هل بقي مكان بعد للرهان مجدداً على ضغوط أوروبية تقودها فرنسا لحمل المسؤولين اللبنانيين، ولا سيما منهم الذين يعطلون مسار #تشكيل الحكومة الجديدة، على الاستجابة هذه المرة لرفع وتيرة التلويح ب#العقوبات ؟
هذا السؤال اثير على نطاق واسع مساء امس بإزاء البيان – الانذار الذي أصدره وزير الخارجية الفرنسي جان ايف #لودريان متضمنا خلاصة المشاورات التي أجرتها بلاده مع الاتحاد الأوروبي حول الازمة اللبنانية. ولكن قبل معاينة هذا التطور الخارجي، لا بد من الإشارة الى بضع “عينات” من اقطاب سياسيين تناوبوا امس على نعي الواقع والمصير الراهن بما اثار التساؤل بمنتهى الغرابة: اذا كان رموز وأقطاب وأركان يتسابقون على كشف مكنوناتهم المتشائمة على هذا النحو فماذا ترك للبنانيين بعد امام معاناة يومية نادرا ما شهد شعب مثلها؟ فمن مؤشرات تعاظم الازمة واحتدامها ان يذكر رئيس #مجلس النواب نبيه #بري بان “التايتانيك” اللبنانية صارت على وشك الغرق، وان يستجير رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري برأفة الله للبنانيين، وان يتخوف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد #جنبلاط من الحاضر اكثر من الماضي، وان يدعو رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع اللبنانيين الى الصبر على أساس الايمان بالقيامة الآتية ..
كل هذه العينات لم تكن واقعياً الا نتاج جولة تصعيدية جديدة اطلت برأسها في المسار المقفل للاستحقاق الحكومي من خلال هجمات متعاقبة اندفعت بها بعبدا أولا عبر “التيار الوطني الحر”الذي شن هجوما جديدا في نهاية الأسبوع الماضي على الرئيس المكلف بدا واضحاً انه كان مؤشراً سلبياً حيال التحرك الديبلوماسي الكثيف الذي شهدته بيروت للضغط في اتجاه وقف تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة. ثم مضى رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه في تصعيد مباشر حاد عبر كلام صحافي منسوب اليه وجه فيه اتهامات للحريري بانه “انقلب على كل قواعد التأليف الدستورية المعهودة” كما لامست الاتهامات جوانب مهينة وشخصية للحريري. ولكن الرئيس المكلف لم ينزلق الى اشتباك كلامي جديد واكتفى بالقول عبر تويتر “وصلت الرسالة… لا داعي للرد. نسأل الله الرأفة باللبنانيين”.
ومع ذلك عاود عون التصعيد خلال استقباله وفدا من الاتحاد العمالي العام معلنا تمسّكه بـ “ضرورة وجود قناعة لدى المكلف تشكيل الحكومة بصعوبة الوصول الى حلّ في هذا المجال في حال اللجوء الى التأليف من قبل شخص واحد، فهناك عدة معايير تؤلف على اساسها الحكومة، لاسيما في ما خص توزيع التوازن، وهذا لا يحصل عبر احتكار شخص لعملية التأليف. علينا إيجاد حلول كي نعيد التوازن الى ما كان عليه، ويعود اصحاب الصلاحيات الى ممارسة صلاحياتهم”.
الهجوم العوني المتجدد بدا بالنسبة الى أوساط معنية، بمثابة اطلاق النار مباشرة على الحريري ولكن لاهداف أخرى تتصل باسقاط او تجميد كل الجهود والوساطات الداخلية والديبلوماسية ما دامت تتمحور حول ثبات موقع الحريري الذي لم يعد ثمة شك في ان العهد وتياره السياسي يهدفان الى إزاحته وتنحيه. وتدلل هذه الأوساط على ذلك بان مقترح رئيس المجلس نبيه بري الذي جرت مداولات في شانه بينه وبين الحريري كان يتضمن فكرة تطعيم المسودة الحريرية للحكومة الجديدة ببعض الوجوه التي تحمل بعداً سياسياً بشكل أو بآخر، فيما بقيت الخطوة الأولى في التسوية المطروحة عالقة لجهة عدم بروز أي جديد لحلّ موضوع “الثلث المعطّل”. ولم تكن ”التسوية” التي اقترحها جنبلاط بعيدة عن هذا الاتجاه بمعنى توسيع حجم الحكومة وفق أثلاث متساوية. وتجدر الاشارة إلى أنّ المعلومات المتوافرة لـ”النهار” تؤكّد تمسّك الحريري الكامل بصيغة حكومة الاختصاص غير الحزبية انطلاقاُ مما نصّت #المبادرة الفرنسية ولن يتراجع أو يتنازل عن هذه الصيغة، مع إمكان إبدائه مرونة لجهة رفع عدد الحقائب من دون إعطاء “ثلث معطل” لأي فريق ليس أكثر، وفق تأكيد مقرّبين وثيقين منه.
