الجمعة, نوفمبر 22
Banner

صناعة ألعاب الفيديو .. الصين تتصدر بعائدات 41 مليار دولار

قد يكون لتفشي وباء كورونا وسياسات الإغلاق التي اتبعت في عديد من دول العالم، خلال العام الماضي وحتى يومنا هذا، آثار سلبية متعددة على الاقتصاد العالمي وعديد من القطاعات الاستثمارية، لكن عندما يأتي الحديث عن صناعة ألعاب الفيديو، خاصة في الصين فإن الأمر يختلف تماما.

في العام الماضي ونتيجة لسياسات الإغلاق والحجر المنزلي وبقاء ملايين من البشر في منازلهم، أصبحت ألعاب الفيديو وسيلة ترفيه أساسية في المنزل، حتى لفئات عمرية لم تكن تقبل كثيرا على هذا النوع من الترفيه.

وتشير آخر الإحصاءات الصينية الصادرة عن جمعية الصوت والفيديو المدعومة من الحكومة الصينية، إلى أن عدد لاعبي ألعاب الفيديو في الصين حاليا يفوق عدد سكان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان مجتمعين، وخلال الربع الثالث من العام الماضي أضيف لسوق ألعاب الفيديو في الصين 3.6 مليون هاو جديد، ليبلغ إجمالي لاعبي ألعاب الفيديو في الصين 661 مليونا.

فالتدابير والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات الصينية لمكافحة وباء كورونا، أدت إلى زيادة الأوقات المخصصة لألعاب الفيديو، سواء بالنسبة للفرد أو العائلة، وانعكس ذلك على إجمالي عائدات الصناعة فحققت 11.1 مليار دولار في الربع الأول من العام الماضي، لتتجاوز بذلك الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي على منتجات الألعاب خلال الفترة نفسها 15.6 في المائة، لكن مع تراجع سياسات الإغلاق، انخفضت الإيرادات في الربع الثالث من العام الماضي لتصل إلى 10.4 مليار دولار.

وتشير التقديرات الصينية إلى أنه من المتوقع أن يكون إجمالي العائدات التي حققتها صناعة الألعاب لديها قد بلغ 41 مليار دولار في عام 2020، أي بما يفوق نظيرتها الأمريكية بأكثر من أربعة مليارات دولار، بينما شكلت ألعاب الهاتف المحمول ما يقرب من ثلاثة أرباع إجمالي إيرادات قطاع الألعاب الإلكترونية في الصين.

ويقول لـ”الاقتصادية”، المهندس جا آر برند من شركة “تطوير الألعاب” البريطانية، “تعد الصين واحدة من أكثر الأسواق ربحا بالنسبة لصناعة الألعاب الإلكترونية، وعديد من الشركات الدولية تدخل السوق الصينية، إما عن طريق الحصول على أسهم من بائعي الألعاب الصينيين أو من خلال رعاية فرق اللاعبين المحترفين، ولا شك أن الارتفاع المتواصل والسريع لشعبية ألعاب الفيديو وضخامة السوق الصينية من حيث عدد اللاعبين، ودعم المؤسسات لتلك الألعاب، بمشاركة عديد من اللاعبين في مسابقات الألعاب، وبثها البطولات بأكملها على الإنترنت، يجعل للصين قصب السبق في تلك الصناعة”.

والشركات الصينية بطبيعة الحال تظهر أيضا استعدادا لاحتضان الفرص التجارية التي توفرها الثورة الرقمية الراهنة، سواء على مستوى الاقتصاد العالمي أو الأنماط الاستهلاكية. فعلى سبيل المثال استغلت شركة “تن برسنت” الصينية أكبر ناشر لألعاب الفيديو في العالم، حفل افتتاح قمة النظام البيئي الرقمي العالمي في مدينة كونمينج الصينية عام 2019 لطرح استراتيجياتها الصناعية الخاصة بتطوير ألعاب الفيديو، ومع موافقة السلطات الصينية على ما يراوح بين 2000 – 3000 لعبة جديدة سنويا، فإن الشركات الصينية العاملة في تلك الصناعة توسع نطاق إيراداتها عبر استغلال النمو السريع في الألعاب، خاصة داخل التطبيقات المختلفة للأجهزة المحمولة.

