرودة في الاتصالات والتواصل بين قصر بعبدا مرورا بمقر ميرنا الشالوحي وصولا الى بيت الوسط.
هذه البرودة يعمل كل فريق على مواجهتها عبر سلسلة من الاجتماعات الناتجة عن إستدعاءات أو زيارات أو مبادرات دبلوماسية تدق ناقوس الخطر حول البلد ومصيره وتضغط على المعنيين بتأليف الحكومة إتخاذ خطوة إيجابية في هذا المسار بأسرع وقت، لكن يبدو حتى الآن بأن لا حياة لمن تنادي.
لا يختلف إثنان على أن ما قام به رئيس الجمهورية ميشال عون مع الرئيس المكلف سعد الحريري بإرسال إستمارة حكومية له لتعبئة الفراغات فيها مع تضمينها الثلث المعطل للفريق البرتقالي، شكلت خطيئة، كونها بالشكل والمضمون أظهرت خفة في التعاطي السياسي من دوائر القصر والمستشارين، وإعتمدت مبدأ النكاية والنكد للاساءة الى الحريري بما يمثل.
لا شك في أن هذه الخطيئة شكلت محاولة مكشوفة لشد عصب طائفي لم يعد قائما حول موقع الرئاسة الأولى، وهي بالتالي إرتدت سلبا على عون وفريقه الذين وجدوا أنفسهم محاصرين من كل التيارات السياسية الرافضة للاسلوب “الباسيلي” الذي يخيم على القصر الرئاسي، باستثناء حزب الله الذي ما يزال يسعى الى رأب الصدع من خلال دور وسطي ما يزال عاجزا عن الوصول الى الايجابية المطلوبة، أما رؤساء الحكومات السابقين الذين يشدون من أزر الحريري للتمسك بمواقفه، فقد رفعوا السقف سياسيا بالحفاظ على الطائف والدستور وموقع الرئاسة الثالثة، ولم يلجأوا الى التصعيد شعبيا كون الوضع العام لم يعد يحتمل مزيدا من التحريض.
واللافت في هذا الاطار، هو مجاراة الحريري لعون وفريقه في سلوكهم الاستفزازي حتى النهاية، حيث أضاف مشهدا على “مسرحية الاستمارة الحكومية” تمثل بصعوده الى قصر بعبدا والوقوف على منبره بعد لقاء مع عون إستمر نصف ساعة، وإعلانه رفضه المطلق لأسلوب رئيس الجمهورية لأن “مش شغلة الرئيس المكلف يعبي أوراق”، وفي ذلك أيضا محاولة لشد العصب الطائفي وتحقيق مكاسب شعبية يحتاجها الحريري أكثر من أي وقت مضى.
لكن ما أثار إستغراب اللبنانيين هو ما تضمنه البيان الرئاسي بأن “ليست المرة الأولى التي يتم إرسال مثل هذه الاستمارة الحكومية الى الرئيس الحريري”، وذلك في إيحاء بأنه تم إعتماد الصيغة نفسها في تشكيل الحكومتين السابقتين من دون أن يصدر أي توضيح في هذا الاطار عن الحريري أو مكتبه الاعلامي.
في غضون ذلك، حاول عون بعد أزمة الاستمارة الحكومية الهروب الى الأمام بفتح أبواب قصر بعبدا أمام السفراء الذين حرص على إستدعائهم للتوضيح أولا وللبحث في الشأن الحكومي ثانيا، إلا أن الرياح الدبلوماسية جاءت بعكس ما إشتهت السفن العونية، حيث حرص السفير السعودي وليد البخاري على التأكيد بأنه لبى دعوة رئيس الجمهورية، وقد تلا بيانا مكتوبا بعبارات منتقاة من “إلتزام المملكة بدعم الشعب اللبناني”، الى التشديد على أن “إتفاق الطائف هو المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي”، في حين أعادت السفيرة آن غريو إحياء المبادرة الفرنسية وإنتزعت إعترافا من عون بالتمسك بها كمشروع إنقاذي، لترسل السفيرة الأميركية دوروثي شيا صليات تحذيرية من بعبدا باتجاه ميرنا الشالوحي بأن “آن الأوان للتخلي عن الشروط لتشكيل الحكومة.”
تشير مصادر مواكبة أن اللبنانيين الذين يديرون ظهورهم لقصر بعبدا وبيت الوسط معا، لانشغالهم بأزماتهم المعيشية وبكيفية مواجهة الجوع الذي يطرق بابهم، باتوا على يقين بأنهم الضحية الدائمة في كل الأحوال والظروف، حيث كانت التسوية بين عون والحريري وباسيل على حسابهم، وكذلك فإن الخلاف اليوم هو على حساب لقمة عيشهم، وأمنهم خصوصا أنه يستحضر التحريض الطائفي الذي تحول الى “غب الطلب”.
وفي الوقت الذي يحرص فيه الرئيس الحريري على التواصل الدائم مع البطريرك بشارة الراعي للبحث في تشكيل الحكومة وللحصول على التغطية المسيحية في ظل إتجاه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الى عدم منح حكومته في حال تشكلت الثقة، من دون أن يعلن عن موقفه من دعوة الراعي الى الحياد، توقفت مصادر مواكبة أمام الموقف المتقدم واللافت للرئيس نجيب ميقاتي الذي زار بكركي مطلع الاسبوع الحالي برافقه النائبين نقولا نحاس وعلي درويش.
وترى هذه المصادر أن طرح ميقاتي باعتماد النأي بالنفس بدلا من الحياد والمبادرة بدلا من المؤتمر الدولي، يشكل صمام أمان إذا ما أخذ به، وضمانة لعدم الانزلاق الى التدويل أو الى الفتنة التي قد تنتج عنه.
وتعتبر المصادر نفسها أنه من الأهمية بمكان أن يتم تقديم هذا الطرح المتماسك والمعبر من على منبر بكركي بلغة ومصطلحات الرئيس ميقاتي الهادئة والتي تحمل معان عميقة، خصوصا أن ميقاتي رسم حول الطائف خطا أحمرا إسلاميا مسيحيا لمنع تجاوزه أو الانقلاب عليه برضى ودعم من سيد بكركي.