انخفضت أسعار النفط الخام مجددا بعد ارتفاع مخزونات البنزين في الولايات المتحدة على نحو يفوق التوقعات والتقديرات السابقة، ما جدد المخاوف من تباطؤ تعافي الطلب خاصة مع تسارع الإصابات الجديدة واتساع نطاق الإغلاق العام في عديد من الدول خاصة في الاتحاد الأوروبي.
ويدعم انخفاضات الأسعار عزم مجموعة “أوبك+” على زيادة الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميا بدءا من أيار (مايو) المقبل وعلى مدار ثلاثة أشهر بهدف تلبية احتياجات دول الاستهلاك ومواكبة ارتفاع الطلب المحلي في دول الشرق الأوسط في فصل الصيف.
ويقاوم الانخفاضات بيانات اقتصادية قوية في الولايات المتحدة والصين بشأن البطالة والتوظيف والنشاط الصناعي وحدوث انتعاش نسبي في حركة الطيران الأمريكي في ظل انتشار توزيع لقاحات كورونا، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى تعديل توقعات النمو الاقتصادي خلال العام الجاري على نحو مرتفع.
ويقول لـ”الاقتصادية” مختصون ومحللون نفطيون “إن التقلبات السعرية الراهنة لا تعكس قلقا”، مضيفين أنه “على الرغم من التقلبات السعرية واستمرار حالة عدم اليقين في التأثير في السوق النفطية، إلا أن عديدا من المؤسسات المالية والبنوك تقدم رؤية إيجابية للاقتصاد العالمي خلال العام الجاري”.
وأشاروا إلى أن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع تسارع وتيرة نمو الطلب على النفط بنحو 5.5 مليون برميل يوميا، كما من المتوقع أن يبلغ متوسط الاستهلاك العالمي للنفط 101.3 مليون برميل يوميا في عام 2022.
ولفت المختصون إلى أن التطورات الإيجابية المتوقعة هذا العام تشمل أيضا النمو الاقتصادي العالمي الذي سيسجل 6.2 في المائة في عام 2021 – بحسب تقديرات “أكسفورد إيكونوميكس”.
وفي هذا الإطار، قال أندريه جروس مدير شركة “إم إم إيه سي” الألمانية للطاقة، “إن الإغلاق الممتد في الاقتصادات الرئيسة في أوروبا له تأثير واسع في استقرار السوق، وهو ما يقود إلى ضغوط هائلة على الطلب الأوروبي الذي على الأرجح سيحتاج إلى مزيد من الوقت لبلوغ مرحلة التعافي الكامل إلى مستويات ما قبل الجائحة، وقد أضيف إلى هذه الاعباء ارتفاع مخزونات البنزين بشكل مفاجئ في الولايات المتحدة، ما يثير مخاوف مماثلة على الطلب الامريكي”.
وأشار إلى أن “أوبك” كانت قد رفعت توقعاتها للنصف الثاني من عام 2021 في بيانات مارس الماضي وتترقب السوق التقرير الشهري لأبريل الذي يصدر الأسبوع المقبل، الذي على الأرجح قد يتضمن مزيدا من تعديلات التقديرات للطلب على النفط للنصف الأول من العام الجاري.
ويرى، فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة “سنام” الإيطالية للطاقة أن قرار “أوبك+” بإعادة مليوني برميل يوميا إلى المعروض النفطي بحلول تموز (يوليو) المقبل دعم حالة التفاؤل بإمكانية قطع خطوات كبيرة ومؤثرة في تعافي الطلب العالمي على النفط الخام في أشهر الصيف المقبلة خاصة بعد بيانات صادرة عن اللجنة الفنية المشتركة لمجموعة “أوبك+” التى ترجح نمو الطلب بنحو 5.6 مليون برميل يوميا خلال العام الجاري.
ولفت إلى أن جميع الأطراف المعنية في سوق النفط الخام تترقب حدوث تقدم ملموس وجوهرى في الطلب، لكن المهمة ليست سهلة وتعتمد على مجموعة من العوامل المتشابكة لكن أهمها بالطبع مدى النجاح في السيطرة على الوباء وبالتالي تعزيز قدرة الاقتصادات الكبرى على الخروج من عمليات الإغلاق والقيود الأخرى التى تعطل من النمو الاقتصادي القوي.
