اكد الصحافي والكاتب السياسي علي ضاحي في مقابلة صحافية شاملة مع موقع checklebanon.com ، أنّ الوضع في لبنان كارثي ومأساوي على مختلف الصعد، لأنّ الطبقة السياسية لا أمل منها، إنْ على مستوى تحقيق الإصلاحات أو وقف الفساد والهدر.
وإذ اعتبر أنّ لبنان مُقبل على كارثة حقيقية وانفجار على مختلف المستويات سواء اجتماعياً، اقتصادياً، وحتى أمنياً، رأى أنّ المسألة مسألة وقت فقط و”سيأكل الناس بعضهم” إذا استمرّت الاحول على هذا المنوال.
وبينما شدّد على أنّ عقبات تشكيل الحكومة محلية محض، وترتبط بالرئيسين عون والحريري، نفى أنْ يكون هناك أي عوائق ترتبط بحزب الله، كأنْ يتلطى خلف رئيس الجمهورية بانتظار الانتخابات الإيرانية، واصفاً حراك السفراء بالعادي، لأنّ لم يحمل جديداً وكان بناء لطلب جمهوري.
مبادرة بري الحكومية
وعن مبادرة الرئيس نبيه بري الحكومية، أكد ضاحي أن هناك مبادرة عرّابها الرئيس بري وآخرون يقولون بأنها انطلقت من النائب السابق وليد جنبلاط، ومن ضمن شعار “التسوية”، الذي اطلقه جنبلاط بعد زيارته الرئيس ميشال عون في بعبدا، كما هناك من يشير الى الرئيس بري طرح مبادرته خلال لقائه بالرئيس المكلف سعد الحريري يوم الخميس الماضي في عين التينة”.
وإذ لفت ضاحي إلى أنّ “مبادرة الرئيس بري “المطوّرة” عن نسختها السابقة، ترتكز على رفع الحكومة الى 24 وزيراً، ومن دون ثلث معطل لأي طرف، وأن تتألف من اختصاصيين، وتكون لكل وزير حقيبة واحدة فقط”، أوضح أنّ “معلوماتي المستقاة من أكثر من جهة معنية بالتأليف، تؤكد أنّ هذه المبادرة سواء كانت منسقة بين بري وجنبلاط او طرحها الاثنان معاً او صادرة عن احدهما، فهي حتى الساعة لا تزال مجرّد أفكار شفهية، ولم تُسيّل إلى مبادرة، حتى أنّها لم تتحول الى طرح لجس النبض”.
واستدرك: “للاسف هناك بعض الجهات التي تعتبر أن كل ما يجري “تعبئة وقت ضائع” و”طبخة بحص” لعدة أسباب: أولاً لان الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل لا يستسيغان، اي مبادرة تصدر عن الرئيس بري وهناك تباين واسع بين الثلاثة… وثانياً لأن الحريري يرفض اي صيغة غير 18 وزيراً، ويعتبر اي توسيع للحكومة الى 20 او 24 يشكل انكسارا سياسيا له لمصلحة الرئيس وصهره!… وثالثاً لأن الرئيس عون وباسيل يرفضان اي صيغة حكومية، لا تضمن لهما الثلث المعطل ولا تعطيهما الوزارات الثلاث: الدفاع والداخلية والعدل!”.
لا الحزب ولا سواه
*وعمّا إذا كانت عرقلة تشكيل الحكومة التي يتعمّد الرئيس عون القيام بها، مجرّد واجهة يتلطّى خلفها حزب الله لتمرير الانتخابات الرئاسية الايرانية، وربط تأليف الحكومة بالتسوية بين اميركا وايران في الملف النووي؟.. قال: “حتماً البُعد الداخلي للأزمة الحكومية هو العامل الاساسي في عرقلة الحكومة. ومن المعروف أن الرئيس عون والنائب باسيل يعتبران أنّ الحريري “طعنهما بالظهر”، عندما استقال في 29 تشرين الاول 2019، يوم كان البلد في وضع حسّاس حينها، مستطرداً: “على ما اذكر من معلومات ان “الخليلين” وعون وباسيل والعديد من اطراف الحكومة تمنّوا على الحريري عدم الاستقالة وإدخال البلد في المجهول”.
وتابع: “عون وباسيل و”الثنائي الشيعي” يعتبرون أن استقالة الحريري عمّقت الازمة، ودفعت بهم الى خيار حكومة اكثرية (حكومة حسان دياب)، وهي التي لم تقم بما يلزم واصطدمت بجائحة “كورونا” وسميت بحكومة اللجان وفاقمت الازمة بدل حلها، وتواصلت العقوبات على حزب الله وشملت معاوني بري والنائب السابق سليمان فرنجية، ولن تنته العقوبات عند باسيل، بل هي مستمرة لان غرضها الاخضاع الاميركي والتهويل السياسي وفرض تنازلات”.