ومن المؤكد أن تحديث السلطات الصينية لشبكة الإنترنت كجزء من جهودها لتحديث البنية التحتية الصينية، لعب دورا مهما في دفع صناعة الألعاب الإلكترونية الصينية للأمام.

بدورها، تعلق لـ”الاقتصادية” المهندسة إيديث باتشي الاستشارية في مجال الاتصالات قائلة، “مع استمرار طرح 5G فإن عدد مستخدمي الألعاب في الصين سيواصل النمو، وبالتالي سترتفع المبيعات، وقد طورت الصين أنظمة نقل البيانات لتصل في بعض الأحيان إلى سرعة تنزيل تصل إلى 100 ميجابيت في الثانية، إضافة إلى ذلك يوفر الانتشار المتزايد للبنية التحتية السحابية قدرة على التخزين والاتصالات بطريقة موثوقة وفعالة ومنخفضة من حيث التكلفة، ولذلك فإن قطاع خدمات الألعاب واحد من أسرع القطاعات الإلكترونية السحابية نموا في الصين”.

بالطبع ضخامة السوق الصينية، وأعداد اللاعبين، والقدرات التكنولوجية لشركات الألعاب الصينية، لعبت جميعها دورا رئيسيا في تطوير تلك الصناعة، لكن الشركات الصينية تواجه حاليا مزيدا من التدقيق من جانب السلطات المحلية، وذلك في إطار النهج الأكثر صرامة الذي تنتهجه السلطات في التعامل مع عمالقة التكنولوجيا في البلاد، وهو ما يبدو جليا في كيفية تعاملها مع شركة علي بابا للتجارة الإلكترونية على سبيل المثال.

ويعتقد بعض الخبراء، أن موقف الصين من شركات التكنولوجيا العملاقة قد يحدث تغيرات ملموسة في طبيعة الإيرادات التي تحققها الشركات الصينية. فعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من عائدات الشركات الصينية للألعاب لا تزال تأتي من السوق المحلية، فإن المبيعات الدولية آخذة في الازدياد.

وتجني ألعاب الفيديو الصينية محلية الصنع مزيدا من الإيرادات من الأسواق الخارجية، حيث حصلت على 3.87 مليار دولار في الربع الثالث من العام الماضي من جميع الأسواق الخارجية ارتفاعا من 3.14 مليار دولار في العام الماضي.

كما أن شركة “تن برسنت” رائدة صناعة الألعاب الإلكترونية في الصين، زادت مبيعاتها الدولية 43 في المائة العام الماضي مقارنة بعام 2019، وربما يتعزز هذا الاتجاه في الأعوام المقبلة، خاصة لشركة “تن برسنت”، لأنها واحدة من بين عشرات الشركات التي واجهت غرامات من السلطات الصينية بدعوى انتهاكها قواعد مكافحة الاحتكار، ويتوقع عديد من الخبراء أنه ربما تكون الهدف المقبل للحكومة الصينية بعد شركة علي بابا، ما سيدفعها لمزيد من التوجه إلى الأسواق الخارجية.

يصف بعض مطوري ألعاب الفيديو البريطانيين الصين بأنها “عاصمة صناعة الألعاب في العالم”، فهي موطن لعدد من أكبر شركات ألعاب الفيديو مثل “تن برسنت” و”نتايزي”، وعلى الرغم من القفزات التي حققتها الشركات الصينية، وضخامة حجم السوق المحلية، إلا أن سوق ألعاب الفيديو في الصين لا يزال في بداية تطوره فقط، وذلك وفقا لمهندس تطوير ألعاب الفيديو وليام ماك دونالد من الشركة البريطانية “غرفة الألعاب”.

