الأحد, سبتمبر 22

“طبيب الفقراء” محمد عجمي: ملابسات وفاة ثائر متجوّل

نادر فواز – المدن

الدكتور محمد عجمي، نعاه أفراد وناشطون من بيروت والجنوب وبرجا وطرابلس. مات بفعل حادث سير على طريق بيروت الجنوب. كادت تكون الخسارة المأساوية لأهله وأصدقائه ورفاقه عادية، ناجمة عن حادث. إلا أنّ واقع الأمور يشير إلى عكس ذلك.

وحسب الرواية التي يتداول بها هؤلاء، وتم التأكد من صحّتها، فإنّ سيارة عجمي تعرّضت لحادث بعد أن ثُقب أحد إطاراتها. خرج منها سالماً معافى، أو على الأقل هكذا بدا. وقف على رجليه ومشى، وتم نقله إلى مستشفى علاء الدين في الصرفند، حيث توفّي بعد ساعات معدودة. ما حصل داخل المستشفى لا يزال قيد التحقيق، وما حصل في الوضع الصحي لعجمي لا يزال أيضاً ينتظر تقرير الطبيب الشرعي. وقد يتمّ تشريح الجثة أيضاً للتأكد ما إذا كان خطأ طبياً أو تأخيراً في المعالجة أدّى إلى وفاته.

500 ألف ليرة

بعد دقائق على وفاة محمد عجمي، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يقول فيه أحد الشبان الذين كانوا برفقته في السيارة لدى وقوع الحادث إنّ “المستشفى رفض معالجته قبل تأمين مبلغ 500 ألف ليرة، انتظروا ثلاث ساعات للبدء بمعالجته”. رواية عادت وتبدّدت. لكن ما حصل فعلياً خلال تلك الساعات يطرح العديد من الأسئلة التي لا تزال تنتظر أجوبة عليها. فحسب الوقائع الطبية، أدّى الحادث إلى نزيف داخلي في جسمه وتحديداً في الطحال والمعدة. وعلى ما يؤكد أكثر من رأي طبي، من أطباء أصدقاء عجمي وغيرهم، فإنّ هذه “الإصابة لا تؤدي إلى الوفاة، فصدره وقلبه كانا سليمين، ورأسه سليم، ولو تمّت معالجته في الوقت المناسب لما كان توفّى”.

تأخّر في العلاج

كوّن الأطباء صورة فعلية لسبب الوفاة. تم التأخر في معالجة النزيف، وفقد عجمي الكثير من الدماء، حتى أنّ المعالجين طلبوا له 6 وحدات دم، لم تتأمّن أيضاً في الوقت المناسب. وكل هذا لأنّ تشخيص إصابته لم يتم إلا متأخراً، لأنّ الصور الطبية اللازمة تأخّر تنفيذها أيضاً. فعجمي دخل المستشفى على رجليه، وناقش الأطباء والممرضين فيه أيضاً، وكان واعياً بالكامل. وعلى ما ينقل المقرّبون منه “فهو عرّف عن نفسه في المستشفى على أنه طبيب، وسأله الجسم الطبي هناك عمّا يؤكد أنه طبيب، وتعامل الفريق الطبي مع الأمور كما لو أنّ حادثاً عرضياً قد وقع”. وبعد 3 ساعات على مكوثه في المشفى، سقط عجمي أرضاً يئنّ من وجع في معدته. عندها خضع للصور الطبية اللازمة وتبيّن وجود النزيف الحاد، ووضع على طاولة العمليات لمحاولة وقف النزيف حيث تم استئصال الطحال كما كانت شرايين المعدة متأثرة بفعل الحادث. ومع عدم تأمين وحدات الدم، توفى.

طبيب بالبيجاما

يتوضح بهذا السياق، أنّ تأخيراً حصل في التشخيص والمعالجة وفي تأمين الدم. هل التأخير سببه يعود إلى مبلغ 500 ألف ليرة؟ ليس واضحاً بعد. مع العلم أنّ الطبيب الذي عالجه “حضر إلى المستشفى وهو يتعافى من كورونا”. أتى ببيجاما، على ما يؤكد من كانوا حاضرين في المشفى في تلك اللحظة. حضر بعد فوات الأوان، وبعد أن كان النزيف قد بلغ حداً لا يمكن تداركه. “حصل إهمال وتأخير”، يقول الأصدقاء. بسبب مبلغ “تافه”؟ بسبب قلة كفاءة؟ بسبب استهتار؟ يبقى على الهيئات الرقابية التأكد من ذلك بعد التدقيق بكل تفاصيل الحالة والتحقيق بها. وفي هذا الإطار، تؤكد إدارة المشفى أنها قامت بواجبها في حالة عجمي، وأنها لم تتقاضَ أي فلس مقابل علاجه. لكن واقع الأمور يقول إنّ التأخير حصل.

