تحقيق كوثر عيسى ـ تصوير حيدر فارس
هو إحدى تلك البيوت في تلك الحارة القديمة في مدينة صور، حمل أسراراً وعايش أجيالاً.. سنين عمره تثبت العبارة التي تقول ” الحجر يفني البشر”، ثلاثمئة عامٍ يحدّثون عن تاريخ ملأته الحكايات والذكريات، أثاره توضح معالم التراث ولوحاته تستعرض قصته، حيطانه وأبوابه وشبابيكه تأخذك إلى عالم مضّت عليه أيام الحب والبراءة والإنسجام بعيداً عن ما نعيشه اليوم من أبنية وعمارات شاهقة تتطلب الكثير عكس بيوت أجدادنا التي بنيت على البساطة مما يزيد الطبيعة جمالاً.
وها هي مدينة صور المليئة بالتراث ترينا نموذجاً جديداً من العمارات الأثرية القديمة، وفي زيارة لموقع صوت الفرح إلى المنزل الذي يقطنه الحاج عصام نزّال (القبطان أبو رفعت) منذ ستة سنوات، أخبرنا أنه كشف عن حجارته التي تم تغطيتها بالباطون من قبل قاطنيه على مدى السنوات الماضية، وأنه إستملك المنزل بعد أن سكنه أهله لمدة ثلاثين عاماً أو أكثر.
القبطان مليء بالهوايات بعد الخبرة الطويلة التي واجهها في عمله “ككابتن باخرة” ومغامرات من بلد إلى بلد جعلته يؤكد أهمية كل الأمورالمتعلقة بالتراث لتكون هواية في حياته وعند انتقاله إلى مدينة صور اكتشف أن البيت عبارة عن حجارة قديمة تعود الى مئات السنين بعد أن رممه سكانه القدامة كما ذكرنا لأكثر من أربعة مرات معتبرين أنهم يحسنون فيه.
فعمل الحاج عصام بنفسه مع أربعة عشر عاملاً يومياً على مدة أربعة أشهر ليعيد البيت إلى ما كان عليه بحجارته الصخرية مزيناً المنزل باللوحات الخشبية راسما عليها عبر طريقة حفر الخشب، تحكي اللوحات بأغلبيتها عن السيرة الحسينية بعناوينها الذي يرى فيها إحياءاً للتراث الشيعي قائلا:” إني أعمل على الحديث الذي يقول أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا”.
كما واستقطب الخشب الذي وضعه للأبواب وشبابيك المنزل من مصر عبر الباخرة بهيكل قديم لإتمام منظر التراث، كما ويملك البيت العديد من المعطيات التراثية مثل الفخار المرسوم عليه باليد، المكواة والراديو والمدقة القديمة والأدوات التي يستعملوها لأخذ المواد المفيدة من الأعشاب وكلها تعود مدتها لزمن طويل جداً.
أما أعمدة المنزل فهي من مادة الغرانيت وهي تعود لأيام الفراعنة عندما أتوا إلى لبنان، وأهمية الحجر القديم له إيجابيتين، في فصل الشتاء تتسرب الماء إلى الداخل ويعطي البيت دفئاً أيضاً، أما في فصل الصيف فيعطي الحجر برودة للبيت، أبواب المنزل صغيرة وضيقة والسبب يعود إلى قساوة العثمانيين قديماً على السكان فكانوا يبنون الأبواب الضيقة جداً خوفاً من هجوم العثمانيين عليهم بسبب الظلم والتعسف والتسلط الذي كان يتبعه النظام العثماني بسلب أموالهم وأرزاقهم.
التراث جزء لا يتجزأ من الثروات الثمينة التي بدتّ قليلة جداً في عصرنا هذا، فهو ثقافة تعود لزمن أجدادنا وهذا كل ما تبقى منهم.