ويؤكد لـ”الاقتصادية”، أن الابتكارات التقنية الجديدة مثل منصة بث الألعاب في جوجل ستوديو يمكنها جذب مزيد من اللاعبين العاديين وإحداث ثورة في كيفية لعب المستهلكين ألعاب الفيديو بشكل عام.

ويضيف، “الصين وعلى الرغم من ضخامة عائدات شركات الألعاب فيها، لا تزال تمثل نسبة صغيرة من السوق الكلية للصناعة، فإجمالي عدد اللاعبين في العالم بلغ نحو 2.7 مليار لاعب عام 2019، وتقدر بعض التقارير العائدات الإجمالية لصناعة الألعاب العالمية في ذات العام بنحو 152 مليار دولار، ارتفعت إلى 159.3 مليار دولار العام الماضي بمعدل نمو 9.3 في المائة وبحلول عام 2023 ستتجاوز العائدات 200 مليار دولار”.

ويقول، “الشركات الصينية تركز على ألعاب الهاتف المحمول، حيث نمت الحصة السوقية من نحو 10 في المائة من إجمالي سوق ألعاب الفيديو الصينية في عام 2012 إلى أكثر من 50 في المائة عام 2018، ونحو 75 في المائة من إجمالي إيرادات المبيعات في صناعة الألعاب في الصين حاليا، إذ إن أكثر من 60 في المائة من مجموع السكان في الصين يمتلكون هواتف محمولة، ولذلك تعد الصين السوق الرائدة على مستوى العالم، ويفسر ذلك أهمية الألعاب المحمولة بشكل متزايد في صناعة الألعاب”.

وفي الواقع فإن المنافسة محتدمة بين الأمريكيين والصينيين في مجال صناعة الألعاب وتشهد الأرقام المعلنة منافسة واضحة حول من يحتل المرتبة الأولى والثانية في تلك الصناعة، فبينما احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى في عام 2019، وتبعتها السوق الصينية حينها بعائدات قدرت بـ36.5 مليار دولار، فإن حقيقة الوضع في عام 2020 تبدو غير محسومة تماما.

بعض التقارير تشير إلى أن تفشي وباء كورونا أدى إلى نمو كبير في صناعة الألعاب في الصين، وأن الإيرادات ارتفعت بنحو 11 في المائة على أساس سنوي لتحتل المقدمة، وتترك الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، في حين عائدات الشركات الأمريكية بلغت 36.9 مليار دولار العام الماضي.

بينما يحتل اليابانيون المرتبة الثالثة بعوائد تبلغ 18.6 مليار دولار، يليهم كوريا الجنوبية وألمانيا ضمن قائمة الخمسة الأوائل، حيث بلغت عائدات الألعاب 6.5 مليار دولار و5.9 مليار دولار على التوالي.

في المقابل تشير تحليلات أخرى إلى أن اللاعبين الأمريكيين اشتروا ما قيمته 11.2 مليار دولار من ألعاب الفيديو في الربع الثالث من العام الماضي، وهذا يعني أنهم زادوا إنفاقهم على أجهزة الكمبيوتر الشخصية والجوال وأجهز الألعاب الجديدة 24 في المائة سنويا، ومن المتوقع أن تكون مبيعات الربع الأخير من العام الماضي أعلى من ذلك.

ويشير هذا الطلب المتزايد إلى أن الولايات المتحدة وليس الصين هي من يمتلك أكبر صناعة ألعاب في العالم من حيث الإيرادات في النصف الثاني من عام 2020، وقد يعني ذلك أن أمريكا قد تحتفظ بتاج الألعاب في الربع الأول من عام 2021 أيضا.

على أي حال ستكون المنافسة الدولية المحتدمة بين الشركات الصينية والأمريكية أخبارا جيدة للاعبين في البلدين وفي العالم، وسيشعر المطورون في البلدين بضغط متزايد لإطلاق ألعاب أكثر جاذبية للجماهير، وهذا يعني مزيدا من الألعاب المبتكرة والممتعة للجميع.

Leave A Reply