وأردف: “لذلك المشكلة الاساسية تتمثل بأنّ الحريري استقال وخرج من التسوية الرئاسية، وخضع للرغبات الاميركية، وعمّق الازمة ومأزق الاكثرية من جهة، ومن جهة ثانية وبعد كل هذه التراكمات عادت قلّة الثقة بين عون وباسيل والحريري والخلاف الذي كان سائداً قبل التسوية الرئاسية وانتخاب عون، وهما يشعران ان الحريري يريد عزلهما، وتهميش الرئاسة و”التيار الوطني الحر” في آخر سنتين من العهد، وهذه العلاقة المتوترة، تعني أن لا أحد يأتمن الآخر، او يثق به، وهناك استحقاقات مقبلة : انتخابات فرعية في حزيران 2021، اذا حصلت. في العام المقبل، هناك انتخابات بلدية واختيارية، وفي منتصف 2022 هناك انتخابات نيابية، وبعدها انتخابات رئاسية، وبالتالي اذا لم تحصل هذه الاستحقاقات في وقتها، ولا يبدو ذلك وفق الظروف الحالية انها ستجري. وسيكون هناك تمديد او “تطيير”، لها كما جرت العادة على الطريقة اللبنانية في قضم الاستحقاقات. لذلك ستكون حكومة الحريري، اذا ما تشكلت هي التي ستستلم مقاليد السلطة مجتمعة بعد شغور الرئاسة الاولى، وهنا بيت القصيد”.
واسترسل: “أما عن تلطّي حزب الله وايران وراء عون، فهناك تأكيد من الطرفين ان الحكومة في لبنان منفصلة عن الانتخابات الايرانية والاستحقاقات في المنطقة. والتأكيد على ذلك ان حزب الله يقول وابلغ حلفاءه بأنه باتفاق عون والحريري تولد الحكومة خلال ساعة واحدة، إذن المشكلة عند الرجلين وحلها يفرج عن الحكومة”.
مقبلون على انفجار
*ورداً على سؤال :”نستنتج من جوابك أنّ ميلاد الحكومة اللبنانية غير مرتبط أيضاً بمعارك اليمن ومأرب والملف النووي الايراني؟”، أجاب: “كما سبق وأسلفت لا ارتباط بين الحكومة وملفات المنطقة وحزب الله يؤكد ذلك. وعملياً وبلغة الارقام لا يمكن ربط الحكومة بأي استحقاق آخر اقليمي او دولي، بل إنّ الاحتياط الإلزامي على “الحافّة” في مصرف لبنان كما يزعم رياض سلامة ومَنْ هم في السلطة، ورغم أنني لا اثق بهم ولا اصدقهم، وما يمكن صرفه على الدعم الاساسي للمواد الغذائية والمحروقات والدواء يمكن ان يستمر بحده الادنى حتى حزيران، كما قال الرئيس المستقيل حسان دياب، وكذلك وزير المال غازي وزني، وهذا يعني ان البلد قادم على انفجار معيشي واجتماعي اكبر بكثير مما نعيشه اليوم. واللبنانيون بغالبية مناطقهم وطوائفهم يئنون من الجوع ومن البطالة ومن تدني قيمة رواتبهم. طبعاً لمن لا زال يعمل ويقبض نصف راتب او ثلاثة ارباع الراتب بسبب “كورونا” ، وهذا يؤدي الى ان المجاعة ستصيب 6 ملايين لبناني ومقيم على ارض لبنان، ولن توفر مذهباً او ديناً او طائفة. يعني ان الجميع متضرّر من عون الى الحريري الى حزب الله وحركة امل والقوات وكل لبنان. ومهما بلغت المكابرة والعنتريات، فمن سيحكم المعرقلون مجموعة من الجياع الغاضبين؟”.
شد الوتر الطائفي
*وردّاً على فرضية الوصول إلى حرب طائفية أو مذهبية، أو إمكانية التعايش بين باسيل والحريري، في ظل الحديث عن أنّ باسيل هو الحاكم الفعلي للبلد وعون لا يعرف بكل ما يجري؟، قال: “مما لا شك فيه أنّ الحريري يلعب على الوتر المذهبي السني عبر تمسّكه بما يقول انها صلاحيات الرئيس المكلف يعني رئيس الحكومة السني، وذلك ليشد العصب ويجمع حوله الرؤساء السابقين للحكومة ودار الفتوى. أما عون وباسيل وعبر القول إن الحريري شاور نفسه وسمّى الوزراء السُنّة، وشاور جنبلاط وسمّى الوزير الدرزي، و”الثنائي الشيعي” شاورهما وسميا الوزراء الشيعة، فلماذا يمنع الحريري على عون تسمية الوزراء المسيحيين؟ ولماذا هذا التهميش”.
واعتبر أنّه “بهذا المنطق يحوّل الحريري وعون وباسيل المشكلة من مشكلة دستورية، الى مشكلة شخصية وطائفية ومذهبية، وبالتالي يشد كل طرف عصب جمهوره الطائفي في الشارع، ليجبر الطرف الآخر على تقديم تنازلات، وهذا لا يتم حالياً، بل إنّ هذا الصراع الطائفي للأسف في العمق، ودفع “سعاة الخير” الى الطلب من البطريرك الماروني بشارة الراعي، التوسط بين الرجلين، ربما لأنّه مرجعية دينية مسيحية قد لا يشعر عون اذا قدّم تنازلات بأنّه منكسر وكذلك الحريري ايضاً”.
