علي زين الدين – الشرق الأوسط
تنطلق مطلع الأسبوع المقبل المنصة الجديدة لتداول العملات الصعبة بإدارة مصرف لبنان المركزي، وبمشاركة الجهاز المصرفي وشركات الصرافة، بعدما تم إنجاز التحضيرات الفنية واللوازم اللوجيستية المطلوبة، بما يشمل تدريب الموظفين المخولين بإعداد الملفات وتنسيقها إلكترونياً وتحصيل الموافقات المطلوبة لصالح الأفراد والشركات المعنيين بالتجارة الخارجية وتغطية اعتمادات الاستيراد.
ورغم أهمية الجانب الفني في تأمين سلامة المبادلات من الليرة إلى الدولار وبالعكس وتنفيذها حصراً عبر البوابة المركزية المدارة من قبل مدير مفوض من قبل البنك المركزي، تبدو الآمال المعلقة على الآلية الجديدة متواضعة إلى حد كبير لأسباب مادية بالدرجة الأولى، تتصل بتحديد المرجعية المولجة بالتعامل مع الأفراد والشركات لجهة المواصفات والشروط المطابقة، وتحديد الضمانات ذات الصلة بالبضائع وشحنها، منعاً لتحول المبالغ إلى المضاربات أو إلى غير وجهتها المحددة، والأهم الجهة التي ستلبي الطلب على الدولار وضمن أي سقوف في ظل الوضعية الحرجة لاحتياط البنك المركزي بالعملات الصعبة، وصعوبة توفر تدفقات بالدولار لدى شريكي المنصة من المصارف وشركات الصيرفة.
وكان يؤمل لهذه الآلية التقنية أن تسهم بفاعلية في الحد من سيطرة السوق الموازية على المبادلات النقدية، من خلال استعادة دور السلطة النقدية المولجة بإدارة النقد والتحكم بالسيولة… لكن المعطيات تشي بوقائع سوقية مغايرة تبعاً للفوضى النقدية العارمة التي قادت الدولار إلى مستويات قياسية قاربت 15 ألف ليرة قبل أن يرتد قليلا إلى ما بين 12 و13 ألف ليرة لكل دولار، بعدما انكفأ البنك المركزي عن سوق القطع وانتقلت مرجعية تسعير العملات من ردهات المؤسسات المرخصة إلى تطبيقات إلكترونية يتم تنزيلها على شاشات الهواتف الذكية وتحوز متابعة كثيفة على مدار الساعة من قبل أغلب المقيمين.
ويؤكد مصرفي مشارك في الترتيبات، لـ«الشرق الأوسط»، صعوبة تحقيق تحولات جدية في مسار الأسواق النقدية سواء عبر المنصة الجديدة أو من خلال أي تدابير ذات طابع تقني بحت. فالنواة المركزية للفوضى السائدة تستمد صلابتها من تداعيات انسداد آفاق الحلول الداخلية، لا سيما ما يتصل بوضعية السلطة التنفيذية العالقة بين حكومة تصريف أعمال يتعذر انعقادها وبين حكومة جديدة تصطدم ولادتها بجدار حصص التأليف الصعب. وتتمدد هذه الوضعية المربكة إلى مجمل الأولويات الحيوية التي يواجهها البلد، بما يشمل الضياع في تحديد «المرجع الصالح» للبت بموضوع الدعم الداهم بسبب قرب نفاد الاحتياط الحر من العملات الصعبة، وأيضاً إعادة صوغ خطة التعافي واستئناف المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي منذ استقالة الحكومة منذ نحو 9 أشهر.
ولن يكون مستغرباً ضمن هذه المقاربة، استنكاف بعض المصارف عن المشاركة في المنصة الثلاثية بذريعة أنها لا تحوز إمكانات يمكن أن تطلب منها لتلبية عملائها. كما يتوجس مصرفيون تواصلت معهم «الشرق الأوسط»، من «كبوة» مستجدة تنتج عن ضآلة الإمكانات المالية المتاحة، التي يمكن الاستناد إليها لتنفيذ المبادلات الموعودة. وهو ما ينذر بتوليد عوامل إرباك إضافية تسهم بتأجيج المضاربات على النقد الوطني، خصوصاً وسط التحفز التلقائي لتجار العملة وصرافي السوق الموازية، ترقباً للاستحقاق الداهم المتصل بتعذر تغطية الدعم أو تقليصه بنسب كبيرة لمعظم المواد الاستراتيجية والأساسية المستفيدة من السعر الرسمي البالغ 1515 ليرة للدولار وسعر منصة «صيرفة» الأولى البالغ 3900 ليرة لكل دولار.
ومع تقديرات مسبقة بأن الاحتياط الحر من العملات الصعبة القابل للاستخدام حالياً قد لا يتعدى 500 مليون دولار في حال عدم المس باحتياطيات الودائع لديه والبالغة نحو 16.5 مليار دولار، يرى المسؤول المصرفي أن حجم المبالغ يكون مؤثراً بذاته في استيعاب اختلالات ذات طابع ظرفي أو حدث عابر. إنما الأمور معاكسة تماماً في الظروف الحاضرة، حيث يقتضي الإقرار بأن أي تقدم نوعي على المسار السياسي يحوز الأولوية، وهو سيفضي تلقائياً إلى مضاعفة تأثير المبلغ المستخدم وتسريع التوازن وتمكين مصرف لبنان من استعادة حضوره كصانع للسوق وإدارة التدفقات والسيولة.
ولفت المسؤول المصرفي إلى صعوبات عملانية تمت إثارتها مع إدارة المنصة، وبعضها لم تتوفر أجوبتها الحاسمة ريثما تنطلق العمليات فعلياً. فحتى الساعة لم يتم تحديد السعر المرجعي الذي يتوقع أن يكون بحدود 10 آلاف ليرة لكل دولار، طبقاً لتصريح سابق لوزير المال غازي وزني، كما تسود ضبابية كثيفة بشأن مصدر التدفقات النقدية المطلوبة، مع ترجيح الدور المحوري لمصرف لبنان. كذلك فإن صعوبات لوجيستية يمكن أن تواجه إدارات المصارف في تأمين استجابة شبكتها التابعة وانخراطها أيضاً في عمليات المنصة، وفق المدرجات التي حددها البنك المركزي، بحيث يتوجب على كل مصرف إصدار التعليمات إلى مديري فروعه المنتشرة في بيروت وخارجها، وتأمين ربط إلكتروني مستقل بالوحدة المركزية في المركز الرئيسي.
تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي حدد مسبقاً هدف المنصة «بتنظيم عمليات الصرافة وذلك حماية لاستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية». وهذا ما اقتضى ضمن التحضيرات منح جميع المصارف العاملة رخصة صرافة والقيام بالعمليات النقدية أسوة بشركات الصرافة المرخصة، وفقاً لمفاهيم القانون رقم 347 الصادر منتصف العام 2001.