السبت, نوفمبر 23
Banner

الاحتياطي الالزامي… جدل وآراء والنتيجة محسومة

ايفا ابي حيدر – الجمهورية

أثار «الاحتياطي الالزامي» ومدى قانونية استخدامه لاستكمال مسيرة الدعم جدلية واسعة أخيراً، بين معارض لاستنفاد ما تبقى من عملات صعبة لتغذية هذه السياسة التي أثبتت فشلاً ذريعاً تجسّد في ضياع اموال اللبنانيين بالتهريب وبين استكمال السير بالدعم للتخفيف من عبء الاوضاع المعيشية عن شريحة واسعة من اللبنانيين. فماذا يقول القانون؟ وما هو موقع حقوق المودعين؟

رغم الحديث المتكرر عن أهمية ترشيد الدعم فإن احداً من السياسيين لن يجرؤ على السير بهكذا قرار نظراً الى محاذير تداعياته على الارض. فاللبناني المتفاجئ باستمرار من ارتفاع اسعار السلع في السوبرماركت ومن ارتفاع كلفة الحياة المعيشية مقارنة مع مدخوله الذي فقد 80% من قيمته يتخوّف من مرحلة رفع الدعم التي لا قدرة له على تحملها على المستوى المعيشي والقدرة الشرائية. لكن في المقابل، استمرار الدعم غير ممكن من دون المس بما بات يعرف بالاحتياطي الالزامي» الذي هو عبارة عمّا تبقى من عملات صعبة في البلد. لذا، هل يجوز السماح للمصرف المركزي بخفض هذا الاحتياطي بتغطية سياسية؟ هل يمكن الطعن بهكذا قرار او ابطال مفعوله؟ هل يمكن للمودعين مقاضاة الدولة؟ والاهم هل لا يزال ممكناً استرجاع الودائع؟

في السياق، تقول استاذة قانون الاعمال والمصارف في الجامعة اللبنانية د.سابين الكك، انه قانونياً، تتيح المادة ٧٦ من قانون النقد والتسليف للمصرف المركزي، حاكميةً ومجلساً، بتخفيض أو رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي شرط ألا يتجاوز ٢٥% على الودائع لأجل و١٥% عن الودائع تحت الطلب، إذاً القانون منح مصرف لبنان صلاحية تحديد نسبة الاحتياطي الالزامي ولو وصلت إلى الصفر، وهذا فعلاً ما قام به المركزي في القرار رقم ١٣٢١٧ الذي أعفى المصارف من الاحتياطي الإلزامي على الودائع بالعملة الأجنبية التي تحول إليها بعد نيسان ٢٠٢٠، يعني عملياً اليوم لا احتياطي إلزامياً على الودائع الجديدة.

أما السؤال هل يجوز للمصرف المركزي اذا خفض الاحتياطي الإلزامي أن يستعمل الأموال مباشرة، في الدعم او غير الدعم؟ الجواب كلا، تخفيض الاحتياطي الإلزامي يعني أمرين: إمّا ردها إلى المصارف أو إلزام المصارف توظيفها بشروط يحددها لها مصرف لبنان.

ورداً على سؤال عما اذا كان ممكناً الطعن بقانون يقضي بتحويل جزء من الاحتياطي الالزامي للدعم؟ شرحت الكك ان ما يتم إغفاله عند مقاربة هذا الملف، هو نقطة جوهرية وأساسية، أن الاحتياطي الإلزامي هو وسيلة تعطى للمصارف المركزية للتحكم بالكتلة النقدية وتوجيهها في سياساته التسليفية، وهذا ما حصل واقعاً وفعلاً أن مصرف لبنان سبق واحتسب «كافة سندات اليوروبندز» (بموجب القرار ٧٩٢٦) كتوظيفات إلزامية بمعنى المادة ٧٦ نقد وتسليف، ولكنه خالف بذلك الحدّ المسموح به، لأن القانون يفرض أن تكون توظيفات المصارف في سندات حكومية او سندات مصدّرة بكفالة الحكومة كجزء من الاحتياطي حتى نسبة معينة يعود له أمر تحديدها لا أن تحتسب كاملة، وهذا يؤكد أن التورّط في الدين العام كان عن سابق تصور وتصميم. هذا طبعاً بالإضافة إلى توظيفات إلزامية أخرى (برامج لقروض سكنية، بيئية…)، بالعملة اللبنانية والأجنبية، وصلت إلى ٩٠% من حجم الاحتياطي الإلزامي بحسب القرارين ٧٨٣٥ و٧٩٢٦.

إذاً، السؤال ما هو المتبقي من قيمة الاحتياطي الإلزامي وأين هو؟ أما أي قانون يصدر في هذا الإطار يبقى قابلاً للطعن بدستوريته أمام المجلس الدستوري، مع الإشارة إلى أنه سيكون مسبقاً مخالفاً لقانون النقد والتسليف.

وعمّا اذا كان استنزاف الاحتياطي يُبقي على الآمال باستعادة المودعين لاموالهم، قالت الكك: حقوق المودعين محفوظة أساساً في قانون النقد والتسليف وكل التشريعات المكمّلة له، ومن لم يحفظ حقوقهم:

– مصرف لبنان بصفته هيئة ناظمة للقطاع المصرفي

– لجنة الرقابة على المصارف بصفتها هيئة رقابية ذات استقلالية عن المركزي،

– مجالس ادارات المصارف التي تجاوزت القوانين.

وجميعهم خالفوا بالتحديد قاعدتين جوهريتين: الأولى تنصّ عليها المادة ١٥٦ من قانون النقد والتسليف التي تُلزم المصارف ان تراعي في استعمال الاموال التي تتلقاها من الجمهور القواعد التي تؤمّن صيانة حقوقه. والتي كان عليها بصورة خاصة ان توفّق بين مدة توظيفاتها وطبيعة مواردها. والثانية تنصّ عليها المادة ١٧٤ نقد وتسليف التي تلزم المصرف المركزي ان يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها، وعليه أيضاً تسيير عمل المصارف شرط الحفاظ على حالة سيولتها وملاءتها. فهل احترمت المصارف مواعيد استحقاق الودائع عندما قامت بإقراض الدولة لسنوات طويلة مع علمها المسبق بعجزها عن رد الأموال بفضل واقع الفساد المتجذر داخلها؟ وهل حافظ مصرف لبنان على مستوى السيولة والأموال الجاهزة لدى المصارف؟ وهل مارست لجان الرقابة واجباتها التي أقسمت اليمين على أدائها؟

وختمت: الأزمة المصرفية ليست أزمة نقص في التشريعات إنها أزمة أخلاق وضمير، ووحدها المحاسبة ستعيد للقطاع هيبته ودوره.

Leave A Reply