خالد ابوشقرا – نداء الوطن
لا ينافس قلق المودعين على جنى عمرهم إلا مخاوف موظفي البنوك على مستقبلهم. المشكلة لم تعد محصورة بتحصيل حقوق بضع مئات من مستخدمي مصرف متعثر، إنما بحماية نحو 24 ألف عامل وعاملة في 49 مصرفاً تجارياً. المعركة في وجه قطاع يقف “على كف عفريت”، كل همه المحافظة على الاسم، ستكون شرسة. والرهان الوحيد هو على 4 نقابات تنضوي تحتها غالبية الموظفين، يعلوها إتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان.
بين الشائعات عن صرف موظفين بالمئات من أحد البنوك، والتوقع بصرف بين 10 و15 ألف موظف، حقيقة واحدة: البنوك تطبخ عملية الصرف على نار خافتة. ولانضاج طبختها بهدوء ومن دون ضجة تبتعد عن الصرف الجماعي. بعضها يعمد إلى ترهيب المصروفين بعدم اللجوء إلى النقابات والإعلام، مقابل ترغيبهم بتعويض بالدولار يوضع بالحساب. والبعض الآخر يلجأ إلى العروض الرضائية الإختيارية كبنك ميد (البحر المتوسط) الذي قدّم عرضاً سقفه الأعلى 36 شهراً، يوضع في الحساب ويدفع بحسب سعر المنصة بحد أقصى 2000 دولار شهرياً، أي 7 ملايين و800 ألف ليرة. وقد قدّم عدد كبير، ممن رواتبهم قليلة أو أصبحوا قريبين من سن التقاعد، استقالاتهم اختيارياً لقبض التعويض والخروج من المصرف. فيما هناك بنوك تطرح تعويضاً يوازي 16 شهراً، و5 أشهر إضافية لمن تخطى 20 سنة خدمة. وبنوك أخرى تعطي تعويضات زهيدة، إنما تضمن في المقابل دفع المساعدات المدرسية لمدة عامين. وهناك مصارف تطرح تعويضات هزيلة جداً، تتراوح بين 4 و6 أشهر. نتيجة لهذه العمليات صرف نحو 1580 موظفاً بين نهاية العام 2019 ولغاية اليوم، توزعوا على عدد قليل من المصارف الكبيرة والمتوسطة، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. ومع هذا، فان أعداد الموظفين الذين صرفوا لغاية اليوم، لا تُشكل 20 في المئة من إجمالي العدد الذي كان من المتوقع صرفه لغاية نهاية شباط من هذا العام، والمقدر بشكل جدي بنحو 8 آلاف موظف وموظفة. فهل هذا دليل خير؟ أم أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
خطة المرحلة المقبلة
“كل يوم يمر من دون إيجاد الحل للأزمة النقدية يزيد خطر عدم حصول المودعين على أموالهم، وبالتالي على استمرارية عمال المصارف”، يقول رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان جورج الحاج، و”من غير المستبعد أن نصحو يوماً ما على انهيار شامل يطيح بالودائع والموظفين على حد سواء. وطالما لا بوادر جدية عن قرب موعد إرجاع الودائع، فان الخطر على الموظفين قائم”. وإذا كانت أول موجة صرف قد مرت، فالأكيد أنه “ستكون هناك موجات أكبر وأخطر في الأيام القادمة، إذا لم يسارعوا إلى إنقاذ البلد”، يؤكد الحاج. وفي الوقت الذي تضحي فيه المصارف بصغار الموظفين وعمال الفروع التي تقفلها من دون هوادة لتخفيض نفقاتها، تستمر في دفع رواتب كبار موظفيها المقدّرة بآلاف الدولارات بـ”الدولار الطازج”. وبدلاً من إقصاء الكثير من المدراء، وتحديداً من هم في مراكز إدارة المخاطر، عن مهامهم لكونهم سبباً بما آلت اليه الأمور، تكرّمهم مصارفهم أكثر. أمام هذا الواقع المعاكس للمنطق يتركز العمل للمرحلة المقبلة بحسب الحاج على 5 نقاط رئيسية:
الأولى، تشكيل قوة ضغط LOBBYING لإقرار تعديل المادة 4 من قانون الدمج في حال تمّ عرضه على الهيئة العامة في المجلس النيابي.