الثائر المتجوّل

قد لا يعرف كثيرون الدكتور محمد عجمي. طبيب جراحة متخصص بالأنف والاذن والحنجرة. “طبيب فقراء” آخر، يعرفه أبناء منطقته في بلدة معركة وصور. لا يتقاضى إلا المال الزهيد. يعالج الجميع بالحدّ الأدنى من الإمكانات، وفي أحيان كثيرة من دون مقابل. خريج “الاتحاد السوفياتي”. عاد منه طبيباً وبقي عالقاً فيه، بروحه وممارسته التي قد تصل إلى حدّ التهور. “تهور” أو حماسة دفعاه، منذ 17 تشرين 2019، إلى أن يصبح ثائراً متجوّلاً. ثمة أطباء متجوّلين، حلاقين متجوّلين، باعة متجوّلين. لكن محمد عجمي ثائر متجوّل. صور، النبطية، صيدا، بيروت، طرابلس، خلدة، أينما كان التحرّك شارك. صوره في تلك الاحتجاجات واضحة، يرفع قبضةً كأنّ النصر قد تمّ أو قد يصل بأي لحظة. حتى حادث السير الذي تعرّض له قبل ساعات من وفاته، كان عائداً فيه من مسيرة للحزب الشيوعي في بيروت، وبعدها لقاء في خلدة. تجوّل على الطرقات، فنصب له إهمال الإنارة وصيانة الطرقات كميناً له. ثم وقع في كمين تأخير المعالجة الطبية. فمات.

أمام منزل المحقق العدلي السابق في جريمة مرفأ بيروت، كان محمد عجمي حاضراً. عنفوانه بلغ حدّ الهستيريا. التقطته عدسات أحد الناشطين المشاركين في التحرّك يخطب العسكر المنتشرين أمام منزل القاضي. يصيح بهم ويؤنّبهم ويدلّهم على طريق ثورة “رح نكفّيها ولاه”. يتلقط أنفاسه، يدور حول نفسه مستغرباً تعامل الناس بلا طبيعية مع كل من يحدث من نهب ومحاصصة وجرائم مالية وفعلية ومجزرة المرفأ. “ليكو شو صار بالمرفأ، ليكو قتلونا، سننتصر، إلى النصر”. لم يكن هذا المشهد عرضياً. عجمي، لطالما قدّم مشاهد مماثلة في أغلب التحرّكات التي شارك بها. مع الحزب الشيوعي، داخل وخارجه، ومع تحرّكاته. مع تحرّكات الناس ومجموعات الناشطين المنضوين في انتفاضة 17 تشرين. حتى قبلها، “أينما وجد تحركاً شارك فيه”، يقول الأصدقاء، “كان يريد الثورة الآن ويؤمن بأنّ كل تحرّك قد ينتج انتفاضة”. فحملها، وتجوّل بها ومعها.. حتى النهاية.

توضيح المستشفى

ولاحقاً، صدر عن رئيس مجلس الإدارة في مستشفى علاء الدين الدكتور حسن علاءالدين، بياناً جاء فيه: “توضيحا لما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي من مغالطات و أخبار غير صحيحة حول وفاة المرحوم الدكتور محمد حسين عجمي, فان ادارة المستشفى توضح ان المرحوم قد وصل الى الطوارئ في الساعة السادسة والنصف مساء وهو يعاني رضة في الرأس وألم في البطن وقد طلب طبيب الطوارئ اجراء الفحوصات والصور اللازمة.

و كذلك أعلم ان تكلفة الصور والفحوصات هي خمسماية الف ليرة لبنانية علما ان المرحوم لم يصرح عن نفسه بأنه طبيب و هو غير معروف لدى المستشفى.

الا ان المرحوم رفض إجراء اي عمل طبي مصرحا بانه طبيب ولا حاجة لذلك مغادرا الطوارئ بعد ان وقع على طلب الخروج و عدم اجراء المعاينة على مسؤوليته الخاصة.

و بعد ساعة من الوقت عاد المرحوم الدكتور محمد حسين عجمي الى طوارئ المستشفى وهو يعاني آلاما شديدة في البطن وأجريت له فورا الفحوصات والصور اللازمة حيث تبين أنه يعاني من نزيف حاد في الطحال والكبد وتمزق في الشرايين الاساسية فأدخل سريعا الى غرفة العمليات وأجريت له العمليات الجراحية اللازمة ونقل الى قسم العناية المركزة الا انه وللأسف تعرض لسكتة قلبية أدت الى وفاته.

ان ادارة مستشفى علاءالدين، اذ تتقدم من آل الفقيد بالعزاء لفقدان المرحوم الدكتور محمد حسين عجمي فانها تؤكد انه لا صحة لاية أخبار تتعلق بموانع مادية حالت دون ادخال الدكتور المرحوم الى المستشفى. آملين من الجميع التدقيق بصحة نقل الاخبار حرصا على الحقيقة”.

Leave A Reply