يجد محمود عباس نفسه أمام مشكلة كبيرة، جرّاء الإجماع الفلسطيني على رفض قراره المرتقب تأجيل الانتخابات بذريعة رفض الاحتلال تسليم ردّ مكتوب يسمح بإجرائها في القدس، على رغم إبلاغ العدو الوسطاء الأوروبيين أنه لن يتدخّل في القضية. لكن «أبو مازن» يجد، على ما يبدو، أن تداعيات التأجيل تظلّ أهون ممّا ستفرزه انتخابات لا تفتأ حظوظ حركته تتضاءل فيها، فيما الانقسام «الفتحاوي» يتعمّق أكثر فأكثر، منذراً بصراع كبير على خلافة عباس
غزة | علمت «الأخبار»، من مصادر في «حماس»، أن قيادات في «فتح» حاولت طوال الأسبوع إقناع الأولى بتأجيل الانتخابات بذريعة منع الاحتلال لها في القدس المحتلّة، فيما طلبت «حماس» الاتفاق على آليات لإجرائها هناك وتحدّي رفض الاحتلال، وهو ما رفضته «فتح» بحجة أنه سيؤثّر في علاقتها مع العدو الذي قد يعود إلى فرض عقوبات عليها ويمنع تحويل الأموال إلى السلطة، الأمر الذي سيدخلها في أزمة جديدة. بالتوازي، لا يزال الخلاف «الفتحاوي» الداخلي قائماً، وتحديداً على خلافة عباس، إذ يرى فريق أن الانتخابات ستُفقد «فتح» الكثير من مكاسبها، وستُعزّز أشخاصاً بعينهم داخل الحركة، وهو ما كشفته مصادر قالت إن عضو «اللجنة المركزية» لـ«فتح»، جبريل الرجوب، لا يزال مصرّاً على إجراء الانتخابات في موعدها، فيما يعارضه عزام الأحمد وماجد فرج اللذان يجدان أن الانتخابات تعزّز مكانة الرجوب ليكون خليفة لعباس الذي يبلغ من العمر 85 عاماً.
ويميل عباس إلى رأي الأحمد وفرج اللذين قدّما تقارير خلال الأسابيع الماضية، تشير إلى أن وضع حركته سيكون أدنى من التوقّعات بسبب مشاركة ثلاث قوائم باسمها، مقابل تعزُّز فرص فوز «حماس»، إضافة إلى سيطرة القيادي المفصول من الحركة، محمد دحلان، على أصوات كبيرة من حصة «فتح» في قطاع غزة أكثر مما هو متوقّع. وتشير المصادر إلى أن عباس كان غاضباً خلال اجتماع «المركزية» الأخير، بعد رفض «حماس» عرضه إلغاء الانتخابات، ومع استمرار الأوروبيين على موقفهم الضاغط لإجرائها كشرط لاستمرار الدعم. كما أن هناك تقدير موقف لا يعطي قائمة «فتح» فرصة لتكون أكبر قائمة في «المجلس التشريعي»، مقابل إمكانية عقد تحالف بين «حماس» ودحلان وأيضاً القدوة ــ البرغوثي لتشكيل الحكومة والتخلّص من سطوة «أبو مازن» على السلطات الثلاث.
عرَض الأوروبيون تصويت المقدسيين في مبانٍ تابعة للأمم المتحدة
وفي إطار الدفاع عن تأجيل الانتخابات أو إلغائها قال الأحمد: «أُجبرنا على تكرار عملية الانتخابات، لكن في تاريخ حركات التحرّر في العالم لا يمكن إجراء الانتخابات تحت الاحتلال إلّا مرة واحدة، ولولا وفاة عرفات، ما أجرينا انتخابات 2006». في المقابل، اتهمت «حماس» عباس بأنه «تراجَع عن الانتخابات وتذرّع بموافقة الاحتلال المكتوبة لخوفه من الخسارة». كما اعتبر القيادي في الحركة، موسى أبو مرزوق، كلّ المبرّرات «غير واقعية، وفشل الانتخابات سينعكس على مستقبل المصالحة ومآلاتها، ويجب عقد الانتخابات بالقدس دون إذن الاحتلال، فهذا شأن فلسطيني، ونحن لا نعمل وفق رغبة الإسرائيلي، والخنوع يعني الإقرار بالسيادة الإسرائيلية».
وتُظهر تصريحات الفصائل والقوائم الانتخابية إجماعاً على رفض تأجيل الانتخابات، إذ أرسلت 13 قائمة انتخابية رسائل إلى عباس تطالبه بعدم تأجيلها لأن «الانتخابات حق أساسي طال انتظاره، وواجب التطبيق لأسباب سياسية ووطنية، والتزاماً بالرغبة الشعبية التي عبّر عنها 90% من الناخبين»، داعية إلى «إجرائها في القدس بما يؤكد السيادة عليها بغضّ النظر عن موقف الاحتلال». لكن رام الله عبّرت عن غضبها من إبلاغ سلطات العدو سفراء 13 دولة أوروبية عدم معارضتها إجراء الانتخابات، التي عدّتها مسألة داخلية فلسطينية لا تنوي إسرائيل التدخّل فيها، إذ ردّ عضو «المركزية»، الوزير حسين الشيخ، بأن تل أبيب أبلغتهم رسمياً بأن موقفها لا يزال سلبياً. لكن الصحافة العبرية كذّبت تصريحات الشيخ، وقال مراسل موقع «والّا» العبري، باراك رافيد، إن المسؤولَين في السلطة، حسين الشيخ ونبيل أبو ردينة، يزعمان أن إسرائيل بعثت إليهما رسالة شفوية اليوم مفادها أنها لن تسمح بإجراء انتخابات في شرق القدس، لكن مسؤولين إسرائيليين كباراً نفوا بشدة ذلك.
إلى ذلك، كشف مصدر «فتحاوي»، في حديث إلى «الأخبار»، أن الأوروبيين اقترحوا، خلال مباحثات جرت أمس، على السلطة، إجراء الانتخابات في مبانٍ تابعة للأمم المتحدة في القدس، وهو ما وعدت السلطة بدراسته وطرحه على اجتماع «اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير» غداً (الخميس)، والذي ستحضره جميع الفصائل بما فيها «حماس»، التي دعت إلى إخضاع كلّ التفاصيل المتعلّقة بالانتخابات للإجماع الوطني، وجعل تركيز اجتماع الخميس حول كيفية عقدها في المدينة المحتلة.
المصدر: الأخبار