وشدّد على أنّ “المطلوب هو تفاهم الرجلين “بالتي هي أحسن”، ووفق ما ينص الدستور، وأن يشكلا الحكومة بالتفاهم، وإلا المشكل باقٍ وسيكبر في الشارع، والاقتصاد منهار والبلد مفلس او نحن مقبلون على قوة قاهرة ما او تدخل خارجي ملزم للطرفين، أما القول بأنّ باسيل هو الحاكم الفعلي في البلد، وعون آخر من يعلم، ففيه مبالغة وانتقاص من قوّة شخصية عون ودوره وموقعه الرئاسي، ومحاولة لتشويه صورته وتهميش دوره واتهامه لا سمح الله بقدراته العقلية وفيه نوع من المس الشخصي قبل السياسي”.
وأكد أنّ “عون وفق معلوماتي يتشاور مع باسيل، على اعتبار انه رئيس اكبر كتلة نيابية، واكبر كتلة مسيحية، وصهره، ومقرّب منه ويثق به، وهذا امر طبيعي ولا يخالف القوانين والاعراف، لكن لا اعتقد ان عون “مسحور” وباسيل يجلس في مخّه ويقرّر عنه!”.
طلب رئاسي
*وفي ما يتعلق بـ”حراك السفراء”، رأى أنّ “حراك السفراء من السعودية الى اميركا، فرنسا، الكويت، قطر وروسيا فهو حراك استطلاعي وطبيعي، ولا يحمل اي مبادرات او طروحات حكومية، بل حث على تسهيل التشكيل والبعض لوّح بعقوبات على المعرقلين. كما لا صحة لأي تبدّل في المقاربة السعودية من لبنان، ولم يحمل السفير السعودي وليد بخاري اي موقف من الحكومة او من الحريري، اقلّه علناً لم يصرح بشيء مماثل، وأيضاً بعض الزيارات الى قصر بعبدا وخصوصاً زيارة السفير بخاري والسفيرة الفرنسية آن غريو فقد تمّت بناء على طلب من عون. أما زيارة السفير الروسي الى اللقلوق فتمّت بطلب من باسيل وذلك للاطلاع على ما بحثه وفد حزب الله وكذلك الحريري مع لافروف”.
إلى المهوار دُر
*و”في الاقتصاد، وعن رؤيته للوضع الاقتصادي و”هل نحن مقبلون على انهيار أكبر؟”، قال ضاحي: “الوضع سيئ للغاية. السلطة بعقمها وإفلاسها منذ 17 تشرين الاول 2019 حتى اليوم لم تقم بأي حل اصلاحي او مالي جذري، بل هي عوضاً من ان توقف الهدر والفساد وتعيد الاموال المنهوبة، نهبت اموال المودعين وزادت من تفاقم الوضع عبر طبع اكثر من 45 الف مليار ليرة في العام 2021 و2020 بزيادة 25 الف مليار عن 2019، كما لم تجبِ من حقوق الدولة وايراداتها الا النذر اليسير ما يقارب الـ20 في المئة فقط. اي انها تغطّي رواتب الـ300 الف موظف ونائب ووزير وكل نفقات الدولة من المال المطبوع او “المونوبولي”، لافتا إلى أنّ “استمرار المصرف المركزي بالعمل وفق التعميم 151 وإعطاء ودائع الناس بالدولار او “اللولار” على سعر 3900 ليرة، يؤكد ان لا افق مالياً عند الحاكم رياض سلامة، وأنه لا يثق بولادة حكومة حتى ايلول 2021 وهو تاريخ انتهاء العمل بهذا التعميم”.
ونقل عن “كبار الخبراء داخلياً وخارجياً، تأكيدهم أنّ تضخم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية زاد التضخم بنسبة 150 في المئة، وهو ما يشي بأنّنا أمام وضع شبه ميؤوس منه اذا لم تتشكل حكومة ويدخل الى لبنان اقله 10 مليارات دولار دفعة واحدة، حتى تبدأ مرحلة البحث عن حلول، فلبنان يحتاج يومياً الى 6 ملايين دولار سيولة في السوق لضبط سعر الصرف، وإلى 6 مليارات دولار سنوياً لتمويل الاستيراد لكل الحاجات الاساسية، فمن اين يأتي كل هذا المال دفعة واحدة؟ وحتى ولو ان صندوق النقد الدولي َقبِل ان يقرض لبنان وفق شروطه القاسية، فهل هناك من امكانية لتحرير سعر الصرف والقيام باصلاحات في ظل سلطة فاسدة ومهترئة، وكل ما تفعله هو التشبث بالكرسي لاطالة عمرها السياسي ومنع الوصول الى محاكمتها”.
وختم: “الوضع باختصار كارثي ومأساوي وبهذه “العدّة والادوات” وهذه الطبقة لا امل منها بإصلاحات او وقف الفساد والهدر. نحن مقبلون على كارثة حقيقية وانفجار اجتماعي واقتصادي وربما امني وستأكل الناس بعضها اذا استمر هذا الوضع.. المسألة مسألة وقت فقط!”.