غسان ريفي – سفير الشمال
لم يعد هناك من مسؤول عربي أو دولي زار لبنان أو إستقبل شخصية من لبنان أو تعاطى بالشأن اللبناني إلا وطالب أركان السلطة السياسية بأمر وحيد هو تشكيل حكومة إنقاذ والمضي بالاصلاحات تحت شعار ″ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم″.
في الوقت الذي بات العالم كله يتوافق على هذا الطرح الانقاذي، يختلف المسؤولون في لبنان حوله ويرى كل منهم الانقاذ من زاويته وعلى طريقته، فالرئيس ميشال عون يراه بالاطاحة بالرئيس سعد الحريري وإذا لم يكن ذلك ممكنا فبالحصول على الثلث المعطل لتياره السياسي، ويراه الحريري بحكومة إختصاصيين من دون ثلث معطل لأي فريق نكاية بفريق العهد، بينما يراه جبران باسيل بالحفاظ على الحقوق والميثاقية والمعايير الواحدة والتي تعني دخوله شريكا مضاربا للحريري في الحكومة وقدرته على التحكم بقراراتها..
الرئيس نبيه بري يرى الانقاذ بالتخفيف من نفوذ باسيل في السلطة السياسية، والنائب السابق وليد جنبلاط يراه بالتسوية، ويراه حزب الله بالتوازن بين الحليف عون والصديق الحريري، أما القوى المعارضة فترى الانقاذ بإنتخابات نيابية مبكرة تحولت الى شعار غير قابل للتطبيق.
أمام هذا الواقع، حملت زيارة المبعوث الأميركي ديفيد هيل الى لبنان ثلاثة عناوين:
الأول الحكومة، حيث يبدو أن زيارة هيل لم تحرك مياه التأليف الراكدة بقدر ما أعطت إشارات إضافية عن الغضب الأميركي جراء إهمال السلطة السياسية للأزمات المالية والاقتصادية الصعبة وإعتماد سياسة اللامبالاة مع شعبها من خلال إستمرار خلافاتها التي تعرقل تشكيل الحكومة، حيث رفع هيل عصا العقوبات مجددا عندما أكد في أكثر من لقاء بأن المعرقلين يعرضون أنفسهم لعقوبات..
من هذه الاشارات، ضرورة التفتيش عن مخارج للحلول، حيث كان لافتا إشادة هيل بموقف جنبلاط الداعي الى تسوية سياسية لكي تبصر الحكومة النور، وأيضا تلافي هيل الحديث عن رفض تشكيل حكومة بمشاركة حزب الله، بالرغم من الهجوم العنيف الذي شنه عليه، ما يوحي بإمكانية غض نظر أميركي عن تمثيل “لايت” لحزب الله في الحكومة إذا كان ذلك يساعد على تسهيل ولادتها.
العنوان الثاني رياض سلامة، حيث كان لافتا جدا حرص هيل والسفيرة الأميركية دوروثي شيا على تناول طعام الغداء على مائدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ما يؤكد إستمرار الدعم الأميركي الكامل له، وأنه ما يزال رجل المرحلة الذي سيعمل مع الحكومة الجديدة وصندوق النقد الدولي على إيجاد الحلول لوقف تدهور العملة الوطنية.
أما العنوان الثالث فيتعلق بملف ترسيم الحدود الذي يبدو أنه يختلط فيه حابل السياسة بنابل المصالح خصوصا بعدما رفض الرئيس عون توقيع مرسوم تعديله بحجة أنه يحتاج الى موافقة مجلس الوزراء مجتمعا، في حين أنه كان يمكن لرئيس الجمهورية أن يوقعه إستثنائيا على غرار ما حصل في مرسوم التعبئة العامة وتمديدها.
تشير الآراء المتداولة الى أن عدم توقيع عون على تعديل المرسوم قد يكون له أكثر من سبب، فإما لعدم الطعن به دوليا كونه لا يحظى بموافقة مجلس الوزراء مجتمعا، وإما للضغط على الرئيس حسان دياب لتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال أو إعطاء دياب ذريعة لعقد إجتماع للحكومة، وإما لارضاء الأميركيين بما يساعد على إعادة النظر بالعقوبات على جبران باسيل، وإما للامساك بهذا الملف بكامله، خصوصا أن وزير الخارجية شربل وهبي أكد للمبعوث الأميركي هيل أن كل التفاصيل المتعلقة بملف الترسيم سيجدها عند الرئيس عون.
وقد كان لافتا أن هيل ولدى وصوله الى لبنان عقد إجتماعا مع فريق رئيس الجمهورية المؤلف من سليم جريصاتي وآلان عون وإلياس أبي صعب، وأبلغهم بخطورة التوقيع على تعديل المرسوم 6433، لأن ذلك سيؤدي الى إنسحاب إسرائيل من المفاوضات بشكل نهائي وإمكانية قيامها بالتنقيب خصوصا بعد الاتفاق الذي أبرمته مع قبرص.
وفي لقائه مع رئيس الجمهورية طرح هيل التريث في التوقيع، ناصحا بإبداء بعض الليونة حيال هذا الملف على أن تساعد أميركا على إرسال خبراء دوليين بحريين لدراسة المنطقة المتنازع عليها، ما يطرح سلسلة تساؤلات حول خلفية هؤلاء الخبراء وإمكانية تقديمهم مصلحة العدو الاسرائيلي على مصلحة لبنان؟ إضافة الى ماذا سيكون مصير البدء باستخراج النفط الذي أعدّ سابقا من إنجازات العهد والحكومة؟، وماذا عن الإتهامات بالخيانة والعمالة لمن إستمهل التوقيع لمزيد من الدراسة، في وقت دخل فيه هذا الملف في البازار السياسي والدولي ممن هو مؤتمن على الدستور والسيادة والأرض والبحر؟.
في غضون ذلك، يبدو أن زيارة الرئيس سعد الحريري الى روسيا لن تحقق نتائج إيجابية سريعة، فاللقاء الموعود مع الرئيس فلاديمير بوتين إقتصر على مكالمة هاتفية إستمرت 50 دقيقة، والمباحثات تناولت كيفية تزويد روسيا للبنان بلقاحات سبوتنيك، أما الملفات الساخنة فإن رئيس الحكومة الروسية كان واضحا مع الحريري بأنه عندما تشكل الحكومة نناقشها سويا، لكن يبدو من خلال المعلومات أن الحريري سمع إصرارا روسيا على ضرورة أن يكون ملف النازحين السوريين أولوية، ما يتطلب منه التعاون والتنسيق مع الحكومة السورية!َ..