من ناحيته، يقول أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة “على الرغم من تنامي مخزونات البنزين في الولايات المتحدة التي قادت إلى تراجع الأسعار،إلا أنه في المقابل هناك مؤشرات بشكل عام على تعاف في حركة السفر نتيجة اتساع عملية توزيع لقاحات كورونا، ما ينعش قطاع الطيران بصفة خاصة، حيث يعد الطلب على وقود الطائرات من أكثر القطاعات التي تضررت بشدة من الوباء”.
وأوضح أن مجموعة “أوبك+” اختارت من البداية البعد عن استهداف الأسعار أو سياسات رد الفعل، إنما تقديم رؤية أعمق وأطول تقود إلى استعادة توازن السوق والتقييم المستمر لبيانات العرض والطلب والمخزونات، لذا كانت منظمة “أوبك+” حكيمة في تخفيف تخفيضات الإنتاج على الرغم من مخاوف الطلب الراهنة بسبب ارتفاع الاستهلاك صيفا.
وتقول نينا أنيجبوجو المحللة الروسية ومختص التحكيم الاقتصادي الدولي “إن التقلبات السعرية الراهنة لا تعكس شيئا مقلقا خاصة أن أساسيات السوق قوية، حيث تراهن مجموعة “أوبك+” على تحقيق التوازن في السوق في الغالب خلال النصف الثاني من عام 2021″.
ولفتت إلى أن دور “أوبك+” يزداد أهمية ورسوخا وهناك متابعة وتقييم مستمر لانعكاسات الاجتماعات الشهرية لوزراء المجموعة على استقرار السوق في ضوء سعيهم المستمر للوصول إلى أفضل قرارات الإنتاج المستقبلية للمجموعة، كما تتابع السوق أيضا وبالاهتمام نفسه مدى استجابة إنتاج النفط الصخري الضيق الأمريكي لأسعار النفط.
وأشارت إلى أنه على الرغم من انضباط الإنفاق لدى كبار المنتجين الأمريكيين فإنه من المحتمل أن تؤدي أسعار النفط المرتفعة إلى إعادة تصحيح مسار النمو في الإمدادات من النفط الصخري نحو الارتفاع حتى لو كان هذا النمو أبطأ مما كان موجودا بالفعل قبل الوباء.
من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، نزلت أسعار النفط أمس بعد بيانات رسمية كشفت ارتفاع مخزونات البنزين الأمريكية على نحو كبير، ما أثار مخاوف بشأن ضعف الطلب في أكبر مستهلك في العالم للخام في الوقت الذي ترتفع فيه الإمدادات في أنحاء العالم.
وتراجع خام برنت 51 سنتا أو ما يوازي 0.8 في المائة، إلى 62.65 دولار للبرميل بحلول الساعة 06:48 بتوقيت جرينتش. وهبط الخام الأمريكي 53 سنتا أو ما يعادل 0.9 في المائة، إلى 59.24 دولار للبرميل.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية “إنه بينما انخفضت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة بأكثر مما توقعه المحللون، قفزت مخزونات البنزين بقوة، خلافا للتوقعات أيضا”.
وانخفضت مخزونات النفط 3.5 مليون برميل الأسبوع الماضي إلى قرابة 502 مليون برميل، وزادت مخزونات البنزين أربعة ملايين برميل، مقابل توقعات بانخفاض إلى ما يقل قليلا عن 230 مليون برميل، إذ كثفت شركات التكرير الإنتاج قبل موسم الصيف حين تزيد قيادة السيارات.
في المقابل، قال صندوق النقد الدولي في الأسبوع الجاري “إن الإنفاق العام الضخم الهادف إلى مكافحة جائحة كوفيد – 19 ربما يزيد النمو العالمي إلى 6 في المائة، في العام الجاري، وهو معدل لم يسجل منذ السبعينيات. ومن شأن ارتفاع النمو الاقتصادي تعزيز الطلب على النفط ومنتجاته، ما يسهم في خفض المخزونات.
إلى ذلك، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 60.68 دولار للبرميل يوم الأربعاء مقابل 61.33 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك، أمس “إن سعر السلة الذي يضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق خامس انخفاض له على التوالي، وإن السلة خسرت نحو ثلاثة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 63.7 دولار للبرميل”.