بري
امام هذه الوقائع حذر بري في الجلسة النيابية امس التي اقرت سلفة الخزينة للكهرباء بمبلغ 200 مليون دولار وقانون استعادة الأموال المنهوبة من ان “البلد كله في خطر، وآن الاوان كي نستفيق. واذا غرق البلد سيغرق الجميع من دون استثناء، وتغيير الدستور ليس موجودا على جدول اعمالنا وليذهبوا ويشتغلوا”. وقال “في ما يتعلق بالمادة 64 من الدستور، هذا النص لم يكن موجودا قبل الطائف، في ما يتعلق بالحكومة المستقيلة وصلاحياتها، الصلاحيات التي عندها هي النطاق الضيق. الدستور في هذا المجال لا يحتاج الى تفسير فهو واضح تماماً، يعني، كل الامور الضرورية التي تفيد أو تدفع الضرر عن الشعب”. وكرر ان “البلد كله في خطر، البلد كله “تايتانيك”. هذا الكلام يحكى في الاوساط العالمية. لقد آن الاوان ان نستفيق لانه في النهاية اذا ما غرقت السفينة لن يبقى أحد وسيغرق البلد، واذا غرق سيغرق الجميع من دون استثناء”.
جنبلاط
اما جنبلاط فاعتبر في حديث الى #موقع “النهار” ان “لا إشارة داخلية تعطي أي أمل”، مشيراً إلى أننا “اليوم نفتقد إلى التنوع”. وقال: “اليوم أنا خائف أكثر من الماضي، خائف من الفوضى عندما أتذكر الـ75 وكيف انزلقنا إلى الحرب”. كما رأى أنّ “الرئيس الأفضل للبنان كان فؤاد شهاب لأنه هو من أرسى الإصلاحات الأساسية من الخدمة المدنية إلى الضمان الاجتماعي”. وقال: “أنا ضدّ المطالبة باستقالة الرئيس عون، والأهم كيف نزيل سوء التفاهم بينه وبين الحريري لنتمكن من تشكيل حكومة”. ولفت الى انه “بعد زيارتي الأخيرة للرئيس عون هناك من دخل على خط التسوية وأسقطها والـego عند البعض أسقط التسوية”. وقال: “بعد مبادرتي الأخيرة ما بقى حدن يطيقني، وهناك عناصر مخربة من كل الجهات وكذلك سفارات”.
تحذير لودريان
وسط هذه المناخات المتأزمة أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية مساء امس بيانا أفادت فيه ان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ” تحدث الى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، مستنكراً الجمود الكامل منذ أشهر في المناقشات الهادفة إلى تشكيل حكومة في لبنان، حتى مع استمرار البلاد في الغرق في أزمة اقتصادية واجتماعية وإنسانية وسياسية كبرى يدفع الشعب اللبناني ثمنها كل يوم وتضع البلاد في ظل توتر خطير وغير ضروري. وذكّر بأن القوى السياسية اللبنانية ككل تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا المأزق، معتبراً أن التعطيل المتعمد لأي احتمال للخروج من الأزمة يجب أن يتوقف فورًا، ولا سيما من جانب بعض الفاعلين في النظام السياسي اللبناني، من خلال مطالب متهورة ومن زمن آخر. وأعاد لودريان التذكير بالمناقشات حول مبادرته التي طرحها الأسبوع الماضي مع نظرائه الأوروبيين بهدف تحديد وسائل الاتحاد الأوروبي لتعزيز الضغط على المسؤولين عن الجمود. وشدد على أن فرنسا تقف كما هي دائماً إلى جانب اللبنانيين، مشيراً الى أنها كانت ولا تزال على الموعد على المستوى الإنساني لتحقيق المنفعة المباشرة لسكان لبنان منذ انفجار 4 آب. وقد حشدت شركائها الأوروبيين والدوليين في هذا الصدد. ورأى أنه لإخراج لبنان من أزمته، الحل يتمثل بتشكيل حكومة كفؤة وجاهزة للعمل بجدية وللصالح العام لتنفيذ إصلاحات معروفة من قبل الجميع، مؤكداً أنها مسؤولية كل القوى السياسية اللبنانية التي التزمت بها أمام رئيس الجمهورية الفرنسية، من أجل بلدهم واللبنانيين. وأبلغ الوزير نظرائه الأوروبيين والإقليميين والدوليين أنه بعد سبعة أشهر من الجمود، حان الوقت لتكثيف الضغط لتحقيق ذلك”.