لم تتأخّر الضفّة الغربية المحتلّة، ومعها قطاع غزة، عن مؤازرة القدس وأهلها. سريعاً، تمدَّد فعل الاشتباك مع جنود العدو ليشمل مدناً عدّة في الضفّة، فيما كان القطاع يقول كلمته بصليات صاروخية مقنّنة ومدروسة، لم تتوقّف عن الانطلاق تجاه المستوطنات منذ ثلاثة أيام. مشهد متكامل تَمثّلت رسالته الأبرز والأبلغ في وحدة الفلسطينيين، هويّة وهدفاً ونضالاً، والتفافهم حول المقاومة في غزة، المدافع الأوّل والوحيد عنهم أينما وُجدوا. ولعلّ مفاعيل تلك الرسالة هي أكثر ما يخشاه الاحتلال، ويدفعه بالتالي إلى العمل على تهدئة الأوضاع، جنباً إلى جنب أسباب أخرى مرتبطة بظروف إقليمية حُبلى بالتحدّيات. أولى مؤشّرات التهدئة على الأرض تجسّدت، مساء أمس، في رفع الاحتلال الحواجز عند باب العامود، لكن المقاومة تؤكّد أن لا تراجع قبل إنهاء اعتداءات المستوطنين، وإعطاء الضوء الأخضر لإجراء الانتخابات في القدس، ووقف مخطّطات تهويد المدينة، الجارية على قدم وساق، ولاسيما في حيّ الشيخ جراح، حجر الرحى في مشروع عزل الحرم القدسي عن أماكن تواجد الفلسطينيين
المقاومة حامية الفلســطينيين
مع استمرار اعتداءات الاحتلال على الفلسطينيين في القدس، تواصلت الاشتباكات في المدينة المقدّسة، لتتّسع رقعتها إلى مدن عدّة في الضفّة، إضافة إلى غزة، على المقاومة حامية الفلســطينيين صعيدَي المقاومة الشعبية والعسكرية. في المقابل، لا يزال العدو يتابع تعزيزاته في القدس والضفة، ويرفع حدّة تهديداته للشبّان المقدسيين، تزامُناً مع التهويل في شأن عملية محتملة في القطاع، الذي لم تتوقّف صواريخه عن الانطلاق تجاه المستوطنات منذ ثلاثة أيام، لكن بصورة مقنّنة ومدروسة
اشتدّت على مدى الأيام الثلاثة الماضية الاشتباكات بين الشبّان الفلسطينيين وقوات العدو الإسرائيلي في القدس المحتلة، على خلفية مسيرة نظّمها مستوطنون متشدّدون من منظمة «لهافا» الصهيونية لاقتحام المسجد الأقصى، فيما تسبّب تصدّي الشبّان لها في اشتعال شرارة مواجهات واسعة في المدينة، ثمّ انتقالها إلى نقاط الاحتكاك في الضفّة المحتلّة، قبل أن تصل أصداؤها إلى قطاع غزة. وفي محاولة من العدو لردع الشبان ووقف الاشتباكات الليلية، أعلن جيشه استقدام تعزيزات كبيرة من قوات الشرطة للانتشار في المدينة، مهدّداً باستخدام «القبضة الحديدية لإعادة الهدوء مجدداً»، وهو ما لم ينجح مع توالي الدعوات إلى مواصلة الاشتباك، إذ دعا خطيب الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، مجالس العائلات في القدس إلى «حشد طاقاتها وتشكيل لجان شبابية للدفاع عن المدينة»، مع «البقاء على أهبة الاستعداد لأيّ اعتداء غادر في الأيام المقبلة».
الدعوة نفسها وَجّهتها فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة «حماس»، التي حضّت على «مواصلة الاحتشاد في البلدة القديمة وعلى أبوابها»، مناشِدةً «الفلسطينيين في الضفّة والداخل المحتلّ شدّ الرحال للمسجد الأقصى وأداء الصلوات أمام الحواجز العسكرية التي تحول دون وصولهم إلى القدس»، داعية إلى «الإسراع في تشكيل لجان الحراسة الليلية في الأماكن الفلسطينية كافة… والحذر الشديد من غدر قطعان المستوطنين عبر تسلّلهم نحو القرى والمخيمات النائية». وبحسب الحركة، يعمل الاحتلال على التحشيد يوم 28 رمضان الذي يرتبط بما يُسمّى «تاريخ القدس العبري»، في إطار سعيه لحسم ملفّ القدس واستكمال تهويدها. كذلك، أكدت فصائل المقاومة، في بيانات متعدّدة، جاهزيّتها لتصعيد المعركة في حال استلزم الأمر.