الثانية، إقرار مشروع إتفاق التعويضات الذي طرحناه وعممناه على إدارات المصارف، وإجبارها على احترامه والعمل وفقاً لبنوده. وهذا يتطلب تبنّيه من مجلس إدارة جمعية المصارف، مثلما يتبنى عقد العمل الجماعي، وتتمّ الموافقة عليه من قبل هيئة الجمعية العامة. ذلك لان جمعية المصارف لا تملك سلطة إلزام البنوك، بل فقط رفع التوصية.
الثالثة، تطبيق بروتوكول الصرف في حال كان الصرف إفرادياً أو جماعياً.
رابعاً، إلزام المصارف تطبيق المادة 50 الفقرة (و) من قانون العمل، لجهة إبلاغ الوزارة عن عدد المصروفين وأسباب الصرف، وجلوس جميع الأطراف المعنية حول طاولة واحدة للتفاوض على التعويضات.
خامساً، تنظيم مجموعة من التحركات للضغط على المصارف للإلتزام بتطبيق القانون، وعدم الإستنسابية في صرف الموظفين.
التعاضد أهم
أهم من هذا كله يبقى أمر واحد: “تعاضد الموظفين وتكافلهم مع بعضهم البعض، حيث لا توجد شمسية فوق رأس أحد. فـ”الذين لم يطلْهم قرار الصرف اليوم قد يطالهم غداً”، يقول الحاج. و”لكي تدافع النقابات عن الموظفين وتعمل على تحصيل حقوقهم، يجب أن يتقدموا بشكوى سواء كانوا منتسبين للنقابة أو غير منتسبين، لا أن يوقعوا الإستقالة بصمت”. وبحسب الحاج فانه “كان من واجب مدراء الموارد البشرية في المصارف، بصفتهم الأداة التنفيذية للقرارات الظالمة، تبليغ إداراتهم وضع خطة العمل قبل البدء بالصرف. وهذا ما لم يحصل، على الرغم من تواصلنا معهم ولفت نظرهم إلى خطورة ما يجري في تموز من العام 2020”.
معاناة المصروفين
أمام هذا الواقع ينقل المصروفون من البنوك معاناتهم مع طريقة التعامل معهم. فالتعويضات بحسب بعضهم توضع في الحساب ولا يحق لهم سحبها إلا بكوتا محددة شهرياً. وعدا عن أنه قد يأتي أجل الموظف قبل تمكنه من سحب كامل تعويضه، فان هذه المبالغ المتدنية أصلاً تفقد قيمتها أسبوعياً، إن لم يكن يومياً، نتيجة التضخم المتصاعد والإنهيار المستمر في القدرة الشرائية. كما أن تعويض الضمان الإجتماعي يعطى بشيك مصرفي مسحوب على مصرف لبنان يوضع بالحساب ويسحب على دفعات لا تتجاوز 10 ملايين ليرة شهرياً. الحل الوحيد برأيهم هو فرض “بروتوكول” الصرف بقانون يصدر عن مجلس النواب يلزم المصارف تطبيقه لمرة واحدة، لأن كل محاولات الضغط لن تأتي بنتيجة. فـ”المصارف التي لم تسأل عن ضياع عشرات مليارات الدولارات من حقوق المودعين لن تسأل عن حقوق موظفيها”، يقول احد الموظفين المصروفين. فـ”من اليوم ولغاية حزيران القادم قد يصرف نحو 5000 موظف قبل ظهور أي خطة واضحة لمواجهة هذا الصرف الممنهج.
فهناك مصارف يشاع أنها ستخرج من السوق كلياً، وهناك مصارف لا تنوي الإبقاء على أكثر من مركز رئيسي وفرع أو فرعين، نظراً لتراجع كل الاعمال المصرفية وتقلص العمليات واقتصارها على السحوبات”. صحيح أن بعض المصارف أرحم من غيرها بما خص ملف الصرف، إلا أن التعويضات التي تقدمها بعيداً من “البروتوكول” المعد من قبل “الإتحاد” تبقى غير كافية. فتعويضات الكثير من الموظفين المصروفين بعد 20 سنة من العمل لا تتجاوز 25 ألف دولار، وحتى إن دفعت على سعر المنصة لن تتجاوز 100 مليون ليرة، أي 8 آلاف دولار بأسعار اليوم. وهو رقم لا يمكّن صاحبه من فتح أي مشروع أو الصمود لاكثر من سنة في ظل هذه الظروف. من هنا فان على النقابات واتحادها القيام بالدور المحوري في حماية وضمان حقوق من أعلى شأن المصارف في أيام العز، وعليها استعمال كافة الوسائل المشروعة وعدم الاكتفاء بالبيانات، لئلا تُضيّع حقوق الآلاف.