وعلى رغم اعتقال سلطات الاحتلال أكثر من 150 شاباً وإصابة 200 آخرين، لا تزال الاشتباكات تتواصل بعد صلاتَي العشاء وقيام الليل في الأقصى والأحياء المجاورة. ويتزامن ذلك مع اتّساع رقعة الاشتباكات في الضفة، حيث انتقلت إلى حاجز قلنديا والبلدة القديمة في الخليل ورام الله ونابلس ومناطق أخرى، كما أُعلنت أمس مسيرات جديدة ستنطلق في رام الله وطولكرم ونابلس والخليل، فيما تتواصل المسيرات الليلية في محافظات القطاع، على رغم التوتر نتيجة القصف المتبادَل بين المقاومة والاحتلال. وأطلقت المقاومة، خلال اليومين الماضيين، أكثر من 50 صاروخاً وقذيفة هاون تجاه المستوطنات والمواقع العسكرية، بعد مساندة «غرفة العمليات المشتركة» للفلسطينيين في القدس، وتحذيرها قادة العدو من «أن يخطئوا التقدير»، ومخاطَبتها إيّاهم بالقول: «ليعلموا بأن المساس بعاصمتنا وشعبنا ومقدّساتنا خط أحمر، وستكون له تداعيات كبيرة، وسيدفع العدو ثمنه غالياً»، فيما دعت «حماس» الفصائل إلى أن «تُبقي اليد على الزّناد، وتهيّئ صواريخها لتكون مستعدّة لاستهداف معاقل العدوّ ومنشآته العسكرية والحيوية».
لا تزال فصائل المقاومة ترى أن الجولة مستمرة ولم تنتهِ
الصواريخ استثارت قيادة العدو، التي نُقل عنها، مع ذلك، أن ردّها على غزة محدود جرّاء التقديرات الأمنية التي تفيد بأن «جبهة القطاع ستهدأ» في حال إنهاء الأحداث في القدس. ونقل موقع «والّا» العبري عن مسؤولين كبار شاركوا في جلسة تقدير موقف عقدها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، بيني غانتس، أن تل أبيب معنيّة بتفادي جولة تصعيد جديدة في غزة، بل إنها نقلت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية رسائل إلى الفلسطينيين والأردنيين على حدّ سواء، أكدّت فيها أنها مهتمّة بتهدئة الوضع في القدس، ولا تنوي المساس بحرية العبادة للفلسطينيين خاصة في رمضان. وفي هذا السياق، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن «المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية» (الكابينت) رفض مقترحاً طرحته الأجهزة الاستخبارية والعسكرية بشنّ عدوان موسّع على غزة، مبرّرة مقترحها بأنه يجب عدم تمرير إطلاق عشرات الصواريخ صوب المستوطنات «دون عقاب»، حتى لو استلزم الأمر خوض جولة قتال لأيام، لأن مثل هذا العدوان «سيثني حماس عن إطلاق الصواريخ كلّما توتّرت الأوضاع في القدس، وسيدفعها إلى تسوية ملفات عالقة… المستوى السياسي رفض هذا الاقتراح».
وعلمت «الأخبار»، من مصادر في «حماس»، أن اتصالات عدة جرت خلال اليومين الماضيين مع المصريين والأمم المتحدة لاحتواء الموقف، لكن الحركة «ترفض أيّ هدوء طالما يواصل الاحتلال سياساته في القدس، وهي تريد منع المستوطنين من اقتحام الأقصى ووقف مخططات تهويد المدينة، وانتزاع موقف واضح من الاحتلال بالسماح بإجراء الانتخابات» هناك. وحذرت «حماس»، في رسالتها إلى المصريين، من أن «استمرار الاحتلال على موقفه تجاه المدينة المقدسة ومنع إجراء الانتخابات فيها سيؤديان إلى تفجّر الأوضاع في مختلف المناطق وخاصة القدس والضفة وغزة… حتى إن أدى ذلك إلى تدهور الموقف في غزة وتطوّرت الأمور إلى مواجهة كبيرة».
في موضوع الانتخابات الفلسطينية، تُواصل «فتح» جهودها لإلغاء الانتخابات بذريعة رفض الاحتلال إجراءها في القدس. وعقدت «اللجنة المركزية» للحركة اجتماعات عدّة ليلة أمس، على أن تُجري أخرى اليوم لتحديد مصير الاستحقاق، وهو ما أشار إليه عضو اللجنة، عزام الأحمد، بقوله إن «اجتماع المركزية سيكون برئاسة الرئيس محمود عباس لاستعراض ودراسة كلّ الاتصالات ونتائجها واتخاذ القرار المناسب للانتخابات»، لافتاً إلى أن اجتماع «اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير» سيكون نهاية الأسبوع، وسيصدر خلاله قرار بخصوص الانتخابات. كما قال إن «إسرائيل لم تَحِد حتى الآن قيد أنملة عن موقفها بشأن الانتخابات في القدس… لا قيمة للانتخابات إطلاقاً دون القدس، وهي ليست قفزة بالهواء كما يقول بعض الجهلة».